كان برافتشيني قد تسلل إلى الداخل في هدوء حتى لا يشعر به أحد وقد طاب له أن يرى ذعرهما حين سمعتا صوته حتى إنفجر ضاحكاً .
قالت مسز بويل : لقد أرعبتنا ، وأنا لم أسمع خطواتك وأنت تتسلل إلى هنا .
فقال الرجل وهو يضحك : لأنني بالفعل أمشي على أطراف أصابعي حتى لا يشعر بوجودي أحد ، ولهذا أسمع الكلام وهذه لعبة مسلية أخرى .
ثم استطرد قائلاً :
لكنني لا أنسى أبداً ما أسمعه .
فقالت مسز بويل في أضطراب :
أهذا صحيح ؟ ينبغي أن أُحظر حقيبتي فقد تركتها في غفلة داخل قاعة الأستقبال .
وأسرعت الخطى وهي ترمق برافتشيني بنظراتها بينما ظهرت علامات الدهشة على وجه مولي التي تأملها الرجل الأجنبي بسرعة وقال :
إنني ألاحظ علامات الدهشة على وجهكِ يا عزيزتي .
تراجعت مولي خطوة إلى الخلف حيث ساورتها الظنون نحو الرجل ، ولم تكن تشعر نحوه بأي مودة فقالت في هدوء :
إن كل شيء يبدو أمامي هذا اليوم صعباً وعسيراً ربما كان الجليد هو السبب الوحيد في هذا الشعور .
التفت الرجل ناحية النافذة وقال :
أشاطركِ الرأي إن الجليد يعرقل الأمور حقاً .
- لا أعرف ماذا تقصد .
فقال وهو يبدو أمامها شارد الذهن :
كلا .. هناك اشياء كثيرة لا تجهلينها وعلى رأسها إدارة أعمال الفندق .
فرفعت مولي رأسها وقالت في ثقة وإصرار :
لا أدعي .. إننا نعرف كل شيء لكننا عازمون على النجاح يسعدني أن أسمع منك ذلك .
ثم قالت مرة أخرى في ثقة :
أعتقد إنني لستُ طاهية فاشلة .
- نعم أنتِ رائعة .
فقالت في نفسها : ما أقبح مجاملات الأوربيين الأوغاد .
ولأن الرجل أدرك ما يجول في ذهنها فقد قال :
ينبغي أن أخبركِ بشيء شديد الأهمية وهو أن يجب ألا تسرفا في الثقة نحو نزلائكما فمثلاً هل لديكم معلومات أساسية عن هويتهم وأخلاقهم ؟.
فقالت مولي في اضطراب :
وهل يجب أن نعرف ذلك عنهم ؟ إن واجبنا أن نحسن ضيافة كل من يرغب بالأقامة لدينا .
أنحنى الرجل أمامها وربت على كتفيها قائلاً :
يجب معرفة أي شيء عنهم ، أنا مثلاً زعِمت إن سيارتي إنقلبت بفعل أكوام الجليد وربما لا أكون صادقاً وبالتالي فإن هؤلاء مثلي قد لا يكونون صادقين فيما زعموه عن أنفسهم .
فقالت : إن مسز بويل ...
ولم تكمل عبارتها حيث رأت هذه السيدة آتية وقالت مسز بويل :
إن البرد قارص في قاعة الإستقبال ومن المناسب أن أجلس هنا .
واتجهت ناحية المدفأة إلا أن برافتشيني سبقها ناحية المدفأة وهو يقول :
هلا سمحتِ لي أن أُنظم جمرات النار في المدفأة ؟.
واصابت مولي الدهشة كما أصابتها ليلة أمس حين لاحظت خطواته الرشيقة التي لا تتناسب مع سنه الكبير إلا أنها لاحظت إنه دائماً يدير ظهره للمدفأة ، وأدركت الآن حين شاهدته راكعاً أمام المدفأة حيث ينعكس على صفحة وجهه وهج النار .. إنها عرفت سبب ذلك
لقد كان الرجل يجيد طلاء وجهه كما يفعل الفنانون في محاولة منه لكي يبدو لناظِريه صغير السن لكنها محاولة فاشلة لأن ملامح وجهه تعبر بالفعل عن حقيقة عمره أما خطواته الشابة فهي خطوات زائفة تدرب عليها .. ودخل الماجور متكالف في تلك اللحظة وأعاد مولي من خيالاتها إلى أرض الواقع ، قال الماجور :
أتصور يامسز دافيز إن الماء في أنابيب ..
وخفض صوته قليلاً في حياء وأردف قائلاً :
في أنابيب دورة المياه قد تجمدت .
فصاحت مولي وقالت :
إنه يوم مخيف .. الشرطة .. تجمد الماء في الأنابيب .. رباه ماذا سيحدث لنا بعد الآن .
وهنا سقط القضيب الحديدي من يد برافتشيني تلك التي كان ينظم بها جمرات اللهب في المدفأة ، وتوقفت مسز بويل عن أعمال التطريز ، ونظرت مولي إلى متكالف وأدهشها ما شاهدته من خوف حيث كانت كل الأحاسيس قد أرتسمت على وجهه كأنه قد تم نحته من خشب ، قال متكالف بصوت واهن :
البوليس ؟ هل قلتِ البوليس ؟!.
