وقف الجميع في داخل المطبخ وعلامات الرعب تكسو
وجوههم رغم أن رائحة الشواء كانت تفوح من بين ارجاء المطبخ ، كانوا أربعة رجال سيطر الرعب عليهم جميعاً وراح كل منهم ينظر إلى زميله في جزع وهلع.
أما مولي فلم تكن أسعد حظا منهم بل كانت شاحبة
اللون زائغة البصر لا تستطيع حمل أقداح الشاي ، وقد ألحَّ عليها المفتش تروتر أن تتناول قدحاً منه .
وراح تروتر يتفحص وجوه الرجال لعله يستطيع أن
يكشف شيئاً غامضاً . وفجاة قال المفتش :
- لقد قتلها منذ لحظات قبيل وصولك يامسز دافيز..
فهل أنت على يقين من أنك لم تسمعي شيئا قبل وصولكِ للمكتبة.
فأجابت مولي بصوت ضعيف
- سمعت صفيراً ، ثم صوت باب يتم إغلاقه بهدوء .
- أي باب تقصدين؟ .
- لا أعرف .
- تذكري يامسز دافيز هل كان في الطابق الأول أم الأرضي ، كان ناحية اليسار أم اليمين؟ .
- لا ادري .. بل إنني غير واثقة من أي شيء.
فقال جايلز للمفتش في حدة :
- هلا توقفت عن ملاحقتها إنها توشك على الانهيار؟.
- إنني أتولى التحقيق في جريمة قتل يا مسز دافيز.
- إنني لا استخدم وظيفتي العسكرية ياسيدى المفتش.
- هدىء من روعك .
- لقد حذرتكم جميعا من أن هناك جريمة قتل توشك
أن تقع هنا ، ولانكم تعاملتم باستخفاف مع محاذيري فقد وقعت الجريمة أمام أعينكم وربما نحن في طريقنا إلى ارتكاب جريمة أخرى.
فقال جايلز :
- جريمة أخرى .
قال تروتر :
- نعم وهذا أمر مؤكد ، لأن الأغنية تقول كان هناك
ثلاثة جرذان عمياء.
فعلق جايلز مستغرباً :
- تقصد جريمة لكل واحد من الجرذان؟ ولكن هذا يستدعي وجود شخص آخر كانت له صلة بالحادث ، ولكن لماذا تتوقع حدوث جريمة اخرى؟ .
- لأن الدفتر الصغير لم يكن به سوى عنوانين احدهما
هو المنزل رقم 74 بشارع كالفر وكانت الضحية توجد بهذا المنزل وتم قتلها فعلاً ، وأما العنوان الثاني فهنا في هذا القصر وهو مكان مناسب لارتكاب أكثر من جريمة.
- هذا سخف ياتروتر فليس منطقيا أن يجتمع هنا
شخصان كانت لهما صلة بالحادث .
- لو أننا أخذنا في الاعتبار بعض الظروف لكان كلامنا
صحيحا بل ومنطقيا يادافيز .
ثم التفت ناحية الأخرين وقال :
- لقد سمعت منكم عن الأماكن التي كنتم تشغلونها
عند مقتل مسز بويل ، وسوف أستعرض الآن هنا أقوالكم ، مستر كريستوفر هل قلت إنك كنت في داخل غرفتك حين سمعت صرخه مسز دافيز ؟ .
- نعم يا سيدي المفتش .
- وماذا عنك يامستر دافيز.. هل كنت مشغولا في فحص وتعقب أسلاك الهاتف؟ .
- نعم.
فقال مستر برافتشيني إنه كان يعزف على البيانو في قاعة الاستقبال .
- هل سمعك أحد وأنت تعزف ؟.
- كنت اعزف بهدوء .
- أية أغنية عزفت؟ .
ابتسم وقال : ثلاثة جرذان عمياء .. نفس النغمة وهو
لحن استحوذ على اهتمام الآخرين هنا.
فقالت مولي :
- إنه نغم سخيف.
فسال متكالف :
- وأسلاك التليفون ماذا وجدت بشأنها .
