«إن المكتبة، أي مكتبة، يمكن أن تكون مهمة إذا احتوت على حفنة من المخطوطات الخاصة بطائفة ما، وقد لا تصبح مهمة إلا إذا احتوت على ملايين العناوين من مكتبات وأزمنة أخرى.»
المكتبة هي مجموعةٌ من مصادر المعرفة تكون متاحة من أجل البحث والاطلاع والاستعارة.
غالبا ما تتجاوز المكتبةُ الكتبَ المطبوعة في مدلولها الأوسع؛ فتضم الآن معها عددًا كبيرًا أو قليلًا من المواد الورقية الأخرى كالجرائد والنشرات وبقية الدوريات على اختلاف أنواعها، وكذلك الخرائط والأطالس والرسمات الهندسية، كما أنها قد تضم أيضًا المخطوطات التراثية القديمة والمراسلات والمذكرات الحديثة وغيرها من المواد الورقية غير المطبوعة. المكتبة هي تجميع مصادر وخدمات المعلومات؛ أي أن المكتبات الحديثة تعرف على أنها أماكن مفتوحة للوصول إلى المعلومة بأشكالها المختلفة ومصادرها المتعددة، بالإضافة لتقديم المواد. وقد أصبحت المكتبات في الآونة الأخيرة تتعدى حوائط المبنى؛ فهي تحتوي على مواد يمكن تحصيلها إلكترونيا، مصطلح «مكتبة» أصبح له معنى آخر (مجموعة من المواد النافعة للاستعمال العام).
وتتراوح المكتبات بالحجم من بضعة رفوف إلى بنايات كبيرة تضم مجموعات مهولة من مصادر المعرفة التي لا تقتصر على الكتب فقط، وإنما أصبحت تشتمل على الخرائط والمطبوعات الدورية والشرائط المصورة وغيرها من وسائل تخزين المعلومات.
كلما كانت المكتبة كبيرة، أخفت وراءها مصاص دماء لا يشبع أو تاجر مسروقات يعمل بمهارة في تبذير الممتلكات المنسية. فالمكتبة الغنية ينبغي أن ندعوها بمتحف الغنائم الاستعمارية، والسرقات القذرة.
لنأخذ على سبيل المثال فرنسا، وما فعلته بالمستعمرات عندما نهبت الكتب الفخمة من هوي، أو دونغهوانغ، أو لوفان، أو مصر، أو حتى إسبانيا وإيطاليا في عهد بونابرت، ومن شمال أفريقيا، بل حتى من باريس نفسها عام١٩٤٠، لكن هذه العمليات اللاشرعية قد هدأت مؤخرًا.
وإن المكتبة كلما كانت كبيرة فإنها تحمل في طياتها عوامل تدميرها؛ لأن الكتاب يختبئ في أعماقها ويصعب إيجاده. هذا غير المخاطر التي تهدد سلاسل الكتب كأن يصل إليها الماء، أو النار، أو الحروب فتعمل على تدميرها
وهناك خطر آخر يهدد المكتبات، وهو الرغبة الصريحة في تدميرها كليًا، لماذا؟ لأنه لا يمكن الهيمنة على الشعب المثقف القارئ، ولأن طبيعة بعض الكتب قد تشكل خطرًا على السلطات نفسها، هذه تمامًا كانت نظرة المغول في البلدان التي غزوها، كبغداد مثلًا…
كانت توجد في أوساط القرن الثالث عشر ست وثلاثون مكتبة في عصمة الدولة العباسية، وكانت أشهرها مكتبة المدرسة التي أسسها الخليفة المستنصر، إذ حَوت ما يقارب الثمانين ألف كتاب، لكن هجوم قوات المغول على العاصمة كان مدمرًا، فعلى الرغم من ميول قائدهم هولاكو المعرفية، إلا أن هذا الميول لم يمنعه من تدمير مكتباتها وإحراق كتبها، بل إنه خلال أسبوعٍ واحد قد رُميت كتبها في نهر الفرات بأعدادٍ يعجز عنها الوصف، وقد شكلت تلك الكتب المهدورة جسرًا يمشي عليه مشاة الجيش وفرسانهم، حتى صار لون النهر أسود من حبر الكتب والمخطوطات، هذا ما أخبرنا به ابن خلدون بعد مئة وعشرين سنة من ذلك التاريخ،
هذا ما حدث في بعضٍ من مكتبات العراق، العراق التي حضنت أول مكتبة في التاريخ.
--------
الفصل من كتابة العضو زبرجد
![](https://img.wattpad.com/cover/182576471-288-k992321.jpg)
أنت تقرأ
صِحَاف وزمر
Casualeلأن العلم تراكمي، ولأنه كان لزامًا علينا أن ننقل المعلومة بتصرف، وبرونقٍ إبداعي! صِحَاف وزمر، إنه البوابة التي تأخذك لعالمٍ من الصحف والمقالات، التي تثري معرفتك وتساعدك على الفهم والإحاطة.