الأدب الواقعي الاجتماعي
كثيرًا ما يظن الناس أن الأدب الاجتماعي هو ظاهرة جديدة ظهرت بحدود هذه القرون إلا أنه ظاهرة قديمة؛ فيمكننا أن نُشير أن هناك ومضات بسيطة هي ما جعلت الأدب الإجتماعي يتطور في عصرنا هذا و ينتشر.
يمكن للأدب أن يكون صورة عن الواقع الاجتماعي بأبعاده النفسية والفكرية والشعورية والمادية، بل قد يكون الضوء الذي يتم تسليطه على معاناة معينة ويتم لفت نظر المجتمع لهذه المعاناة؛ من أجل إيجاد حلول جذرية لها.
أي إنه يمكن أن يكون مرآة لكل ما يدور في المجتمع وبقدر جديته، وتركيزه على القضايا الإنسانية يكون نجاحه بأن يتحول لجزءٍ من الواقع الاجتماعي، وليس مجرد انعكاس له، فكم من الروايات غيرت مجرى حياة الكثير من الناس بل غيرت مفاهيم مُتجذِّرة في المجتمع.
حين يكون صورة عن ذلك الواقع -الاجتماعي- لابد أن يكون شديد النقاء وشديد الدقة في نقل تلك الصورة الواقعية؛ فالخيال يسمح بالالتفاف حول الأفكار ولكن الواقع لا يسمح بذلك.
لَمَّا يكون واقعياً لابد أن يكون ذو علاقة طردية مع الواقع؛ فيُعبر، ويعكس الحزن، والغضب، والمللّْ، وجدية العالم كما هي به.
ولابد أن يكون الأديب على درجة من المسؤولية، والإدراك حين يكتب عنه لأنه لا ينقل صور فقط بل يرسم حياة بأكملها على الأوراق ولا يُسمح له بتزوير ما هو واقعي.
قد يكتب الكاتب عن الواقع الاجتماعي ولكن مهمته الأساسية هو أن يكشف ما يقبع خلفه من مشاعر؛ قد تكون نبيلة وقد تكون وضيعة، قد تكون مثالية وقد تكون مادية، ولكنها المحرك لكل التصرفات الإنسانية، قد تنحرف بسبب الطمع والحقد، وقد تتخذ المسار الصحيح بسبب الحب والنزاهة.
جميع الأعمال الأدبية تحمل ذلك الوجه الواقعي للعمل الروائي، ثم تحمل ذلك الوجه الخفي لما يدور في الذات البشرية وما يجول فيها قد يبدو أكثر تعقيداً مما في الواقع الحسي؛ لأنه بداخل هذه النفس تكمن جميع المشاعر، و الرغبات، و التطلعات، و أيضاً أخر محطات اليأس والانسحاب غير المعلن.
ولكن هل الأدب الاجتماعي يأخذ دور المصور الفوتوغرافي للواقع؟
إذ اكتفى الكاتب بأن يأخذ دور المصور فهو فعلاً يكون كذلك، ليس بآلة التصوير، بل بالكلمات والحروف والجمل، وهو بذلك لا يُضفي شيء جديد للقاريء، كل ما يفعله هو أن يزود القاريء بالصورة ونجاحه لا يكمن إلا بمقدار صفاء الصورة.
وهو لا يفعل سوى إعطاء القاريء فرصة رؤية الواقع مرتين ليس إلا. ولكن العمل الأدبي الفني لا يكتفي بأن يأخذ دور الكاميرا بل يمنح للواقع صور أو حتى عدة صور مختلفة الألوان والحركات، والتفاعل، ويضع رؤية جديدة لكل تفاصيل الصورة؛ لأنه يرى الأحداث من مُنظار متعدد الأبعاد والزوايا وليس من مرماها -الكاميرا- المحدود.
الأديب الفنان يرى الواقع من عدة أبعاد وليس من بُعدٍ واحد، يكتب عما هو بسيط بلغة عميقة، ويكتب عما هو معقد بلغة بسيطة؛ كونه يفكك الواقع ويعيد تشكيله برؤية الإنسان الأديب.
و بمقدار وعيه الإنساني، والثقافي تأخذ هذه الصورة الواقعية أبعاد أوسع؛ ولهذا يبدو أن الأديب الحقيقي له دور غير دور الكتابة القصصية، وهو إيجاد الحلول أيضاً للمشاكل الحياتية، و البشرية؛ لأنه متعدد الرؤيا، والزوايا التي ينظر منها للشيء بشكل مختلف عن الأخرين.
فهو يعيش دومًا فى حركية و صراع بين الواقع الكائن من جهة، و المُمكن من جهة أخرى، وهذا الصراع فى حقيقته نتيجة حتمية لعدم رضاه، وقناعته بما هو عليه حال مجتمعه، سواء على المستوى السياسى أو الاجتماعى والثقافى؛ فتراه دائمًا فى حالة من التوتر الفكري باحثًا عن انسجامية بين الحقيقة، و الواقع بطرح أسئلة الذات و الوجود، و إمكانية التحول لواقعٍ أفضل بالمستقبل.
إنه يعيش وعيًا شقيًا كما قال سارتر «لأنه يكتب فى مجتمع تسوده الفوارق من كل نوع، وتنتصب داخله العراقيل أمام ممارسة الناس لحرياتهم».
وبالتالي يصبح دَور العمل الأدبى دَورًا متميزًا داخل المجتمع، ووعي الأفراد به باعتباره وسيلة من وسائل بث الوعي الفكري والجمالي برسالته الأدبية.
لذلك هو محصلة نهائية لتداخل عوامل نفسية، واجتماعية وتاريخية، ولا يمكن بالتالي أن ينفصل عن سياقه المجتمعي. فكل نص هو تجربة اجتماعية، عبر واقع ومتخيَل. وعلى الرغم من كل المسافات الموضوعية التى يشترطها بعض الأدباء لممارسة الأدب، فإن المجتمع يُلقي بظلاله على سيرورة العملية الإبداعية، بل ويوجِه مساراتها المُمكنة فى كثير من الأحيان.
وأخيراً، لكي نستمتع حقاً بالأدب الواقعي الاجتماعي لابد أن نتخلى عن جميع أفكارنا حول الموضوع الذي نقرأ عنه؛ أن نطالعه و كأننا لا نعلم، و كأننا نشعر لأول مرة؛ لتبدو برحلة جديدة لاكتشاف الحياة.
وحين ننتهي من القراءة يمكن لنا أن نستعيد أفكارنا المسبقة ونكتشف إن كنا قد أضفنا شيء أجمل، أرفع، أنقى؛ لأفكارنا، أم أننا أضعنا الوقت والجهد بقراءة ما لا يستحق.
قراءة الأدب لا يجب أن تخضع للنقد خلال القراءة؛ كونها تُقدم نفسها طواعية للنقد بعد القراءة خصوصًا حينما يكون هذا الأدب يتحدث عن الواقع.
---
كتبه العضو: زبرجد.
فريق الإبداع يحبكم ❤
أنت تقرأ
صِحَاف وزمر
Casualeلأن العلم تراكمي، ولأنه كان لزامًا علينا أن ننقل المعلومة بتصرف، وبرونقٍ إبداعي! صِحَاف وزمر، إنه البوابة التي تأخذك لعالمٍ من الصحف والمقالات، التي تثري معرفتك وتساعدك على الفهم والإحاطة.