نظرت بإشفاق إلى هدى التي تتصرف بعصبية تجاه وجودها في المطبخ ... رغم أن عينيها إغرورقت بدموع الفرح لكونها خرجت الغرفة إلا أن العتاب و الحنق و الغضب لم ينضب منهما تعترف بأنها أخطأت بحقها لا يحق لها أن تتصرف معها بتلك الطريقة ... لكن الله وحده يعلم ما كانت تجنبها إياه ... منذ ردت لها التحية التي كانت كالماء المثلج فوق رأسها... هدى ليست مثل مريم في هذا إنها غير معتادة على هذا النوع من الإنعزال ... بينما مريم رغم أنها بلدية أبا عن جد إلا أنها كانت تتفهم معنى أنها تحتاج لأن تبقى لوحدها تفكر و ترتب أفكارها ... و أن يجري عملية جرد لكلما في حياتها ... هدى عاشت في المدينة منذ الصبى لكنها أبدا لا تتفهم تلك الأمور تحسبها نوعا من التدلل و المياعة ... و ان كانت في أعماقها تعلم أن نادين ليست من ذلك النوع ... بل و تجزم ان سبب غضبها منها هو أنها لم تسمح لها بأن تشاركها خلوتها ... لكن كيف ستكون خلوة إن هي سمحت لها بأن تصبح جزءا منها ...
أجلت حلقها لتقول بصبر...
( أنت لن تخاصميني طوال العمر ...صحيح؟؟) رمتها هدى بنظرت أخبرتها بوضوح كم جرحتها... و كم ألمها ذلك كم أشعرها بعدم المسؤولية و عدم مراعاة الغير متى أصبحت جليدية الأحساس كيف إستطاعت فعل ذلك ... نظرت الأسى كست مقلتيها إنها تشفق على نفسها و تشفق على الكل منها إنهم يحبونها و لا يحق لها جرح مشعرهم هكذا ... فلا قلب يشترى في السوق كما لا يوجود إكسير للمشاعر نستطيع أن نحقن به من نشاء وقت نشاء ... لم تجد ما تواسي نفسها به إلا جملة ملت إعادتها ... و أصبحت تمقتها "لقد جنبتهم الأسوء " لكن هتافا خبيثا منعشا من نوع آخر يقول لها بأنهم كانوا ليتحملوا و يتفهموا ...و حتى و إن لم يقدروا ... فإنه سيقدر و حتى إن لم يستوعب و فشل في احتوائها لن يخيب أملها و سيظل معها حتى تنتهي موجة الغضب من رحلة الذكريات التي مرت بها طوال تلك الأيام ... مع انها كانت فعلا تستشعر وجوده رغم غيابها الذهني ... الا أنها أحست أنه يقيد فيها تلك الرغبة الجامحة في إخراج أسوء ما بها من أسود أشكال الغضب خيط رفيع و إن لم يكن بتلك القوة في التوهج إلا أنه منير يحول دون إيذاءها له هو بالذات ... طبعا هذا في حالة الغياب الذهني لها ... لكنها اليوم أذته و هي بكامل وعيها تعلم بأنها أصابته بشدة كلماتها عن عقابه لها كان كذبة أصابت رجولته و حتى ما وصفت به نفسها لم يكن الا بسبب غضبها منه و القهر منه و قد أزعجها أن غضب حين نعتت نفسها بذلك اللفظ و كم كرهت نفسها أكثر و أحست بالدناءة تجاهه و تجاه زوجته ... رغم ذلك لم تستطع نسيان ما جعلها تعيشه من إحساس لم تعلم بوجوده يوما ... رغم رفض عقلها كل ما حدث و يحدث إلا أن جسدها كان له الحكم فقد رمى بالمنطق عرض البحر عله يغرق أمام المراعاة التي تلقتها منه و أمام شراهتها المنهكة سلمت حتى مع الصراخ في ذهنها -الذي كان يقول بأن السيدة سيرين لا تستحق منها هذه الخيانة -خسر أمام هيجان الحاجة للنسيان ،لتفقد نفسها و الأسوء أنه قد كان هناك صوتا في داخلها يقول بأنها مع زوجها و تريد أن تنهل من هذا الحق الذي تجاهلته لثلاث سنوات حتى جهلته حقا من حقها ان تنال ما حرمت نفسها و زوجها منه منذ ثلاث سنوات... لم تحس يوما مع أي أحد من قبل كما أحست مع كنان و هي تستسلم له لقد قاومته بكل ما عندها