لاحظت مولي إن الجمود الذي يظهر على قسمات وجهه إنما يخفي في الواقع شعور شديد العنف لعله الشعور بالخوف والإنفعال ، ولكن هناك شعوراً ما ولم تتمالك من إن تقول لنفسها : هذا رجل خطير لا شك في ذلك .
وقال الماجور مرة ثانية ولكن بنبرة لا تخلو من الفضول :
ماذا حدث من رجال البوليس ؟.
- لقد أخبرونا هاتفياً قالوا إنهم سيبعثون بأحد رجالهم .
ونظرت من خلال النافذة وأردفت تقول :
لكنني لا أتوقع حظوره .
فقال وهو يقترب منها :
ولكن لماذا يرسلون أحد المفتشين إلى هذا الفندق ؟.
وقبل أن تتمكن مولي من الرد على السؤال فتح جايلز الباب ودخل ليقول في غضب :
إن هذا الفحم اللعين أصبح أشد صلابة من الحجر .
ثم التفت من حوله واستطرد يقول :
هل حدث شيء ؟.
فقال متكالف :
سمعت إن أحد رجال الشرطة سيحظُر إلى هنا .
فهز جايلز كتفه وقال :
لا أحد يمكنه الحضور في مثل هذا المناخ السيء إن أرتفاع الجليد يبلغ ستة أقدام والطرق كلها مغلقة .
وأثناء ذلك سمعوا ثلاث طرقات لم يعرفوا مصدرها في بادئ الأمر .. وأخيرأ خرجت من فم مولي صيحة خافتة وهي تشير نحو النافذة فلاحظ الحاضرون رجلاً ينقر بأصبعه على زجاج النافذة ولاحظو إنه يستخدم أدوات التزحلق على الجليد وهو مابدد دهشتهم لوصوله إلى هنا
تسمر جايلز في موضعه وعلامات الدهشة لاتبارح وجهه . ولكنه سرعان ما تمالك نفسه ودنا من النافذة وراح يفتحها بعد جهد وعناء .
قال القادم : اشكرك ياسيدي .
كان له صوت دافىء ومرح ثم قدم نفسه قائلاً :
أنا المفتش تروتر .
حملقت مسز بويل كثيراً في وجهه وقالت :
إنك صغير السن ومن الصعب أن تكون مفتش بوليس .
فبدت علامات الأسى على وجه تروتر حيث كان صغير السن حقاً وعاد يقول :
إنني لا أبدو صغير السن كما تزعمين يا عزيزتي .
وجال ببصره على الحاضرين وتوقف أمام جايلز وقال : هل أنت مستر دافيز ؟ هل أستطيع أن أتخلص من أدوات التزحلق في مكان ما ؟ .
- نعم .. نعم ياعزيزي .. تفضل معي .
ودخل المفتش من النافذة وتبع دافيز حيث ذهب .
وما أن تم أغلاق باب القبو خلفهما حتى قالت مسز بويل : يبدو إن رجال الشرطة لاهمَّ لهم سوى ممارسة الرياضة والتزحلق على الجليد .
ودنا برافتشيني من مولي وقال في صوت خافت وكان في عينيه نظرة خبيثة أزعجتها وأفزعتها حتى إنها تراجعت إلى الوراء .
- لماذا أرسلتِ في طلب رجال البوليس يامسز دافيز .
- كلا لم أرسل إليهم أقسم لك إنني لم أفعل ذلك .
وفُتح الباب ودخل كريستوفر رين وهو غاضب وسأل :
من هذا الرجل الذي بالبهو ومن أين أتى ؟.
فقالت مسز بويل : صدق أو لا تصدق إنه شرطي من هواة التزحلق على الجليد .
وكان صوتها يعبر عن أحتقارها وكأن وجود رجل بوليس يهوى التزحلق على الجليد هو القشة التي قسمت ظهر البعير .
وقال الماجور متكالف موجهاً كلامه لمولي :
عفواً يامسز دافيز هلا سمحتِ لي بأستخدام الهاتف ؟.
- طبعاً .. طبعاً ياماجور .
وتناول ماجور السماعة فصاح كريستوفر رين قائلاً : إن هذا الشرطي على جانب كبير من الوسامة شأنه شأن جميع رجال الشرطة .
وصاح متكالف في ضيق :
آلو .. آلو .
ثم التفت إلى مولي وقال :
لقد سكت الهاتف نهائياً يامسز دافيز .
فقالت : ولكنه كان على مايرام منذ قليل .. إنني .. ولم تستكمل عبارتها حيث أنفجر كريستوفر رين ضاحكاً في هيستيرية وقال بصوت مرتفع : إذاً أصبحنا الآن في عزلة تامة عن العالم الخارجي أليس هذا أمراً يبعث على الضحك حقاً .
فقال متكالف بحدة :
لايوجد سبب يدعو إلى الضحك ياعزيزي .
فقالت مسز بويل : أشاطرك الرأي ياماجور لايوجد مايدعو للضحك والسخرية هكذا .
وضل كريستوفر يضحك حتى أغرورقت عيناه
بالدموع وكأنه أصيب بنوبة هيستيرية
ثم وضع أصبعه على شفتيه محذراً وقال
في هدوء : أصمتوا جميعاً ..
إن رجل الشرطة قادم ....
**************************
أنت تقرأ
المصيدة أجاثا كريستي
Mystery / Thrillerأحد أشهر مسرحيات أجاثا كريستي التي تحولت لرواية . تتميز بأحداثها المميزة والمشوقة . أتمنى ان تستمتعو بها