عادَتْ إلىٰ الفَرَاغِ الّذِي ظَهَرَتْ مِنهُ

76 4 7
                                    


خرج من المحكمة فاركاً شعره الكستنائي برفق يتناقض و شعوره العام بالإرهاق الذي كان الصداع من اعراضه.

تلاشى هواء تنهيدته في حرارة الظهيرة بعد أن استرخت عضلاته كون السيد الذي يلعب دور مدربه قد أذن له العودة إلى بيته.

تحقق من هاتفه الذي اكتشف نفاد بطاريته متأخراً ؛ فحشره في جيبه ملحقاً تنهيدة أخرى أغلظ من سابقتها.

" و الآن ، ماذا؟ "
تمتم و اليأس يتسرب له. كان من شأن رخصة قيادة ان تنقذه مما هو فيه. تذكر دراجته العزيزة اللامعة كحجر السبج الكريم الداكن التي تمت سرقتها بالأمس ؛ فرددت نفسه جمل الوعيد على من اغتصبها منه كون المحل الذي يبيع مثيلاتها مغلق ، و هو ليس متفرغاً ليبحث عن آخر في الوقت الحالي.

أعاد جملته السابقة و هو يبحث بعينيه بسأم.

" هل تحتاج مساعدة؟ "
انتشله صوت جميل من زوبعته النفسية فالتفت خلفه إلى محدثته. و كان سريع البديهة فعرفها كونها المفتش التي كانت عنصراً من عناصر جلسة المحكمة التي خرج هو منها للتو.

فتح فمه لكنه أغلقه مجدداً ممتنعاً عن الإفصاح كونه لم يجد مقدمة لما هو فيه. و لم يلاحظ أنها تتفحصه بعدستيها ذات لون القهوة ، كانت في ثبات الثقة بنظراتها كأنها اقتبست من ألسنة تلك الشمس ناراً أشعلت عدستيها. و مع ظلال رموشها الشامخة بدت كغابة أبانوس وقت الغسق.

وضعت هي قبعة كتلك الخاصة برياضة كرة القاعدة لتحجب وهج الشمس عن رأسها فحرمته من مشهد جزم بفضله على أن موطن الجمال كان هنا.

"  سأوصلك إن كانت وجهتك قريبة.. "
استطردت بثبات مخفية انزعاجها من مبالغته في التحديق و تقدمته إلى مركبتها.

شكر العناية الإلهية التي أوصلتها له و أعفته من إنتظار سيارة أجرة في مثل هذه الحرارة. و داس على خطواتها معيداً صورته الهادئة بهالة من الذكاء.

امتنع كلاهما عن الحديث على الطريق الذي لم تتخلله سوى كلمات عابرة عن القضية. كما قاومت هي غيظها من تحركاته الغريبة ؛ فقد كان ينظر إلى المرآة المعلقة بينهما كل دقيقة و ذلك استفزها بسهولة.

رفعت نظرها إلى ذات المرآة بلا اهتمام حين انحرفت سالكة منعطفاً. لكنها قطبت جبينها حين لمحت سيارة اسعاف تتبعت ظل مركبتهما. لم تسرع او تتخطاهما ، كما لم يصدر منها صوت.

" لما تتجول هكذا ؟! "
تمتم نامجون متسائلاً. ثم أمعن النظر.

" رأيتها بالأمس.. "
أستطرد و تحقق من ساعته المثبتة على معصم يسراه.

" في ذات التوقيت.. و تذكرت رقم اللوحة.. 4210 DTH.. هو كذلك.. "

" هل سلكتَ ذات الطريق بالأمس؟ "
سألته و هي تركز على طريقها. و الشك يتضاعف بسرعة رهيبة.

" بالفعل.. "
أوجز الإجابة و هو مستمر بالنظر عبر المرآة العاكسة. كان يحاول جهده أن يرى من يقودها لكنه يشاهد ظلا داكناً فقط..

" ما الذي...؟!! "
زمجر مذعوراً حين انعطفت السيارة فجأة بحدة.

" إهدأ.. كنت أتحقق من إتباعها.. "
أجابت سريعاً بهدوء شديد.

تنفس بشدة و نقر على ركبته ، الإضطراب يتأرجح داخلهُ مُوحِياً إِليْهِ أنّ اليومَ سَيَشُذُّ عنْ تَناغُمِ روتينِه.

رَفَعَ بُندُقيّتيْه ناحِيةَ المِرآة مجدداً ، أطلّت تنهِيدَةٌ واهِنَة ، لكِنّه لم يسمح بِخُروجِها ،  گانتْ أثقَل مِن أن يستطيع و گأنّها مُعَلّقةٌ بِروحِه.

" أنت! "
حِدّةُ صوتِها العالي سبّبَتْ إنتِفاضة بدنه گمن كادَ يسقط في هاوِيةَ الموت.

نَقلَتْ هي بصرها تِجاه المِرآة بعدَ أن لاحظَت تَخَشُّبَ جَسدِه و تَصلّبَ محياه. فانتقلتْ لها ذاتُ حالِه.

كِلاهُما گانا جُزءً منَ المَشهَد ، لگن لمْ يَرَ أَحَدُهما تِلكَ السيّارة الناصعِة الّتِي لا يَجِبُ أن تكُونَ هُنا.

لَحظَاتٌ دوىٰ بَعدَها صَوْت مُريع.

تَجمّع المَذعورونَ حول السيّارةِ السّوداءِ التي أصبح عاليها سافلها. فَرِغَت وسائدُ الأمان من الهواء ، كِلاهما مصاب.

و في وسط محاولاتِ المذعورين انتِشَالَ أجْسادِهمِا مِن الحُطامِ ، و گذا جَسَدُ صاحِبِ السيّارةِ النّاصِعة ، تسَرّبَتْ إنذَاراتُ الطوارئ مِنْ بَعيدٍ.

ثَلاثَةُ سيّاراتِ إسعافٍ ، تُسابِقُ الرّيح..

ثَلاثَةُ أجسادٍ راقِدَة ، بِوَعْيٍ غائِبٍ..

سيّارةٌ واحِدة ، واحدةٌ فقط :

مَفْقودَة!

__________________________________

إلى كيم جولين

@juleen4ever

و H.D

بكل الحب و الإمتنان
تحياتي !

بما أنها أولى الروايات التي أعمل عليها بهذا الجد ، فاتمنى ان تكون عند حسن ظنكم

أعترف أن البارت قصير للغاية ؛ هو بمثابة مقدمة فقط

∆تنويه !∆

ستبدأ دراستي خلال أسبوع و بضعة أيام ، وقتها لا استطيع أن أضمن الإنتظام في مواعيد التنزيل ، لكن أعد أنني ساعوضكم

نُشِر بتاريخ: ١٩ أغسطس ٢٠١٩
عُدِّل و أُعيدَ نشره بتاريخ : ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٠

Real Meحيث تعيش القصص. اكتشف الآن