إنها تستيقظ لقد أتى الطبيب الخاص بالطائرة منذ مدة و عاينها و قد دخل هو فيما بعد التزم الصمت فلم يرد الكلام و اصلا لم يكن يوما ممن يحبون الكلام ... بل طبعه دراسة كل شيء حوله بصمت و بذكاء منقطع النظير ...
حتى أنه غير متفاجئ كثيرا من كل ما حدث دخولها سيارته مساعدته الغير مشروطة لها حتى كون شعرها المثيف الأسود الثائر بينما صاحبته تبدو رزين راجحة ...
إنها تنظر إليه الآن ثم تتخطاه بعينيها لتجول بهما الأرجاء و تستوعب وجودها داخل مقصورة طائرة خاصة ... انها ليست عادية...و قد ادرك ذلك لسرعت استعابها مكانها و تفهمه ايضا...انها تحلل بصمت...
حاولت ابعاد الغطاء عنها كأنها تريد ان القيام نحوه الا انه اوقفها قائلا بهدوء...
(ما كنت لأفعل ذلك لو كنت مكانك ) في آخر كلامه كانت عيناه على جزعها السفلي المغطى بالغطاء البنفسجي الغامق ...ثم انتقل بعينه الى كومة ملابس كانت بيضاء يوما و للمصح يوما ... هزت رأسها بتفهم و لم يثر عجبه انها تتعامل ببرود مع أمر تعتبره اي فتاة جللا ...ان تستيقظ و هي في حال غير التي كانت به و الله أعلم ان كانت ترتدي شيئا تحت الغطاء أم لا لكن الشبه قميص القطني الذي فقدت به الوعي لم تنزع عنها المضيفة الا السروال ...
مجددا أشار إلى جانب المنضدة المستديرة التي بها ملابس مرتبة قائلا ...
(يمكنك ارتداء تلك الملابس ... انها لإحدى مضيفات الطائرة ) بنفس البرود هزت رأسها إيجابا ثم قال و هو يشير نحو باب داخل المقصورة ...
(ذاك هو الحمام اذا احتجته ...)ليخرج مجددا ..حتى الآن لم تكلمه لا يدري لما ...لكنه لا يريد التخلي عنها فجأة طرأ لعقله سؤال بديهي هل كان ليتصرف هكذا مع أي أخرى مهمن كانت ...لا لا يظن في تلك اللحظة اعترف لنفسه أن حبه لمساعدتها فاق كثيرا إرادته لمساعدة زوجته علما أن مساعدته لسيرين كان شبه مجبر عليه بسبب توسلات أمه الغالية لم يكن ليكون أنانيا و هو يرى كل ذلك الدمار الذي طال عائلة سيرين بسببه ...صحيح فسيرين عرضت نفسها للإغتصاب بسببه أرادت الحصول عليه ... لم يكن الزواج يوما من حساباته خصوصا و هو يعلم كم المذاكل التي تحصل معه نظر لغناه الذي عرضه كثيرا للخطر كثيرا... سمع فجأة رنين هاتف الطائرة حيث ليظنه من إحدى الموظفات لكنه فوجئ بأنها هي ذات البحة و غمة الزكام قائلة
(ما رقم غرفة موظفات الإستقبال ...؟) أجابها بالرقم فقط لتغلق الخط ... لقد نسي تدوين رقمهن مع رقمه الذي وضعه لها على المنضدة ...و بعد لحظات مرت به إحدى الموظفات تحمل بيدها رزمة بلاستيكية سوداء منتفخة قليلا رجح أن يكون به شيئا يخص النساء .... توجهت نحو الغرفة حيث هي ...
لا يدري لما لايزال يفكر بشعرها الكثيف الأسود رغم سوء حاله متسخ و منكوش لا وجه مقارنة بينه و بين شعر زوجته فشعر سيرين طويل أملس شديد السواد كالشلال ... زفر بهدوء لقد مرت نصف ساعة منذ خرجت الموظفة و لم يجد أنه من المناسب أن يدخل عليها من فوره لذا آثر تركها لنصف ساعة ليدق الباب عليها لكن لا حياة لمن ينادي مجرد قلق عفوي أصابه و هو يفكر أنه ربما أصابها مكروه لذا دخل دون استئذان لتيسمر مكانه و هو يراها واقفة تصلي متشحة بالسواد حتى أخمص قدميها بحجابها و عباعتها أدرك حينها أنها يجب أن تبقى معه في عقر داره رغم برودة نظراتها إلا أنه أحس أن هناك شيء بها لم يدرك كنهه و لم يهتم أن يغرفه المهم أن يحميه في صميمه أدرك أنها تحملت ما لا يتحمله أعتى الرجال ربما لكنها صامدة جامدة ترفض الإستسلام لذا عليه حمايه ذلك المجهول ... لاحظ إنتهاءها من الصلاة لتنظر إليه ... رغما عنه غض البصر عنها لقد نظر إلى مفاتنها قبل أن يدرك كونها محجبة و لم يقدر حتى على النظر إلى وجهها و هو يدرك حقيقة كونها محجبة ... قال بصوت عادي لا ينم عن شيء
(لم يحن صلاة الفجر بعد بقيت ساعة ) هزت رأسها بتفهم بينما هو يفكر أنها ربما لا تألمها رقبتها و هي تهزها هكذا ...