من قوة قبل أن تنهار ... قبل أن تسلم رايتها أمام الجنون الذي اغرقها به لم تعش أي من هذا من قبل مع أحد و لا حتى مع وسام ... الذي كان زوجها لأنه ببساطة كان يعاملها بتقدير مبالغ فيه كل تصرف كان يصدر منه كان نوعا من التقدير و الإمتنان كأنه يعظمها بل كأنه ينظر إلى نفسه بنوع من الدونية ... حيث تقبلته و هي تدرك أنه رجل يهوى الموسيقى و يسعى لنيل إهتمام والده الذي لم يكن لينال رضاه إلا بتدميرها هي لكنها ... إكتشفته بسهولة فمهمتها كان جمع سجلات المجرمين معرفتهم دراستهم تقويمهم و إعادة تأهيلهم لو قدرت ... و وسام لم يكن مجرما في نظرها آن ذلك كانت واثقة بنقاء روحه حين كان يستدرجها و هي ببساطة إنقادت بإصرار فقط لتكوين الصداقة معه لتكتشفه هو ... شخصه هو و تعطيه أسرة هذا كل مإحتاجه و أنهت الأمر بأن عرضت عليه الزواج و كم كان شكله مضحكا آن ذاك و هو ينظر إليها كمن يحلم تردد كثيرا و هو ينظر إليها بنوع من الشعور بالذنب و كأنه يفكر بأنها لا تعلم من يكون و إلا لما سمحت لمجرد طيفه أن يحوم حولها ... و كان أن صمتت و هي تستغل فيه ذلك الٱحساس و هي تجمع المعلومات من كل حدب و صوب بعيدا عنه نوع من البراءة لفت زواجهما ... فعقد قرانهما الذي دام لثلاث سنوات كان غريبا فهو لم يقترب منها يوما لم يحاول التقرب منها لم يتواجدا وحدهما يوما رغم الثقة المتبادلة بينهما إلا أنه إحترمها كمن ... كمن يتعامل مع أمه و يخجل ان يتخيلها زوجا له ... بينما كان يتحرر تماما حين يكون مع عائلتها يتصرف كفرد فيها ... و الأكثر دهشه أن والدها كان يعلم بأمره فقد أخبرت والدها و حين قالت أنها تثق في أنه سيتأثر بالجو الأسري بينهم و قد يكونون قادرين على مساعدته من الإستسلام لرغبات والده الحقيرة ... و كان أن قال بإستسلام ...
( أنا أوافقك و أثق بإحساسك ... لنعقد قرانكما حين تكونان مستعدان ... )
الآن و الألم يكاد يفتك بها تتمنى لو صفعها والدها حين إقترحت الزواج من إبن مجرم قاتل يكاد ينتهج نهج أبيه و كانت النتيجة أن فقدت الكل ... لكن الأغرب أنها لم تكن تحس بغرابة علاقتهما ... كانت الأمور حينها بنظرها عادية ربما لأنها لم تواجه نقصا يوما بحيث لم تعرف وجود أمر كالذي عرفته مع كنان ... الآن فقط عرفت بأن وسام لم يكن زوجها يوما ... كانت تعطيه فقط الحق التواجد مع أسرتها الحق في إمتلاك أسرة ... لذلك لم تطالبه بشيء و هو كذلك ... لم يبدو الأمر غريبا أبدا آن ذاك .... أبدا .... إلا أنه خذلها تلك العفوية مع أسرتها تلك الهالة البريئة التي كانت تكاد تنبت له دوائر الملائيكة فوق رأسه كلها أكاذيب الحقيقة أن نفسه كانت كريهة قاتلة الذي فجر بيتها كان والده و هو كان على علم بذلك و لم يحرك ساكنا حتى هي كانت تعلم بأن مكيدة ما تحاك بل إن والده هددها بصريح العبار بأن تهتم بأسرتها قبل أن تفقدها ... لكنها تجاهلت تهديده لها ليس عن عدم إهتمام لأسرتها بل ثقة في أن وسام سيحميهم ذلك كان الوعد الصامت بينهما فقد عمدت إلى إعلامه بطريقة غير مباشرة بأنها تعلم من يكون و ما كان هدفه من التقرب منها رغم ذلك أدخلته دائرة الأحلام حيث تريح رأسها حيث ترمي همومها حيث تنال الراحة قبل أن تعود للحروب الجسيرة ... و قد إعتبرت أنه قد فهم و قد أوهمها بأنه فعلا قد فهم أن الثمن هو حماية أسرتها التي هي أسرته...
قشعريرة سرت بها لتنفض رأسها بعنف لتعود للإحساس بمكان وجودها ... المطبخ و الرائحة الزكية لأطعمة هدى ... نعم هدى ... تذكرت أنها هنا لأجل مراضاة هدى ... و ها هو الغشاء الضبابي ينقشع ليظهر وجه هدى بعينيها اللامعتين البندقيتين تنظران إليها بحزن فيبدو أنها كانت تطالعها منذ مدة ... حتى أنها بدأت تذرف الدموع كطفلة صغيرة ... لا تدري لما تتذكر مريم مربيتها كلما تعاملت مع هدى حتى أنها تناديها "نانا " كمريم... إبتسمت بهدوء و هي تجلس على الرخام لتنزل من الجانب الآخر حيث هدى إنها لا تمل تلك الحركة رغم أن هدى قد منعتها عنها كثيرا قائلة بأن عمرها لا يسمح ...
تعلقت بكتفي هدى و هي ترمي بثقلها على ظهرها تحب أن تشاكسها هكذا فتضحك هدى متذمرة بأنها لن تكبر أبدا ... لكنها الآن لم تكن تضحك بل كان نشيجها يعلو ... حتى أن كتفاها قد بدأت تهتز ... فإبتسمت نادين بأسى هي تشبه مريم في هذا أيضا ... ما يبكيها أنها تعلم أن نادين تتألم و هي لا تستطيع مد يد العون ... أجلت نادين حلقها لتوازن نفسها لتدير هدى إليها بينما هدى مستسلمة لها ... قالت نادين ممازحة ...
(كل هذه الدموع ؟؟؟ حرام.... تعلمين ماذا؟؟ لندعو على المتسبب بهذه الدموع ... أمات الله قلب من أبكاك ...) حينها شهقت هدى بشهقت خوف و إستنكار و هي تلكم كتف نادين
بغضب لتقول و شهقاتها تتزايد لكن بفعل البكاء
( لا سمح الله ... إخرسي أيتها الحمقاء ) أمسكت نادين كتفها و هي تدور حول نفسها بطريقة درامية و هي تهتف ...
(خلعت كتفي يا حاجة ... ماذا قلت سيئا ... دعوت على من أحزنك ...) أمسكت هدى أذن نادين فوق حجاب رأسها لتستسلم لها نادين بطيب خاجر و هي تتدعي الألم في حين هدى تقول بغضب و خوف حقيقي ...
( قلت إخرسي نادين و إلا قطعت لسانك المنفلت قبل أذنك التي لا تسمع ...) نظرت إليها نادين بهدوء قائلة بجدية ...
( إذن أنت تعلمين أني بسبب دموعك الغالية ...) تخلت هدى عن أذنها و هي تهم بالإستدار إلا أن يدى نادين منعتاها قائلة بحرارة مؤثرة...
( سامحيني حبيبتي يعلم الله أني لم أقصد أن أجرحك ... كنت بحاجة لأبقى وحدي ... نانا من فضلك لا تقسي علي هكذا ... ) أجابت هدى بألم عاتب
( أنت لم تجرحيني فقط يا نادين ... خذلتني ... ظننتك ستلجئين إلي كما كنت تفعلين ... مازلت حتى الآن أتذكر حين طرقت بابي ذات ليلة حين داهمتك آلام العادة ... كنت ترتجفين من الآلم ... ضممتني بقوة قائلة أنك تريدين النوم بحضني و سماع ترتيلي كي تنامي ... و لم أخذلك فكيف تبعديني عنك الآن و انت تتألمين؟ ألم أعد أنفع ...؟) ضمتها نادين بقوة بإمتنان نعم هي تتذكر أنها لم تستطع النوم فمنذ ثلاث سنوات أول مرة داهمتها آلام العادة لم يكن غريبا عليها الألم بل الكوابيس حول ماض تتجاهله عن عمد حتى قبل الحادث و يبدو أن الفترة التي أمضتها في المصح أثرت نوعا ما عليها و لو لم يكن بشكل عادي فلا تداهمها الكوابيس كل ليلة فقط عندما تأتي فترة العادة و حين إستيقظت مبللت بالعرق كأنها كانت في سباق مجهول النهاية هرعت دون هوادة متسللة إلى هدى دون أن تفكر لمن تلجأ وجدت نفسها عند المنزل الخارجي الذي تعيش به هدى مع إبنها نبيل و لم تخذلها فقد أخذتها لغرفتها دثرتها ... ضمتها رتلت لها القرآن مع أن الآلام لم تكن تختفي إلا أنها لم تكن ترى كوابيس خصوصا و أنها رفضت تماما أن تشرب الأعشاب ... فهي تصبح نزقة سيئة الطباع تلك الفترة ... لكن كيف تفهمها أن شتان بين الإثنين ليت الأمر بتلك السهولة ... للجأت إليها دون تفكير ...