فقال تروتر :
قُطعت عمداً لقد اكتشفتُ ذلك أثناء صرخات مسز
دافيز .
فقال كريستوفر رين :
هذا جنون كيف يتصور القاتل أنه يستطيع النجاة؟.
ثم استطرد قائلاً :
- ربما لا يعتقد أننا سنمسك به ، أو ربما ظن أنه اكثر منا ذكاء ودهاءاً .
فقال جايلز :
- يبدو أننا نتحدث فيما لا جدوى منه .
- نعم هذا صحيح.. إن حديثنا سيركز فيما بعد على
كلمتين هما القتل والخطر فمن خلالهما ينبغي أن نفكر في التطورات المستقبلية. والآن دعني أتاكد من تصرفاتك وتحركاتك ياماجور تقول إنك كنت في القبو ... لماذا؟.
فأجاب الماجور :
- لا يوجد في واقع الأمر سبب جوهري ، فقد كنت
أتجول في ردهة الفندق ونظرت بداخل الدولاب الموجود تحت السلم، وفجاة التفت فرايت بابا صغيراً بجانب الدولاب وحدث أن قمت بفتح الباب فشاهدت سلماً مكوناً من عدة درجات وصعدت درجاته القليله فوجدتني داخل قبو فسيح .
ثم نظر إلى ناحية جايلز واستطرد يقول :
- إن في هذا القصر العتيق قبواً رائعاً ياجايلز آوه لم اكن أتصوره هكذا .
فقال تروتر بحدة :
- هذا ليس موضوعنا حاليا ياماجور متكالف إننا بصدد التحقيق في جريمة قتل كانت إحدى النزيلات هنا هي الضحية .
ثم أردف يقول :
- هل يمكنك أن تسمعني قليلاً يا جايلز؟ إنني سوف أدع باب المطبخ مفتوحا.
قال ذلك ثم غادر المطبخ ، بعد ثوان سمعوا صوت باب يغلق بصوت خافت وعاد تروتر ووقف بباب المطبخ وهو يقول :
- هل هذا هو الصوت الذي ترامي لمسامعك يامسز
دافيز؟ .
فكرت برهة ثم قالت :
- أظن .. أظن أنه كذلك .
- إنه صوت باب الدولاب الموجود تحت السلم ، وربما
اجتاز القاتل البهو بعد أن ارتكب جريمته في نفس الوقت الذي غادرت فيه المطبخ ، فأسرع إلى الدولاب واختبأ بداخله .
- إذا كان كذلك فمن المؤكد أن بصماته ما زالت
عالقة بداخل الدولاب .
فقال الماجور متكالف :
- إن بصماته موجودة فعلاً بالدولاب .
فقال تروتر :
- هذا أمر طبيعي ونحن الآن نعرف أسباب وجودها
هناك.
فقال جايلز :
- اسمعني أيها المفتش .. لنفرض أنك تتولى التحقيق
في هذه القضية ولكن هذا الفندق هو في الأساس فندقي وأنا المسؤل عنه وعن سلامة نزلائه ، إذاً أليس من الضروري أن نتخذ بعض الإجراءات والتدابير اللازمة من أجل حماية النزلاء؟ .
- ماذا تقصد يامستر دافيز؟ .
- دعني اتحدث بصراحة .. إن في استطاعتنا أن نحجز على الشخص الذي تحوم حوله الشبهات .
قال ذلك وعيناه على كريستوفر رين .
فتقدم كريستوفر رين إلى الإمام بضع خطوات وقال :
- هذا اسلوب خطأ إنكم تريدون أن تحملوني مسؤلية
جريمة أنا بريء منها وهذا ظلم لا اقبله.
فعلق متكالف:
- هدىء من روعك يابني .
وتقدمت مولى إلى الأمام، وقالت وهي تربت على
كتف الشاب :
- لا داعي للانفعال يا كريستوفر .. إننا لن نظلمك أبدا
مهما حدث .
واستدارت ناحية تروتر وقالت :
- ارجوك طمئنه يا سيدي المفتش .