سمع صوتها البحاح مجددا يقول
(أعلم لكني لم أصلي منذ مدة لذا أردت الصلاة قليلا إتجه إلى المكتب المقابل للسرير ليشغل كرسي المكتب بينما يراها تتخلى عن العبائة لتبقى ببنطال جينز أسود مع قميص أبيض طويل الأكمام و الحجاب بيقي على رأسها ارتفع حاجباه بإستغراب ... كثيرات مثلها لكن لم يعجبه أن تفعل لم يجده لائقا بها ببساطة لأنه رأى نظرة التحدي بعينيها و إن لم تكن موجهة له مما يعني أنه لن يناسبها أبدا مهما كانت الذي ترتديه فقد كانت به نقتنعة و الآن تتحداه ...أخرجه من تطفله الغريب عليه صوتها الغمام
(اين ستنزل الطائرة ...؟)أخبرها ليرى التفاجئ حتى أن رأسها ارتد للخلف لكن سرعان ما إتعادت ملامحها برودتها قائلة
(جيد سأجد طريقي من هناك ...) وجد نفسه يسألها بتلقائية
(هل تملكين بها معارف..؟) شردت عينيها كثيرا قبل أن تقول بجمود
( لم أعد أعرف ٱحدا ....) بصوت عادي سألها
( لما لا تعملين معي و يمكنك السكن في بيتي حيث والداي و أخي و زوجتي أي عائلتي ...)إحتدت نظراتها و هي تسأله
(و بأي صفة يا سيد؟)برزانة أجابها
(لا تفهميني خطأ أنا فقط لا أريدك أن تبقي وحدك في بلد لا تعرفين به أحد ...)كان تنفسها سريعا لكنه أصبح هادئا ما إن ذكر كلمة عائلة كأنها تقيم الكمة و تعيد صياغة معناه بخلدها و بذكاءه علم كيف يستغل تأثير ذلك عليها هو يزيد الضغط
(و كي أرفع عنك الحرج ... نستطيع أن نتزوج و ليس مهما أن يعلم أحد لأننا سنكون مجرد أصدقاء أو مدير و موظفة ... أي مجرد عقد زواج يمنحك حق العيش تحت سقف بيتي هكذا ستحظين بخصوصية أكبر مع نفسك و بالنسبة للعائلة سنخبرهم أن زوجك تركك أمانة عندي و أنك تعملين عندي و هو كذلك لأنني بالفعل سأتعامل معك كأمانة أودعتها لنفسي ...قد يستغربون كثيرا لكن سرعان ما سيبهت و يعتادون عليك ...)لم تثر كما توقع بل ألقاها تفكر و تزن الإقتراح بذكاء طامع بالألفة حينها علم كرهها البقاء وحيدة ...قالت بعد تفكير يسير الوقت ...
(و زوجتك ألا تؤذيها هكذا...؟)إنها ليست بأنانية و لكن رغما عنها لم تستطع إخفاء توترها من احتمالية إعادة تفكيره في المضوع ...قال لها بصدق
(لا أهواك و لا أنت مولعة بي ... انه مجرد زواج مصلحة)بصراحة لا ينكر أنه أحس بالذنب قليلا تجاه سيرين لكنه كان سيتزوج عليها عاجلا أم آجلا ليس حبا أم حاجة بل عقابا لها ربما لن تعلم أبدا لكنه للحظات أراد عقابها بسبب الطريقة التي أذت بها أسرتها ...لن ينكر أنه رأى الخزي جليا بعينيها لكنها حاولت جاهدة أن لا يظهر بصوتها و هي تقول
(أي زواجا عرفيا ...)إجابها بقوة و قد فهم أنها تحاول أن تقيس الثمن الذي ستدفعه لقاء العيش مع أسرته
(بل زواجا رسميا عند المحكمة و مع شهود ...كلما في الأمر أنك لن تكوني زوجتي فعلا و لا أنا زوجك فعلا .... الكل سيعلم انك متزوجة لكن دون الحاجة لأن يعرفوا من يكون ) اطمئنان غير معقول اكتسح ملامحها ...لم يكن أبدا ليضع ثمن كهذا فلو كان عثمان الهاشمي قد فكر في ثمن لقاء تكفله لوالده لكان والده حتى الآن مجرد لاجئ دور .... لكنه تعلم منه أن لا ثمت لأي علاقة طيبة تود إكتسابها ....
