لكل امرأة بلا استثناء تجربة في الحب لم تفصح عنها لأحد تظل تعيش على ذكراها مع مرور السنوات حتى و إن لم تكن تجربة ناجحة. فقلب المرأة كالمحيط من حاول دخوله سيغرق لا محالة لأن ليس به زورق للنجاة خاصةً للرجال إذا حاولوا معرفة كل تفاصيل حياة أي امرأة لأن بسبب طبيعتهم لن يتقبلوا كل التفاصيل مهما كانوا متفتحين عقليًا و سيكون ذلك بمثابة العذاب خاصةً إذا كان أحدهم يحب تلك المرأة. فلن يستطيع النسيان أو تقبل كل تلك التفاصيل.
و لكن في هذا القصة لن نتحدث عن كل النساء تكفينا امرأة واحدة لأن قصتها مختلفة. مارية ذات الثلاثة و أربعين عامًا. المرأة الجميلة المصرية الأصل و لكنها ولدت في انجلترا لأب مصري و أم إنجليزية.
كان وجهها ملامحه طفولية تتسم بالنضارة و البراءة مهما تقدم بها العمر؛ عيناها عسليتين عندما ينعكس عليها ضوء الشمس تسحر بها الناظرين، شعرها طويل يميل للون الكستنائي مثل والدتها و لم تكن طويلة و لا قصيرة و لا نحيفة و لا سمينة كانت الوسط في كل ذلك و الوسط الذي يميل ناحية الجمال.
بعدما وُلدت في انجلترا سافرت مع أهلها لمصر و قضت هناك عشرة أعوام حتى تطلقت أمها من أبيها و عادت بها مرة أخرى لإنجلترا حيث أكملت فيها طفولتها و مراهقتها و ذكرياتها في مصر تطاردها هناك بين الحين و الآخر.
تلك الاختلافات في حياتها شكلت شخصيتها و جعلت منها إنسانة تقبل الاختلاف سواء في اللون و العرق و النوع و الدين. كانت متسامحة و لينة في التعامل بالإضافة لذكائها. و كانت لتلك المرونة الفضل في سهولة انصهارها في المجتمع التي عاشت فيه سواء في انجلترا أو مصر.
منذ صغرها كانت مواهبها في الرسم و التلوين تلفت الأنظار ابتداءً من أمها. فسعت أمها أن تجعلها تشترك في المسابقات و الدورات التدريبية حتى تنمي تلك الموهبة لدى مارية. فكبرت مارية و كبر معها حبها للفن ليس الرسم فقط. و من نبوغها في الدراسة و الفن التحقت بجامعة Kingston
____________________________________مرت الأيام بطيئة حتى جاء موعد سفري للندن. البلد التي عشت و أحببت و تألمت و فرحت فيها. كنت خائفة من عدم مقدرتي على تحمل تلك الذكريات فأنا بطبعي لا أحب الذكريات ليس لأنها مؤلمة و لكن لأنها لا تُعاد كالحلم الجميل الذي يجعلك سعيد في نومك و لكن بمجرد أن تستقيظ يختفى كل شيء و لا تستطيع إعادته.
و لكن ليس أمامي مفر يجب أن أكون أقوى من ذلك لأنني سأمثل جامعتي و بلدي هناك و لا تُوجد فرصة للفشل بسبب ذكريات مضت و لن تعود.
ذهبت للمطار و أحس بالثقل ليس ثقل حقائبي و إنما ثقل قلبي لأنني كنت مُشتتة الأعوام الماضية في عملي و قبلها في زواجي و مشاكله فلم يكن لدي وقت لأحزن على ما حدث في لندن. فبمجرد أن أُزيل كل ذلك تملك مني الهم و الحزن و صارا يتسارعان في قلبي يمحوان أي شعور بالراحة فيه.
أشعر بالحزن على اخر يوم لي في لندن كأنه كان البارحة على الرغم من مرور عشرين عامًا عليه. لا أحب ما يفعله قلبي و عقلي بي في تلك المواقف و لكن ليس بيدي حيلة سوى الصبر و تحمل الألم.