فقال المفتش :
- إننا لا نتهم احد ولن نلفق أية تهمة لأي شخص
بري .
قالت مولي مرة أخرى :
- أخبره أنك لا تريد اعتقاله.
فقال تروتر :
- إنني لن أعتقل أحداً فلابد أن نحصل على ادلة ونحن نفتقدها كما ترون .
فقال جايلز :
- ماذا دهاكِ يا مولي وأنت أيها المفتش إن هذه
الأوصاف التي وردت عن شخصية القاتل إنما تنطبق كلها على ...
فقاطعته مولي وقالت :
- على رسلك يا جايلز .. لا داعي للتسرع.
واستطردت تقول للمفتش تروتر :
- هل يمكنني أن أتحدث إليك أيها المفتش؟ .
فقال جايلز في ضيق :
- إذاً سأنتظر هنا .
فقالت مولي :
- كلا يا جايلز .. تعال معنا .. أرجوك .
فصاح جايلز بعد أن تلون وجهه :
- أنا لا أعرف ماذا اصابكِ يا زوجتي .
وتبع مولي والمفتش إلى خارج المطبخ وأغلق الباب وراءه بعنف .
وفي هذه اللحظة قال تروتر :
- نعم يا مسز دافيز ماذا تريدين مني؟ .
- اسمعني يا مستر تروتر حين حدثتنا عن قضية
مزرعة لونجريدج يبدو أنك ظننت أن اكبر الأشقاء الثلاثة هو الذي يرتكب هذه الجرائم ، ولكنك اخطات في هذا الظن.
- هذا صحيح يا مسز دافيز .. ولكن كل الاحتمالات
تتجه ناحيته خاصة أنه مهووس وهارب من الجيش وتقرير الطب النفسي يؤكد ذلك .
فقالت مولي :
- اعرف كل هذا .. واعرف أيضاً أن جميع الأدلة تشير
إلى كريستوفر إلا أنني اشك في ذلك لابد أن هناك
احتمالات أخرى .. ألم يكن لهؤلاء الأطفال أقارب؟ اين ابوهم مثلا ؟ .
- نعم .. لكن الأم رحلت عن الدنيا والاب كان مجنداً
خارج البلاد .
- إذاً أين يوجد ابوهم الآن؟ .
- لانملك أية معلومات ربما ترك الخدمة في العام الماضي .
- إذا كان الأبن مهووساً فمن الممكن أن يكون الأب كذلك .
- ذلك جائز .
- إذاً من الممكن أن يكون القاتل في متوسط العمر او طاعناً في السن ولا تنس أن الماجور متكالف إضطرب بشدة حين علم إن البوليس اتصل بنا هاتفياً ، وللاسف فقد كان اضطرابه واضحاً دون لبس أو غموض .
فقال المفتش في ثقة :
- أرجو منك أن تتاكدي أنني وضعت جميع
الاحتمالات منذ بداية الأمر .. فكرت في اكبر الإخوة
واسمه جيم كما أني فكرت في الأب بل وفي الأخت لأن من المحتمل أن يكون القاتل امرأة . خلاصة القول أنني لم أترك احتمالا يجول بخاطرك ، وربما كانت في خاطري فكرة كاملة لكنها تفتقد الدليل والمشكلة الآن أننا أصبحنا في زمن صعب حيث يتزوج الناس على جناح السرعة دون أن يكلفوا أنفسهم عناء السؤال والتقصي عن الأسرة وتعاملها والأحوال الإجتماعية ، الشاب يقول مثلا إنه طيار أو ضابط فتثق الفتاة فيه ثقة بلا حدود ، ثم يتبين لها بعد فترة أنه هارب من الجيش أو أنه محاسب مختلس أو أنه متزوج ولديه اطفال .. إنني اعرف ماذا تقصدين ولكن على اية حال فالقاتل يتمتع بجرائمه .
******************************
أنت تقرأ
المصيدة أجاثا كريستي
Mystery / Thrillerأحد أشهر مسرحيات أجاثا كريستي التي تحولت لرواية . تتميز بأحداثها المميزة والمشوقة . أتمنى ان تستمتعو بها