إستفسر بعملية عن مؤهلاته ليرى ما يمكن أن تشغله معه في الإدارة أو الحسابات لكنه فزجئ بها تقول
(سأكون حارستك الشخصية ... أنا مؤهلة لذلك و سأجيد حمايتك ...) لا يدري لما مط شفيته مقلدا حركة أمه حين تكون مستاءة و تحس أن شخص ما يسخر منه قال بسخرية
( نعمة من الله و ليس منا... لكن موجودة الحماية و فائضة ...) لم تهتم لحركته كثيرا رغم أنها رسمت شبه ابتسامه جعلت سرور غير معهود يتخلل جنبات قلبه ... قلت
ببروده أعصاب تحسد عليها
( نعم تماما و الفائض منها هو ما سمح لي بالسلل لسيارة محمية من الأمام و الخلف ...لو كان قناصا لقتلك دون ان يعلموا ....و من حيث عدد الحراس و الوضع الذي أراك به أنت من النوع الذي توضع حياته في مزاد العلني للمجرمين أستغرب كيف بقيت حيا بحراسة كهذه ....)حسنا لقد إقتنع و وافق هو ليس غبيا حتى لا يدرك أن القوة لا تكمن بالعدد ...
أجلى صوته متسائلا
(ما إسمك ؟؟) لثانيتين مضت قبل أن تجيب
(نادين حسين ) انها تكذب لا تلك العينين التي تتحداه ان يكذبها كاذبتين بشأن الإسم إبتسم في سره مكتشفا طريقة فذة لكشفها مستقبلا ... نظر لعمق عينيها ترى لما قرر الدخول في مجازفة كهذه دون ان يمعن التفكير خصوصا بموضوع حساس كهذا كأن يحضر أي شخص لبيته حيث أسرته هذا تم إستثاء أنها ليست أي شخص بل هي شخص خرج من مصح عقلي و تستخدم السلاح و هناك ما هو أسوء و هو أنها قد فجرت سيارته بعد أن وصفته بالمدلل بل هناك ما هو أسوء من الأشوء و هو أنه و رغم تذكير نفسه بكل هذه الكوارث لا يحس بذرة ندم أو تردد لضمها لأسرته ...
صوتها البحاح ذو غمة الزكام ألقى عنه ستار التفكير
( سيدي أريد منك شيئين بل وعدين ...) هز رأسه إيجابا لتكمل ...
(أولا عليك أن تعي أن إسمي هو كلما يحق لك ان تعرفه عني ... أريد وعدا أننا حالما نخرج من قاعة المحكمة متزوجين ستنسى أننا تزوجنا ) في موقفا آخر كان يضحك لأنه متأكد أنه لا يعرف حتى إسمها و مع ذلك هز رأسه إيجابا مرة أخرى قائلا
(لم نختلف ... و الثاني؟)
أخذت نفسا عميقا قبل أن تخرجه و تقول بهدوء...
(الوعد الثاني أن لا تبحث عني ... أقصد عن ماضي و في المقابل أعدك أن أخلص لعملي معك و لك و لكل فرد من عائلتك ...) لا يدري لما أي شيء يصدر منها يكون متوقعا من طرفه لما تبدو جد شفافة بنظره هكذا مالسر وراء ذلك إنها لمعضلة و غباء أيضا... و بدل ان ينطق بذلك قال لها بهدوء
(لك مني وعدا ....) ثم نهض من مكانه ينوي التوجه للمقاعد الخارجية للطائرة لكن هاجس ما جمد يديه بمقبض الباب لم يملك إلا أن يلتفت إليها بعد أن وقفت تنتظر إنصرافه لينظر لعينها قائلا بقوة ...
( عيناي)قالت بهدوء
( نعم ما بهما ؟) أكمل و هو مقيد عينيها بحزم (عندما لا تجدين بهما الأمان لا تسأل فقط...... غادري ) ابتسمت بهدوء حزين ثم أردفت بقوة صادقة
(حسنا لن أسأل حينها و لكني لن أغادر حتى لو رأيت بهما أسوء كوابيسي )
أنت تقرأ
أمانك أنا فإستوطني
General Fictionينظر إليها و لا يدري كيف يساعدها عجزه هذا يزعجه هو ليس بضعيف أو حتى عاجز .... على الأقل ليس فيما يخص الآخرين ....لطالما كان السند لكل من إحتاجه دون حتى الحاجة للسؤال إلا فيما يخصها .... و دون أن يدري أصبح يتعمق أكثر من اللازم في أمورها .... خصوصا حي...