إبتسمت و هي تغمض عينيها و هي تحس بهدوء هدى التي تبادلها الحضن هالة وردية جميلة حاوطت هما حتى إبتعدت عنها هدى تنظر إليها بهدوء لقد إختفى الغضب و الألم و خيبة الأمل و الخذلان لكن العتاب الخفيف الذي ينبئ بقرب عاصفة من التقريع و ربما تعليق ثيابها الداخلية في الخارج إضافة إلى حرمانها من مخبوزاتها المفضلة التي تصنعها لها و قد تبلل جوربيها و تضعهما بأحذيتها الرياضية التي لا تلبس غيرها أبدا و قد تقرص أذنها أيضا كلما تذكرت ذلك ... و لو لا أن الفلفل الحار يسبب لها الإسهال و حرقة بالجلد و حكة - شهدت عليه هدى مرة بالصدفة - لما توانت عن معاقبتها به ... كل هذا شاهدته نادين في نظهرات هدى التي كانت هادئة لمن لا يعرفها حتى أنها تبدو شاردة ... و هي بالفعل كذلك فلا بد أنها الآن تفكر بأي منهم تبدأ حتى أنها رفعت يدها إلى ذقنها تفكر بجدية مما جعل نادين تتراجع بتوجس و ما إن كادت تصل الباب حتى قصف صوت هدى الذي جعلها تغمض عينيها متنهدة مستسلمة للمصير المحتوم ...
( عودي أدراجك يا بنت ...) عادت ببساطة بينما هدى تنظر إليها بتفحص نظرت خبيرة و مصدومة ...مصدومة مما أنبرت به تلك الخبرة ... أيمكن ذلك ... أيكون ذلك السبب لا يمكن أن تكون مخطئة في ذلك ... لكنها لم تخطئ يوما في أمر كهذا ...
وصلت إليها نادين مطأطئة الرأس و هي تضع إحد رجليها خلف الآخر كطفلة مذنبة تنتظر العقاب هي تتصرف هكذا كلما أغضبتها ... إبتسمت هدى بحنان رغم ما يصرخ به صدرها من شك ...
قالت بنفس الحنان
( ألن تفطري نبيل سيأتي الآن ... أرسلته ليحضر الجبنة و الزيت ... ) رفعت نادين رأسها بتفاجؤ مضحك جعل هدى تنفجر ضاحكة ... لكن ذلك لم يضحك نادين بل جعلها تنظر إليها بتأثر .. تأثر عميق بضحكتها أيمكن أن توجد سعادة كهذه سعادة مشروطة بضحكة شخص ... جعلها ذلك تتمنى إضحاكها أكثر بعد أن ضاق صدرها بدموعها الغالية لترمي بنفسها بحضن هدى ... لم تكن نادين حساسة هكذا لطالما تصرفت بطريقة مدروسة مع الكل لم تتصرف يوما بعفوية مع أحد أفراد هذه الأسرة كل شيء بها كان مدروسا ليكون كما تريد أن يراه الناس إلا فيما يخص آلام العادة ... لكن ذلك لا يعني أنها لم تحبهم فحبها لهم حقيقة و إحترامها لهم حقيقة حتى للسيدة سيرين عشقها لثلثي العجب أيضا حقيقة ... إستعدادها للتضحية بنفسها في سبيل حماية كل فرد منهم أيضا حقيقة بل أكبر حقيقة ... مع ذلك كان هناك ما يمنع سعادتها و عفويتها فهذه الأسرة تجعلها تحس بالحسرة ... فتسعى للتنبه كل الوقت القلق لا ينزاح عنها و هي تفكر أنه من الممكن أن ... أن .... الحسرة لعدم ٱمتلاكها ما يملكه كنان و لا تملكه هي أو ما فقدته هي و بسببها لذا سعت بكل قوة ليعي كنان روعة ما يملك ليحس بذلك الإحساس الذي أحست به حين إمتلكت أسرة ... و لم تخذله أسرته التي إنتظرته بصبر بصمت ...
