الفصل 7

1.2K 80 4
                                    

تعاون الماجور متكالف مع جايلز في إزالة جبل الجليد المتراكم خلف باب المطبخ وفي الطريق المؤدي إلى حضيرة الطيور والدجاج ، وقد أبدى حماسة وهمة دفعت جايلز للأمتنان له وتوجيه الثناء عليه فعلق متكالف قائلاً :
إنها رياضة جميلة .. والحقيقة إنني أمارس الرياضة كل يوم .
وعرف جايلز إن الماجور من عشاق ممارسة الرياضة . ولذلك أدرك اصراره على تناول طعام إفطاره في منتصف الساعة الثامنة صباحاً .
وربما أدرك متكالف مايجول في ذهن جايلز حيث قال : كان سخاء من زوجتك أن تجهز لي طعام الأفطار في وقت مبكر وأن تزودني ببيض طازج .
كان جايلز نفسه قد إستيقظ من نومه قبل الساعة السابعة لأنجاز أعمال الفندق ، فأسرع لمساعدة زوجته في تجهيز أقداح الشاي والبيض وإعداد الموائد وقاعة الإستقبال ، وأثناء ذلك تمنى في قرارة نفسه أن يكون أحد نزلاء الفندق ليبقى في فراشه أطول وقت ممكن . من ناحيته إستيقظ الماجور مبكراً قبل أي شخص آخر ، ثم راح يجوب الفندق كأنه يمارس رياضة المشي وما أن أبصر جايلز حاملاً معولاً بهدف إزالة الجليد المتراكم حتى أسرع لمساعدته .وراح جايلز يراقبه بنظراته محاولاً تقييمه ، وجده رجلاً صلب العود في العقد الرابع من العمر يبدو نشيطاً يقظاً يتابع عن كثب كل مايدور من حوله ، وتسائل جايلز :
ترى ماهو السبب الذي دفع هذا الرجل للمجيء إلى هذا الفندق ؟ يبدو إنه تقاعد من الجيش ولم يجد له عملاً آخر .
توجه مستر برافتشيني إلى قاعة الطعام متأخراً وكان إفطاره كعادة أهل أوربا بسيطاً للغاية عبارة عن قدح من القهوة إلى جانب كسرة خبز جاف .
وشعرت مولي بالسخط حين حملت إليه الطعام فنهض من مقعده وأحنى قامته حتى كاد رأسه أن يمس ركبته حيث صاح في أدب شديد وكأنه رجل ياباني : أظن إنني في حضرة صاحبة المكان الكريمة .. فهل أنا على حق ياعزيزتي ؟.
فأجابته مولي بأقتضاب شديد :
نعم إنكَ على حق .
وأسرعت إلى المطبخ وشرعت في تنظيف وغسل أقداح الشاي وهي تقول في أسى :
إن هذا أمر أصبح لا يطاق .. لماذا يتناولون إفطارهم في أوقات مختلفة ؟.
وما لبثت أن فرغت من الأقداح حتى أسرعت إلى الطابق الثاني لأعداد غرف النوم . كانت تعرف إنها لاتستطيع إنتظار أي معاونة من جايلز حيث كان منهمكاً في تنظيف حضيرة الدجاج وإزالة أكوام الجليد منها . وفرغت من أعداد وتنظيم غرف النوم وتوجهت إلى تنظيف الحمامات والمغاسل ، وأثناء ذلك رن جرس الهاتف الأمر الذي أشعرها بالإرتياح حيث إطمئنت إلى أنها مازالت على إتصال بالعالم الخارجي حين رن الهاتف . وهبطت على عجل درج السلم وبلغت قاعة المكتبة وهي تلهث ورفعت السماعة وقالت :
آلو .. من المتحدث ؟.
فأجابها صوت مرح يتحدث بلكنة ريفية واضحة :
هل هذا قصر مانكسويل ؟
- هذا فندق قصر مانكسويل .
- هل يمكنني التحدث مع الكابتن جايلز دافيز ؟.
- للأسف من العسير أن يتحدث معك .. وعلى أي حال أنا زوجته فمن أنت يا سيدي ؟ .
- جوجين .. مدير شرطة بيركشاير .