كان مقعدي بجانب النافذة فمبجرد أن حلقت الطائرة في سماء القاهرة لتشق طريقها في السحب لسماء لندن أخذت أنظر للسحب كأني أروي لها ما يخالجني من حزن و ضيق بدون أن اتفوه بكلمة من فمي. و بالتدريج كان منظر السحب يتغير حتى وجدت نفسي مع أصدقائي المقربين في لندن نحتفل يوم معرفتنا قبول منحاتنا في الجامعة.
كنا في غاية السعادة و الفرح و نرقص و نغني و كانت الموسيقى و الأغاني عالية و كانت هناك ضجة و لكنها الضجة التي تفرح القلب.
عندما شعرت بالصداع فكرت بالخروج من المكان حيث الهدوء كانت الساعة الحادية عشر ليلًا و كان الظلام يسود السماء و تقطعه بضع نجوم بيضاء اللون . و لولا عواميد النور لما استطعت أن أرى.
ظللت أمشي بجانب المكان ذهابًا و إيابًا حتى سمعت صوت أحد يقول
" She never wanted you. It's not my fault."
فثبت مكاني حتى عرفت مصدر الصوت و لن أخفيكم سرًا كان الفضول يحركني يومها أكثر من أي شيء فاقتربت حتى رأيت رجلين يصيحان في بعضهما الآخر فظللت واقفة و تاركة بيني و بينهما مسافة تمنعهما من رؤيتي.لم يكتفي أحدهما بالصياح بل قام بضرب الآخر حتى أوقعه على الأرض و صار يلكمه بكلتي يديه في أي منطقة في جسده بشكل عشوائي و عنيف ينم عن الغضب الشديد و الثورة العارمة بداخله.
شعرت أن الرجل الذي يُضرب فقد وعيه لأنه توقف عن المقاومة. خفت أن يكون قد مات. لا أعلم من أين أتتني تلك الجرأة لأنني في العادة لا أحب المشاكل و لكنني وجدت نفسي أصيح
" Stop. You're going to kill him. "
و أنا أجري نحوهما. وجدت الرجل الذي كان يضرب توقف عن الضرب و نظر للرجل الفاقد وعيه كأن تم إفاقته من نوبة غضبه. شعر بندمه و لكن فيمَ يفيد الندم إذا كان قد مات. فمن خوفه فر هاربًا قبل أن استطيع رؤية ملامحه بشكل كامل.جريت ناحية الرجل الفاقد وعيه . كان وجهه غارق في دمائه من اللكمات التي تلقاها. لا أعلم لمَ لم يضرب الرجل الآخر فقد كان عريض المنكبين و قوي البنية. ظللت أهز فيه حتى يفيق و حملت رأسه بين يدي و لكنه فتح عينيه و نظر نحوي ثم فقد وعيه بالكامل فاتصلت على الإسعاف حتى ينقذوه.
جاءت الإسعاف و استطاعوا أن يفيقوه ثم وضعوه على السرير النقال في عربة الإسعاف و قبل أن يُغلق بابها وجدته رفع رأسه و ظل ينظر ناحيتي حتى أُغلق الباب.
لم يزل أصدقائي بالداخل فدخلت حتى أكمل احتفالي معهم و أثناء رقصي و قفزي معهم من السعادة كنت أشعر بنوع من القلق على ذلك الرجل. لم أنس نظرته لي لأن عندما حملت رأسه في يدي لمع ضوء أحد عواميد النور في عينه فرأيت انعكاسها. كانت زرقاء و تميل للإخضرار بعد الشيء و كان الدم يسيل بجانب عينه على أنفه حتى ذقنه فكان منظر مُخيف و لكن في نفس الوقت جميل.
و وسط كل هذه الضجة إذا بي أسمع أحد يقول
"We are about to land. "اختفى أصدقائي و الحفل و هذا الجمع و فتحت عيني لأجد نفسي نائمة كل هذا المدة منذ أن أقلعنا حتى وصلنا لم أنم جيدًا كذلك لأيام فكنت أشعر بالأرق فظللت مستيقظة أربعين ساعة حتى أقلعت الطائرة. أريد أن أكمل نومي و لكن ليس قبل وصولي للفندق.
أنت تقرأ
Chasing the mirage مطاردة السراب
Romanceأول قصة لي بلغتين العربية و الإنجليزية My first bilingual story