أبعدتها هدى عن خضنها تنظر إليها بجدية ... تنوي سؤالها بصراحة و سألتها فعلا
( ماذا حدث أثناء غيابنا ...؟) أجابت نادين بصدق ...
( تعرضت لحادث ... ) نظرت إليها هدى بنفس التفحص و سألت بنفس الصراحة
( و هل كان ذلك سبب عزلتك تلك ...) هزت نادين رأسها نفيا فهزت هدى رأسها بتفهم لتسألها بصراحة أكبر ...
( هل جاء زوجك المختفي ... منذ ثلاث سنوات... و الذي يصادف أيضا أننا لا نعرف عنه أي شيء و لا نعرفه هو شخصيا ... هل حقا جاء إلى .... هنا ) نظرت إليها نادين بإستغراب واجم و هي لا تفهم أي شيء من كلام هدى ... ماذا تعني بجاء زوجها ... زوجها هو كنان و هي تراه دائما صحيح أنه لا أحد يعرف أنه زوجها لأنه كان الإتفاق بينهما أن لا يعترفا بذلك الزواج ... لكن ذلك لا يجيب على إستغرابها من كلام هدى ...لذا قالت بهدوء و هي تمد شفتيها بطفولية ...
( ماذا تقصدين نانا ... أنا لا أفهم ما تقولين ) لكن ال " نانا " كانت بعيدة عن مزاح نادين الطفولي فقد أجابتها بوضوح مجلية شكوكها ...علها تفهم أكثر
( أنت لم تعودي فتاة ...) إنعقد حاجبا نادين هذه المرة بجدية و هي ترى أن هدى ترمي لشيء ما أخطأت بشأنه و لعله جرحها مع أنها لا تدري كيف جرحتها ... فهي لم تقل سوى أنها لم تعد فتاة ... أي الخطأ في أنها ليست فتاة أو الأجدر أن تسأل إذا لم تكن فتاة فماذا ستكون ... لم تعلم أنها قد جهرت بالسؤال بصوت خافت لا يكاد يسمع ...
(ماذا تقصدين بأني لم أعد ...؟) لم يكن عند هدى شك بأن نادين لم تفهم ما تعنيه بكلامها فقررت أن تكون واضحة معها كما إعتادت أن تكون معها ... فهذه الفتاة منذ أول يوم أحضرها السيد كنان هنا أحبتها... لم ترزق فتاة صحيح لكنها لو كانت بالفعل قد رزقت بها لما كانت أحبتها أكثر منها ... لا تدري لما تعيد هذه الجملة كثيرا بينها و بين نفسها ... إنها تتصرف كأخت كبيرة لوحيدها نبيل ... لذا قالت بهدوء
( لا تقاطعيني حتى أنهي كلامي ....) أومأت نادين برأسها كالغبية بعدم فهم ...فقررت هدى البوح بما تعتمل صدرها منذ دقائق
( طوال ثلاث سنوات و مشيتك واحدة لم تتغير ... لكنها تغيرت خلال الأيام التي تغيبنا بها ... فهل ... هل ... هل زارك زو... زوجك ) رفرفت نادين عينيها و قد كورت شفتيها و أمالتهما يمينا و هي تفكر بعمق أن السيد كنان دائما معها فمالذي تغير ... لما لا تتكلم هدى بوضوح ... أكثر ... لم تدرك أنها بتلك الحركة العفوية التي تفعلها كلما عجزت الفهم قد أغضبت هدى لتنفجر بها بحدة غير مقصودة...