ارتبكت مولي وغمغمت :
آه .. آه .. نعم .. نعم ياسيدي .
- إني أريد محادثته في أمر شديد الأهمية .. لا أستطيع أن أكشفه عبر الهاتف ، ولكنني بعثت إليكم بالمفتش تروتر وسوف يحضر لديكم بعد قليل .
- لكنه لن يتمكن من الوصول إلينا فنحن في عزلة تامة عن العالم الخارجي حيث الطرق مكدسة بأكوام الجليد والمواصلات على ما أعتقد باتت معطلة تماماً.
ولكن مدير الشرطة خاطبها قائلاً في ثقة :
إن مبعوثي تروتر سيصل إليكم فأرجو منك ومن زوجك أن تنصتا السمع إليه وأن تتبعو تعليماته وتوجيهاته دون تردد هذا هو كل ما أريده .
- ماذا ؟!
ولم تتلقَ جواباً على سؤالها الأخير حيث كان الطرف الآخر قد وضع سماعته بعد أن قال كل ما أراد أن يقوله . ووضعت مولي السماعة بدورها وقد تملكها الذهول ثم استدارت للخروج وفي تلك اللحظة فُتِحَ الباب فصاحت :
آه .. هذا أنت ياجايلز ؟.
وقف جايلز بالباب ووجهه ملطخ بتراب الفحم ، وقطع الثلج تغطي رأسه وكتفيه .
قال : ماذا حدث يامولي لقد قمت بنقل الفحم والخشب وسأتولى الآن إطعام الدجاج ، ولكن ماذا بكِ ؟ أرى إنكِ واجمة .. أحدث شيء يامولي ؟.
- لقد أتصل بنا البوليس ياجايلز .
فصاح جايلز في دهشة :
البوليس ؟.
- نعم أخبرني المتحدث إنه أرسل ألينا مفتشاً .
- ولكن لأي سبب ! ماذا حدث ؟ ماذا فعلنا ؟ .
- لا أعرف .. هل تظن إنهم يريدون الأستفسار عن شحنة الزبد التي استوردناها من آيرلند ؟.
فقطب جايلز حاجبيه وقال بعد برهة من التفكير :
هل حصلنا على رخصة للراديو ؟
- نعم إنها في درج المكتب الخاص بك .. أسمع ياجايلز إنني حصلت من مسز بيدلوك على خمسة كوبونات سكر نظير ثوبين قديمين وهذا أمر ربما كان مخالفاً للقانون ولكن المبادلة كانت منصفة .. والسكر لأستهلاك الفندق ولم يكن بقصد الإتجار .. يا إلهي هل إرتكبنا مخالفات أخرى لا ندري عنها شيء ياجايلز ؟.
فقال جايلز : منذ أسبوع كدت اصطدم بسيارتي بإحدى السيارات الأخرى ولكن لم يُصب أحدنا بسوء أو أضرار وكان الخطأ يتعلق بقائد السيارة السيارة الأخرى .
فتنهدت مولي وقالت : لا بد إننا أرتكبنا خطأً قانونياً لا نعرفه .
فقال جايلز : المصيبة إن كل مايفعله الإنسان في هذه الأيام أصبح مخالفاً للقانون .. ولهذا يتملك الإنسان عقدة الذنب دائماً .. ولكني أعتقد إن وصول المفتش له علاقة بإدارة الفندق .. وربما كان واجباً إستيفاء أوراق لأدارة الفندق لا علم لنا بها .
- إنني أظن إن البوليس لا يبالي بالمشروبات الكحولية والخمور ، ونحن لم نقدم شراباً وخموراً  حتى الآن لأي أحد .
- فما هي المشكلة إذن ؟.
- كل شيء في هذا البلد يبدو مخالفاً للقانون .
- آوه .. رباه .. كم أتمنى لو إننا لم نبدأ إدارة هذا الفندق اللعين .. حتى الجليد يتساقط بكثرة غير معهودة وسوف يشعر النزلاء بالسخط والضيق والزهق الواضح أن العاصفة أمامها وقت طويل حتى تنتهي وربما ستنفذ من مخازننا المعلبات والأطعمة .
