أسرع المفتش تروتر إلى المطبخ محدثا مولي قائلا لها:
- هلا رافقتني إلى قاعة المكتبة يامسز دافيز؟ إنني سوف القي كلمة على نزلاء الفندق، وقد تفضل مستر دافيز وذهب للإعداد وترتيب الأمر.
- حسناً.. وعني فإنني سوف انتهي من طهي البطاطس اللعينة التي تمنيت الا يحضرها سير وولتر إلي من الولايات المتحدة الأمريكية
التزم تروتر الصمت وقالت مولي:
- إنني لا استطيع أن أصدق تلك الرواية التي رويتها
إنها شديدة الغرابة حيث إنها ...
فقاطعها قائلاً:
- لكنها قصة واقعية ولدينا حقائق مؤكدة.
فسألته في فضول:
- هل لديك اوصاف القاتل؟
- إنه متوسط القامة ويرتدي معطفا أسود وقبعة خفيفة كان يخفي جزءاً من وجهه بكوفية من الصوف وصوته كان مزكوماً .
- إنها في الواقع أوصاف تنطبق على الكثيرين.
وسكت لحظه ثم قال :
- لقد شاهدت هنا في بهو الفندق ثلاثة معاطف سوداء وثلاث قبعات خفيفة.
- لا أظن أن أحد نزلاء الفندق جاء من لندن .
- احقا؟
أسرع تروتر إلى إحدى الموائد وراح يتناول إحدى
الصحف وقال:
- هذه جريدة الإيفينج ستاندار والصادرة من لندن
بتاريخ 19 فبراير.. أي أنها صدرت منذ يومين وبالتالي فهذا يؤكد أن أحدهم جاء من لندن قبل يومين اليس كذلك؟
بهتت مولى وصاحت؟
- هذا عجيب من اين جاءت هذه الجريدة؟.
- لا ينبغي أن تخدعك المظاهر يامسز دافيز.. إنك
تجهلين حقيقة هؤلاء رغم أنهم يعيشون معك في منزل واحد لذلك لاحظت أنكما تفتقدان خبرات إدارة الفنادق أليس هذا صحيحا؟
- نعم هو ذاك.
شعرت مولى فجاة أنها جاهلة وساذجة وبلهاء، وقال:
- وإنني أتصور أيضا أنكما تزوجتما منذ وقت قصير .
فأجابت بعد أن أحمر وجهها خجلاً
تزوجنا منذ عام وكان زواجنا مفاجئاً .
فقال وهو يبتسم:
- آوه يبدو أنه كان حبا من النظرة الأولى.
- نعم تزوجنا بعد أن تعارفنا باسبوعين فقط.
وطافت بخيالها تذكر تلك الأيام الأربعة عشر الجميلة
التي سبقت زواجها .
لقد شعرت حين رأت جايلز للمرة الأولى كانها كانت
تائهة في صحراء وشاهدت سفينة تبحر في نهر هادئ
جميل، وعندما هبطت إلى ارض الواقع لاحظت أن تروتر
ينظر إليها بعطف وقال :
- أظن أن زوجك ليس من أهل هذه المنطقة .
- إنه من مقاطعة لتكولتشاير .
كانت مولي تجهل الكثير عن طفولة جايلز وطبيعة نشاته وتكوينه لانه كان لا يميل إلى الحديث عن هذه الفترة من حياته. ربما كانت ذكرياته تؤله.. ألماً شديداً.
فقال تروتر:
- إنكما في بداية العمر.. ولهذا فأنتما تفتقدان الخبرة
والتجربة في إدارة شئون أعمال هذا الفندق .
- لا أعلم ولكن أنا في الثانية والعشرين من العمر.
أثناء ذلك دخل جايلز وقال:
- إن الاجتماع جاهز ياسيدى المفتش وهم في انتظارك.
فقال تروتر:
- حسنا هذا سيوفر علينا بعض الوقت هل أنت مستعد
ياجايلز؟
حين دخل المفتش على الحاضرين كان هناك نحو أربعة
يتحدثون بصوت مرتفع، وكان أكثرهم انفعالا هو كريستوفر رين الذي عبر عن استيائه من الموقف، وأنه يتحرق شوقا لسماع المزيد من المعلومات، في أثناء ذلك كانت مسز بويل تقول في غضب:
- لم أكن أتخيل أن بوليسنا عاجز عن الإمساك بتلابيب مجرم سفاح يجوب طول البلاد وعرضها.
أما مستر برافتشيني فقد كان يحرك يديه كثيرا كان يحاول أن يقول بيديه ما عجز عنه لسانه أمام ضخامة صوت مسز بويل.
لكن الماجور متكالف كان قليل الكلام بعبارات مختصرة
.. كان كل ما يرغب فيه هو معرفة بعض الحقائق.
وانتظر تروتر دقيقتين ثم رفع يده بحزم، والعجيب أن
الجميع توقفوا عن الكلام وساد صمت رهيب .
ثم قال:
- اشكركم فأنا أعتقد أن مستر دافيز قد لخص لكم
اسباب قدومي إلى هذا الفندق. إنني فقط أريد أن أعرف شيئا واحداً نعم شيئا واحدا واود معرفته على جناح السرعة. من منكم كانت تربطه علاقة بقضية مزرعة لونجريدج .
ساد السكون وتحولت الوجوه ناحية المفتش واختفى
التوتر والانفعال.
وتكلم المفتش تروتر مرة أخرى وقال :
- أرجوكم افهموني إن لدينا أسبابا تؤكد أن خطرا داهماً يحيط بأحدكم، ويجب أن أعرف من منكم الضحية القادمة حتى نستطيع إنقاذه .
ولم يتكلم أحد.
فقال تروتر:
- حسنا سوف اسالكم واحداً بعد الآخر، مستر
برافتشيني..
وابتسم ابتسامة باهته ورفع يده معترضاً وقال:
- إنني غريب عن هذه المنطقة ياسيدى المفتش ولا أعلم شيئا عما تتحدثون عنه.
فقال تروتر:
- مسز بويل.
فأجابت هذه السيدة :
- أنا في الحقيقة لا اعرف لماذا يجب أن تربطني علاقة بذلك الحادث المؤسف؟
- مستر رين
فقال كريستوفر بصوت عال:
- لقد كنت صغيراً حين وقع حادث المزرعة، وبالتالي
فانا لا اتذكر شيئا عنه بل لم اسمع به من قبل .
- ماجور متكالف.
فقال الماجور:
- لقد سبق لي أن قرات عن الحادث في الصحف وكنت اثناء ذلك مع فرقتي في ادنبره.
فقال تروتر وهو يطوف ببصره بين النزلاء
- أهذا هو كل ما لديكم ياسادة؟.
خيم السكون وساد السكوت مرة أخرى كان على
روؤسهم الطير فصاح تروتر في ياس وقال.
- إذن لو أن أحدكم تعرض للقتل فلا يلومن إلا نفسه
واستدار للوراء ناحية باب الغرفة وغادر
فعلق كريستوفر على الفور قائلاً:
- أيها السادة.. إنها حقا ماساة، ولكن هل لاحظتم
وسامة هذا المفتش؟ إنني شديد الإعجاب بوسامة رجال البوليس حيث إن كل تصرفاتهم تؤكد مدى صلابتهم شجاعتهم وثقتهم بأنفسهم.. ولكن الموقف على أية حال مثير للغاية (ثلاثة جرذان عمياء) هل يعرف أحدكم نغمة تلك الأغنية .
وراح يشدو بكلمات الأغنية بصوت هامس، فصرخت
مولي دون أن تدري في وجهه وقالت :
- كفّ.. كفّ من فضك .
فدار كريستوفر على عقبيه وتأمل وجهها وقال ضاحكا:
- لماذا كل هذا الفزع ياعزيزتي؟ إن هذه الأغنية هي
علامتي المميزة .. إنني لم أتلق أي اتهام في جريمة قتل قبل الآن وإذا اتهمت فسوف أجد في هذا متعة كبيرة
فقالت مسز بويل:
إن هذا سخف إنني اكاد لا أصدق كلمة واحدة مما رواه لنا المفتش.
فقال كريستوفر في دهاء:
- صبرا يامسز بويل سوف أتسلل وراءك وأحيط عنقك بيدي.
فقال جايلز في غضب:
- إنك بهذا الهراء تذبح زوجتي يامستر رين ثم إن
دعابتك ثقيلة وسخيفة.
وقال الماجور متكالف:
- إن الوقت غير مناسب للدعابة .
- ولم لا..؟ إن الأمر كله دعابة .. وربما هذا هو سر
طرافتها.
ثم عاد يضحك مرة أخرى دون أدنى اعتبار المشاعر
الآخرين. وقال :
- إني أتمنى أن تنظروا إلى وجوهكم في المرآة
وانصرف مسرعا.
فتنفست مسز بويل الصعداء وهي تقول:
- إنه شبح مجنون عديم الذوق والاخلاق.
فقال الماجور:
- لقد روى لي أنه دُفن تحت الأنقاض أثناء غارة جوية
وظل مختبئاً نحو ثماني وأربعين ساعة، وربما هذا يفسر سلوكه اليس كذلك؟
فقالت مسز بويل في جفاء : لا
ما أكثر المبررات التي يرفعها الناس لانهيار أعصابهم إنني تجرعت المرار في الحرب اكثر من أي شخص آخر، ومع ذلك أعيش في قوة وثبات ورباطة جاش .
فقال الماجور متكالف:
- ذلك من حسن حظك يامسز بويل .
- ماذا تقصد؟.
فقال متكالف في ثقة:
- اعتقد بامسز بويل أنك كنت الشخص المسؤل عن
تهجير الأطفال إلى تلك المنطقة عام 1940 اليس هذا
صحيحاً؟
ونظر إلى مولى فهزت راسها بالإيجاب واحمر وجه
مسز بويل غضبا وصاحت :
- وماذا في ذلك؟
فقال متكالف وهو يدقق النظر في وجهها:
- أنت المسؤول الوحيد عن إرسال هؤلاء الأطفال الثلاثة إلى مزرعة لونجريدج.
- ومن هذا الذي يحملني مسؤلية ذلك ياماجور؟ لقد
كان صاحب المزرعة وزوجته شخصين لطيفين أو ربما هذا ما خطر لي آنذاك، وكانا يتطلعان لاستضافة الأطفال فلا ينبغي على أحد أن يلومني فأنا بالفعل غير مسؤلة عما حدث للأطفال بعد ذلك.
فصاح جايلز في حدة؟-
- إذن لماذا اخفيت كل ذلك عن تروتر؟ .
فأجابته:
- لا شان للمفتش بهذا الأمر ، ثم إنني أستطيع حماية
نفسي
فقال متكالف في حب :
- يجب يامسز بويل أن تحرصي على سلامتك.
وانصرف هو الآخر.
فغمغت مولي وقالت :
- هذا صحيح.. لقد كنت أنت المسؤول الأول عن
تهجير الأطفال في تلك المنطقة إنني أذكر ذلك جيداً.
فنظر إليها جايلز في استغراب وقال:
- هل كنت تعرفين ذلك يامولي؟.
فقالت مولى وهي تنظر إلى مسز بويل:
- وكنت تعيشين في البيت الأبيض الكبير اليس هذا
صحيحا؟
فقالت مسز بويل في اسى :
- إن الجيش استولى على هذا البيت ودمره دماراً شاملاً
وهنا انفجر مستر برافتشيني ضاحكا وقال بصعوبة :
- آسف .. إنني ارى أمامي مسرحية كوميدية .
وأثناء ذلك عاد المفتش تروتر، وبصره على برافتشيني
وقال في برود.
- يسعدني أن يكون هناك سببا منطقيا لهذا الضحك..
فقال برافتشيني معتذراً :
- آسف ياعزيزي المفتش. آسف بالأصالة عن نفسي
لأنني أفسدت ثمار المحاذير التي القيت بها على مسامعنا منذ قليل.
فهز تروتر كتفيه قائلاً:
- لقد بذلت ما في وسعى لتوضيح الأمور .
ثم استدار ناحية مولي وقال:
- هل يمكنني استخدام الهاتف ؟.
فقال برافتشيني:
- اكرر اسفي مرة أخرى وها أنذا أنسحب من هذا
المكان.
فقال جايلز:
- آوه ياله من رجل غريب الأطوار.
فقال تروتر :
إنني أشم في وجهه وسلوكه رائحة الإجرام ولا
استطيع أن أثق فيه إطلاقا.
فصاحت مولي:
- أتعتقد أنه.. ولكن لا... إنه عجوز فلا تخونك
الأصباغ التي يحرص عليها حتى يبدو شابا فتيا.
فقاطعها تروتر:
- دعك من كل هذه الاحتمالات، والآن ينبغي أن
أتصل بالكابتن هوجين
واتجه ناحيه التليفون فقالت مولي:
- للأسف التليفون معطل
فهتف تروتر وهو يدور على عقبيه:
- ماذا؟
وأفزعت صيحته كل من سمعها.
وقال في الحال :
- متى حدث ذلك؟
- لقد حاول الماجور متكالف استخدامه قبل حضورك .
- ولكنه كان يعمل منذ قليل.. وقد اتصل بك الكابتن
هوجين اليس كذلك؟ .
- نعم.. كان ذلك في حوالي العاشرة، ولكن يبدو أن
سقوط الجليد أدى إلى قطع اسلاكه .
بدت علامات الدهشة والاهتمام على وجه تروتر وقال :
- آوه أخشى أن يكون أحدهم قام بقطعها عمداً.
- أتعتقد ذلك! .
- يجب أن أتأكد من هذا.
وانصرف مسرعا وتردد جايلز لحظة حتى لحق به
وصاحت مولي:
- رباه .. إن موعد الغذاء قد حان، وينبغي أن أسرع
وإلا فلن نجد شيئاً نتناوله.
واسرعت بدورها إلى الخارج بينما غمغمت مسز بويل
وقالت :
- ياله من فندق !! من الذي يوافق على دفع سبعة
جنيهات للإقامة في فندق كهذا .
*************************
أنت تقرأ
المصيدة أجاثا كريستي
Mystery / Thrillerأحد أشهر مسرحيات أجاثا كريستي التي تحولت لرواية . تتميز بأحداثها المميزة والمشوقة . أتمنى ان تستمتعو بها