( إسمعي يا من ستفقأ مرارتي عن قصد ذات يوم ... أقصد أنك لم تعودي عذراء ... بينما أنا تركتك كذلك ... فمالذي حدث خلفي بالضبط ...) لو كانت الإحمرار خجلا يقتل كانت نادين الآن تحت أمتار من التراب الآن و الناس يسيرون بعزائها ... لكنه لا يقتل و كم تمنت لو يفعل فهذا هو الموقف الأسوء الذي تعرضت له أبدا بحياتها ... لكن هل من
الممكن أن يكون شخص ما أخبرها لكن ... كيف فلا أحد يعلم بزواجهما إلا هي و السيد كنان ... بالطبع لن تشك فيه ... لكن إذا لم يكن هو فمن فجأة قررت التخلص من الحرارة التي غزت وجنتيها و سؤال هدى بتهور على غير العادة ...
( هل السيد كنان من أخبرك ...؟) ما إن وعت لغباء السؤال حتى أطبقت بيديها على فمها بقوة كأنها بتلك الحركة تعيد الكلمات إلى فمها ...لكن هدى كانت قد إلتقطت الكلمات و هي طائرة فغرت شفتيها بذهول
( و هل يعلم السيد كنان بالموضوع ...؟) كانت نادين قد شحبت تماما و هي ترى مصيبة من نوع جديد في حياتها ليست معتادة على هذا النوع من المشاكل هذه ليست المسائل التي تجيد حلها ببساطة ...هي حتى لا تفهم المشكلة من الأصل ...
تنهدت بقوة و هي تواجه معضلة عدم الفهم ... فهدى تبدو كمن يتكلم عن شيء مهم و خطير و بطريقة ما له علاقة بكونها أصبحت زوجة زوجها فعلا ... بعد ثلاث سنوات ... لا تفهم مالمشكلة ... لا تجد مشكلة إلا في الإحساس الفظيع تجاه السيدة سيرين غير ذلك هي لا تعلم شيئا ... كان خطئا زواجها بالسيد كنان من البداية لكن الأفظع كان خداع الكل و إيهامهم بأن زوجها تركها أمانة لدى كنان في حين أن كنان هو صاحب الأمانة ... لكنها لم تعتبر كنان يوما أكثر من مدير عمل و شخص تكن له الإحترام حتى أنها نست تماما أنها زوجته و أنها على ذمة رجل تعيش تحت سقف بيته ... لقد نسيت أنها زوجته الثانية كما وعدته في الطائرة وعدته أنها لن تذكر موضوع زواجهما حتى لنفسها و هي وفت به طوال الثلاث سنوات تجاهلت موضوع زواجهما فقط خاتم الزواج الذي أعطاه لها دون أي إسم عليه كأنه يؤكد عليه بأنه بالفعل يريدها أن تنسى موضوع زواجهما تماما ... لكنها لاحقا أخذت الخاتم للصائغ و نقشت به كلمة واحدة "الوطن" و قد سرق منها الخاتم فيما بعد حين هاجمها ذلك الجبان ... كما أن إصرارها على الوفاء بوعدها له إزداد حين رأت السيدة سيرين تحب زوجها بجنون و هو يحبها هي متأكدة من ذلك فكيف غير رأيه فجأة نكث بوعده لها لقد خدعها و ... و .... وجعلها زوجته ... كل الأمور تتداخل فيما بينها كلها بسببه لم يكن يجب أن يطلق عهدا طالما لم يكن سيحترمه و يفي به و هي وثقت به و أعتبرت من زواجهما مجرد وسيلة للبقاء مع أسرته لم تتطرق يوما حتى مع نفسها إلى موضوع زواجها منه ....
لم تعي أن هدى كانت تمعن النظر بها و بشرودها و هي تستعر غضبا ثم ضربتها على كتفها مجددا قائلة بغضب ...
( أيتها الغبية ... البلهاء ألا تدركين حجم المصيبة التي أنت بها ... أين تعيشين و في أي عصر لن يرحمك الناس لو حدث لا سمح الله حمل ... حتى لو لم تكوني حديث أهل الحي فستبزغ لك من الجحيم هذه الأحياء الراقية ... لا تفقه الخصوصية ... قد يرمونك ...يا إللهي أي غباء هذا ... أستغفر الله و زوجك ألم يجب على الأقل أن يحترم الأسرة التي أنت تعيشين معها ... كيف يفعل ذلك معك؟ ... كيف يبخسك هكذا؟ ... يا إللهي ... ياللهي ...) كانت تهذي بالفعل حتى خافت عليها نادين ...لتمسك يدها و تجلسها على أقرب كرسي ... إنها تحاول أن تفهم سبب غضب هدى الذي يبدو غير مبررا ... قالت نادين بهدوء و هي تتجه إلى الصنبور لتجلب لهدى الماء ...