فقال جايلز : لاعليكِ يا عزيزتي .. كل شيء الآن يبدو مثيراً للقلق والمخاوف ولكنها أزمة طارئة سرعان ما تتلاشى .
قال ذلك بعد أن طبع على جبينها قبلة حانية ، ولكنه كان شارد الذهن ثم أردف قائلاً :
هل تريدين رأيي يامولي ، إن الأمر كما أرى على جانب عظيم من الأهمية والخطورة وإلا ما أرسلو إلينا أحد مفتشي الشرطة للبحث في هذا الجو العاصف . وأشار الى الجليد الذي يغطي الأرض في الخارج وأردف يقول :
نعم يبدو إن الأمر خطير .
وفُتِحَ الباب في تلك اللحظة ودخلت مسز بويل صائحة وعيناها تتألقان :
أنت هنا يا مستر دافيز .. هل تعرف إن أنابيب التدفئة في قاعة الإستقبال باردة كالثلج ؟
- انا آسف يا مسز بويل .. إننا نعاني من نقص في الفحم .. ولكن على أي حال ..
فقاطعته في حدة وقالت :
أنا أدفع سبع جنيهات في الأسبوع .. ولا يجب أن أموت من البرد .
شعر جايلز بالغيظ ولكنه تمالكه وقال :
حسناً سأرى ما ينبغي عمله .
وغادر الغرفة . التفتت مسز بويل الى مولي وقالت في هدوء : أرجو المعذرة يامسز دافيز .. ولكنني أود أن أقول لكِ إنكِ تستقبلين شاباً غريب الأطوار .. وطباعه وربطة عنقه .. ثم .. ثم أخبريني يامسز دافيز ألا يفكر هذا الشاب ولو مرة واحدة في تصفيف شعره ؟!.
فقالت مولي : إنه مهندس معروف .
- ماذا ؟ .
- قلتُ إن كريستوفر رين مهندس مرموق .
- ياعزيزتي إنني أعرف المهندس العبقري كريستوفر رين العبقري الذي شيد كاتدرائية سانت بول ، أتعتقدون إنكم تعلمون ما لايعلمه أحد غيركم ؟.
- أنا اقصد مستر رين المتواجد هنا إن اسمه كريستوفر أيضاً ، وقد أطلق عليه أبوه هذا الأسم ربما يصير مهندساً لامعاً في أحد الأيام وهو مهندس فعلاً .
غمغمت مسز بويل وقالت :
هذه قصة ساذجة لا تنطلي علي .. ولو كنت مكانك لكشفت أسراره ولكن يبدو إنكِ تعرفين الحقيقة .
- مثلما أعرف عنكِ يا مسز بويل .. إن كلاكما يدفع سبع جنيهات في الأسبوع وهذا هو ما يهمني في الأساس أن أعرفه .. ولا أبالي أبداً بمشاعري نحو عملائنا فمودتي ومحبتي لهم تعُد في تقديري أمراً لا أهمية له .
شعرت مسز بويل بالإشمئزاز من تلك الكلمات الباردة وقالت : إنكِ في مقتبل العمر وتفتقدين للخبرة والمعلومات الكافية ومن واجبكِ ان ترحبي  بنصائح من يفوقونكِ خبرة وعلماً ، ثم إن ذلك الأجنبي الغريب متى أقبل هنا ؟ إنني لم أره بالأمس .
-حظر في منتصف الليل .
- إنه أمر لافت للأنتباه فقد حظر في ساعة غير مألوفة .
فقالت مولي في أدب :
لكن رفض استقبال النزلاء لمجرد وصولهم في ساعة متأخرة يفتقد أبسط قواعد الاحترام .
فرفعت مسز بويل رأسها في غطرسة وقالت :
غاية ما أريد أن أقوله هو إن هذا المستر برافتشيني يبدو لي للوهلة الأولى ..
وقبل أن تستكمل عبارتها صدر صوت واضح ذو لكنة أجنبية .
عذراً يا عزيزتي إذا تحدثتِ عن الشيطان فسوف يظهر أمامكِ .
استدارت السيدتان وتأملتا حولهما فأبصرتا وجود مستر برافتشيني واقفاً ورائهما .
***************************

المصيدة  أجاثا كريستيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن