|°المغزى في الرواية°|

189 33 32
                                    

لا رواية تكتمل دون مغزى، فتصبح الرواية أحجية ناقصة القطع ولا تفهم صورتها، فهل تسائلت من قبل لم الرواية يجب أن تحتوي على مغزى؟

لنفكر معاً، لكي نصنع كعكةً الشوكولاتة، يجب أن تحتوي على مقادير معينة، فيجب أن يكون لديك الدقيق، البيض، الفانيلا، سكر وغيرها من المقادير، فأن نقص منها مكونٍ ما فلن تنجح الكعكة، أو بالأحرى حتى لو نجحت لن تكون بتلك اللذة كالكعكة العادية، هل تصورتّ معي الأمر؟ إذا لنقسه على الرواية.

الرواية هي كالكعكة، عليك العمل على كل جوانبها لكي تظهر لنا كعملٍ أدبي فني متكامل، وقد ترون العديدَّ من الأعمال التي تهتم بكل تفصيل من الرواية، بكل كلمة تكتبها، لكن قد يخرج القارئ من الرواية وهو يسأل نفسه:

هل هذه الرواية قد أخرجت بي شيئاً؟ هل قد أثرت بي بشكلٍ ما؟

إن كانت الإجابة بلا، فهنا نعلم أن الرواية لم تملك مغزاً بأي شكل من الأشكال، ولم تكن تملك أي تأثير، لأن المغزى هو ما يجعل القارئ يثور، يترك أثراً عنيفاً على عقله. ولا يشترط أن يكون المغزى مقدم على طبق من ذهب، يمكن للمغزى أن يكون بين السطور، وأن يكون في مشهدٍ واحد، أو سطر واحد.

قبل كتابة أي رواية، فكر بها يا عزيزي صاحب القلم المبدع، ما هي النار التي قد أوقدها في عقل القارئ؟ في عواطفه؟ كيف سأجسد هذه النار؟ وهل هذا المغزى مهم؟ أسال نفسك يا عزيزي الكاتب، لا تدع قارئك يخرج محبطاً أنه قد أضاع وقتاً في قراءة شيء لا فائدة له.

هل تسائلت من قبل أثناء كتابتك لقصتك "لماذا أنا أكتب هذه القصة؟ ولماذا أخطّ هذه الكلمات وأبدع بها؟" ربما قد يكون لتسليةِ في بعض الأحيان، ولكن غالباً حينما تكتب أنت تطرح قضيةً ما، أنت تريد إيصال ما يسمى بالمغزى، ولنجعل الأمور أبسط: المغزى هو الرسالة التي تريد إيصالها لقارئك، ما يشعل عقله ويجعله يشعر بشيء ما يتحرك في داخله، هذا ما ندعوه بالمغزى.

فالقصة لا تكتمل بدونّ مغزى، فلم قد تكتب عن شخصيات تمشي في الغابة دون هدفٍ؟ أو عن قضية الفسادِ السياسي في الأوطان؟ لن يكتب أي شخصٍ عن ذلك إلا وأراد أن تصل رسالة من هذا الأمر.

فحتى القصص الشعبية القديمة التي كانت تروى للأطفال قد أمتلكت مغزًا عميقاً، وكقصة روبن هود السارقّ الذي يطعم الفقراء ويسرق من الأغنياء، إن فكر المرء، فإنها تدعو للتمرد ضد الظلم، وألا يقف الإنسان مكتوف اليدين، بل أن يتمرد ضد الظالم مهما كانت الظروف، ولا ننسى قصة بينوكيو ذو الأنف الطويل، فعلمتنا أن حبل الكذب قصير مهما طالت الكذبة، سينقطع الحبل فوراً، وستنكشف الحقيقة.

كيف نخرج المغزى من القصص؟ ببساطة، إسأل نفسك: ما الذي أراد الكاتب أن يوصله من كتابته لهذه القصة؟ ما الذي أراد أن يخبرنا به؟ فمثلاً، لنأخذ رواية الأسود يليق بكِ، الأسود يليق بكِ كانت عميقةً، فذكرت عدة مغازٍ منها، فأن الحُب ليس بالهدايا المترفة، وليس ثوباً نغيره كلما مللنا منه، أن الحبَّ أعمق بكثير من شهواتنا لشيءٍ جميل. ولنقس ذلك على بقية القصص.

ولكي نخرج المغزى، علينا أيضا معرفة نوعيه: المغزى الواضح، والمغزى ما بين السطور، فالمغزى الواضح هو ما يكتب بالخط العريض، وما تفهمه فور قرائتك للقصة، أما الآخر فلا يكون واضحاً، بل بين السطور، وكلمات تحتاج للتعمقِ والتفكر بها لتصل لنا، ويملك مغزى مابين السطور في العادة شيء ما مميز، إجعل عقلك وقلبك يقرأن قبل عينيك، وليتأملا في الكلمات.

عزيزي الكاتب، أعمل على مغزى قصتك، ليس بالشرط أن تكون قصتك من مغزى واحد، وليس بالشرط أن تكون واضحةً وصريحة، بل أشعل في القارئ أسئلة في نفسه، شيء يجعل القارئ يقول: ماذا كنت لأفعل لو كنت في محل الشخصية؟ هل كنت لأقبل؟ هل الحب في هذه الحالة كافٍ؟ أفتح عليه باباً من الأسئلة لا يوصد مطلقا، قد يتواجد هذا المغزى في كل مكان، في سطر ما، في كلمة، في صفحات عديدة، لا يهم أين يكون، لكن يجب أن يوجد!

أسأل نفسك لم أخطّ هذه الحروف، وأعلم أن الرواية بلا مغزى كأحجية ناقصة ضاعت منها قطع لا يعلم أين هي، فكم محزنٍ أن تقرأ بشيء لا تعلم لم كتب، أو لا يرضي اسئلتك، أو يحرك بداخلك شيء ما، فيشعر القارئ بخيبة أمل أو بخيانةٍ في قلبه!

الآن يا عزيزي الكاتب بعد أن علمت عن أهمية المغزى، ستخبرني: كيف أضع مغزاً لروايتي؟ وهنا نحتاج تركيزك، تنفس عميقاً ونتبع معاً!

أنت الآن تريد كتابة قصة عن الأوطان، ما الذي تريد أن توصله؟ أن الأوطان يحكمها الفاسدون دائماً؟ أو أن الظلم لن يمتد غمامه للأبد؟ أم تريد أن تظهر الحب في بلادٍ لا تحبذ الحب، بل تمقته؟ ضع أمامك رسالتك، رسالة هذه القصة، ما الذي تريد شخصياتك أن تقدمه لنا، وكيف ستتصرف لتوصل هذا المغزى لنا، لكي نشعر به سواء بشكل صريح أم نبحث عنه بشغف؟ إجعل حتى شخصياتك شغوفة بما تؤمن به، ولا تضع أهدافاً مثاليةً وتتحقق بكل مثالية، لا يوجد في هذا العالم مثالية تامة، بل العيوب ما تجعل كل شيء أجمل، وأجعل مغزاك يقدم لنا فكرة، ولو كان وميضاً خفيفاً.

وهذا كل شيء، أتمنى أنكم قد استمتعتم، والآن حان دوركم!
أخبرونا، ماهي القصة التي أحببتم مغزاها؟ وما السبب؟ وماذا كان مغزاها؟

-----------------

الدونا أودين.

صِحَاف وزمر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن