كانت مسز بويل هي الوحيدة التي تتناول إفطارها بمفردها في قاعة طعام الفندق ، حيث كان الماجور متكالف قد تناول إفطاره على المائدة ، غير أن كريستوفر رين لم يكن قد إستيقظ من نومه بعد حيث كان طعامه ينتظره على المائدة ، ولهذا كانت مسز بويل هي الوحيدة التي تلتزم بتناول طعام الافطار في موعده المقرر في التاسعة صباحاً ، وأنتهت مسز بويل من تناول الطعام وكان الطعام جيداً ، ولكنها كانت تشعر بالغيظ والضيق حيث إن فندق قصر مانكسويل لم يكن كما جال في خاطرها وطاف بخيالها . كانت تتمنى أن تجد فيه من يشاركها في لعبة البريدج أو أن تجد فيه عوانس تبهرهن بمركزها الأجتماعي ، وتبهرهن بأهمية المناصب التي تولتها أثناء إندلاع الحرب ، وكانت نهاية الحرب قد تركت مسز بويل فيما يشبه حافة الصحراء ، وهذا يعود لحرصها على اصرارها على إصدار الأوامر في حزم وثقة ولاتقبل أي تهاون في العمل أو النظام وكان نشاطها المتدفق يمنع الذين يعملون معها من التشكك في كفائتها ، وقد إكتشفت إن أنشطة الحرب تعد مجالاً مناسباً لممارسة هوايتها في فرض سيطرتها وإرادتها على الناس حتى إن روؤساء الإدارات لم يسلمو من بطشها .
كان يكفي أن تعبر عن ضيقها حتى يدب الرعب في قلوب كل من يقف حولها أو يجاورها .
ولكن هذه الحياة المفعمة بالحيوية والنشاط أنتهت تماماً عقب إنتهاء الحرب ، فعادت مسز بويل الى الحياة البسيطة الهادئة العادية ولكنها وجدت إن الحياة العادية التي كانت تعيش فيها قبل الحرب قد أنتهت أيضاً .
إن البيت الذي تعيش فيه والذي أستولى عليه الجيش يحتاج إلى كثير من أعمال الترميم والزخرفة حتى يصبح مناسباً للمعيشة ، كما إن صعوبة العثورعلى خدم بعد الحرب تجعل سكناها في ذلك البيت الكبير أمراً شديد التعقيد ، ثم إن الأصدقاء قد تفرقت بهم السبل وشتتهُم نيران الحرب وتوابعها .
وهكذا إكتشفت إنها في حاجة إلى أعادة ترتيب حياتها على نظام جديد يساير تطورات العصر وحداثته ، ولكن واجهتها مشكلة عسيرة تمثلت في أمكانية العثور على مسكن مناسب لها حتى لو كان غرفة بأحد الفنادق حتى أستقرت الأمور ووقع إختيارها على فندق قصر مانكسويل كمقر مؤقت لها .
طافت مسز بويل ببصرها حولها في سخط وتذمر حتى إنها همست لنفسها وقالت : كان من الأمانة أن يخبروني إن هذا الفندق حديث العهد بالعمل ويفتقد للخبرات والتجارب والعراقة .
ودفعت أطباق الطعام بعيداً عنها بيديها في غضب رغم إن طعام الأفطار كان يحتوي على مربى رائعة وقهوة ذات مذاق لذيذ هي التي صنعتها بنفسها بل للأسف قد ضاعف ذلك من آلامها وحزنها لأن هذا الأمر قد سلب منها متعة الشكوى وتوجيه اللوم والتأنيب للآخرين .
نهضت مسز بويل من مكانها في كبرياء وخيلاء وأنصرفت من قاعة الطعام ومرت على ذلك الشاب غريب الأطوار ذي الشعر الأصفر حيث كلن يرتدي ربطة عنق من اللون الأخضر الصارخ فقالت لنفسها : ياله من شاب سخيف .
لم تطب لها ربطة عنقه ، ولم تطب لها أيضاً تلك النظرة التي رمقها بها من ركن عينينه .كانت نظراته تحمل معاني من السخرية والتهكم .
وأحنى لها كريستوفر قامته بأدب فردت تحيته بحركة خفيفة من رأسها ثم إتجهت إلى قاعة الأستقبال .
أما المقاعد في قاعة الإستقبال فقد كانت من طراز فخم عريق خاصة ذلك المقعد الوردي الكبير ، وقد إختارته لأنه يناسب كبريائها وصلافتها وغرورها .
وضعت حقيبة يدها على المقعد كأنها تؤكد أسبقيتها وحجزه لنفسها ، ثم راحت تدنو من أنابيب التدفئة التي تلتف حول القاعة بمحاذاة جدرانها ولمستها بيدها ووجدت إنها دافئة وإن لم تكن شديدة الدفء فلمعت عيناها واطلت منها نظرت إصرار وتحد . لقد عثرت أخيراً على شيء تطلق عليه سهام نقدها اللاذع واطلت من النافذة ولاحظت إن الجو يبعث على الكآبة ويبث في نفسها الخوف والفزع ، كلا .. إنها تأبى أن تستمر في هذا الفندق اللعين . إلا أذا وفد إليه نزلاء آخرون وباتت الإقامة فيه لا تخلو من روح المرح والدعابة والمؤانسة ، في تلك الأثناء أنزلقت كومة هائلة من الجليد كانت على سطح الفندق وأحدثت دوياً مخيفاً اصابها بالرعب فقالت بصوت عالٍ : آوه .. كلا كلا .. لن أبقى هنا . وما إن فرغت من تلك العبارة حتى سمعت من ورائها ضحكة قوية ساخرة عالية الصوت فالتفتت لترى الشاب السخيف كريستوفر رين ينظر إليها نظرات شديدة الغرابة وهو يقول لها :
كلا لا أظن إنكِ ستبقين وقتاً طويلاً هنا
******************************
أنت تقرأ
المصيدة أجاثا كريستي
Mystery / Thrillerأحد أشهر مسرحيات أجاثا كريستي التي تحولت لرواية . تتميز بأحداثها المميزة والمشوقة . أتمنى ان تستمتعو بها