( أنا لا أفهم سبب غضبك نانا لكنك تؤلميني كثيرا بما تقولين عنه ... لو تعلمين ما فعله لأجلي حتى الآن لكنت عذرته ... لو قضيت حياتي كلها أشكره و أخدمه فلن يكفيه ذلك حقه ... و الناس ستجد دائما ما تتحدث عنه ...) ناولت هدى الكأس الزجاجي المليئ بالماء و أخذته هدى بحدة حتى أراقت البعض منه ... لتشربه كله دفعة واحدة ... لتقول بغضب متفاقم ...
( هل أنت غبية أو تتغابين ... أو ربما تستغبينني ...؟) زفرت نادين بتعب ... لقد تعبت من إعادة نفس العبارة بينها و بين نفسها ... لا تفهم أي شيء مما أغضب هدى و هو بالتأكيد يخصها هي ... لكن بطريقة ما فقد علمت أن زوجها قد دخل بها ... إحمرت بشدة و هي تعيد العبارة إحساس غريب سرى بها قشعر جلدها ...
حسنا مهما كان ما تعاني منه السيدة هدى فانها ستحله لاحقا طبعا بعد ان تعود من العمل فهي عندها مشوار مهم بعد توصل السيد كنان هذه فكرة جيدة للتهرب منها صحيح ؟؟؟ لذا قالت لهدى بهدوء و هي تنسحب بحذر جاد
(نانا حبيبتي مهما كانت المشكلة معك سنناقشه لاحقا فالسيد كنان ينتظرني ) عضت لسانها لانها كذبت فهو لا ينتظرها لكنها ستخبره انها جاهزة لتوصله لحسن الحظ انها قالت جملتها و تعود للخلف و ما ان رأت الشرارات تكاد تخرج من رأسها حتى اندفعت خارجت بينما تتمتم هدى باستغراب
( مشكلة ؟؟؟ معي ؟؟؟ انا ؟؟؟ هل هي مخبولة ام اني اتخيل )
...........................................................................................................
على مائدة الطعام الكل جالس بإكتئاب حتى مزحات سهيل التي كانت تتطاير لتصل للقلوب فترسم الضحكة كالعادة لكنها هذه المره سقطت على المائدة فرسمت بسمات ... كان عادل يفكر بأسى انه ليس راض عن حال اي منهم فكنان متخبط يكاد يضرب رأسه بكل حائط أمامه يهمل زوجته و يعاملها بجفاء على عكس عادته و سيرين الجميلة حزينة ذابلة غاضبة فلا شك انها و كنان قد تشاجرا شجار العمر حتى يدعاه يظهر للعلن و ابنه الوسيم سهيل الطبيب الرائع ليس الا احمق بليد يرفض ان يتزوج و يفرحه بذلك عديم الخلق ... أما حرمه العزيزة فمكتئبة جدا بسبب المسكينة نادين فلا تبدو بخير هي لم تدع احد يقترب منها منذ أيام و لا حتى هو فكر عادل بأسى ... وحده كنان يدخل باكتئاب و يخرج باكتئاب اكبر على الأقل يطمئنهم عنها كل يوم فهو بنفسه أعطى أمراً بان لا يدخل احد عندها ... يا رب سماوات ماذا يحدث ببيتي .... إلا أن كل الأسى و الكئابة تطاير بعيدا عنه و هو يلمحها قادمة ...
أنت تقرأ
أمانك أنا فإستوطني
General Fictionينظر إليها و لا يدري كيف يساعدها عجزه هذا يزعجه هو ليس بضعيف أو حتى عاجز .... على الأقل ليس فيما يخص الآخرين ....لطالما كان السند لكل من إحتاجه دون حتى الحاجة للسؤال إلا فيما يخصها .... و دون أن يدري أصبح يتعمق أكثر من اللازم في أمورها .... خصوصا حي...