١

24.7K 436 36
                                    

بداخل مقهى شعبي في أحد الأحياء البعيدة بداخل القاهرة القديمة ، أمسك شاب ما – ملامحه تشير إلى فقره وغلبه - بكوب زجاجي ، ثم أخــذ يرتشف منه ذاك المشروب الساخن الذي يمتليء به .. وما إن انتهى حتى أسنده على الطاولة الخشبية الصغيرة التي يتسند عليها بمرفقه ..
أخذ ذاك الشاب يراقب المارة بأعين غير مكترثة ، إلى أن لفت إنتباهه تلك السيدة العجوز - ذات الملابس الرثة ، والشعـــر الأشعث – وهي تنوح وتندب حظها ، فضيق عينيه ليرى ما الذي تفعله و...
-تهاني بنبرة باكية ، ونظرات زائغة : خدني لحم ، ورماني عضم .. خد اللي ورايا ، واللي قدامي .. رماني بعد ما سرقني ، منه له ، منه له

ثم أخذت تهاني تضرب صدرها ، وتلطم على وجهها بطريقة هيسترية ، والناس من حولها يتعجبون لحالها ..

أشفق ذلك الشاب على تلك العجوز ، ونهض عن مقعده الخشبي – شبه المتهالك – ثم توجه ناحيتها بخطوات راكضة ، ووقف إلى جوارها و...
-منسي بنبرة منزعجة : ست تهاني ، يا حاجة تهاني ، يامه

حدجته هي بنظرات ساخطة قبل أن تستدير برأسها لتبدأ العويل مجدداً ، فلوى فمه في ضيق ، ثم وضع كف يده على كتفها و...
-منسي بنبرة ضائقة : يا ست تهاني مايصحش اللي بتعمليه ده ، الشارع كل يوم بيتفرج عليكي ، تعالي معايا أما أرجعك عند أهلك
-تهاني بنبرة متشنجة ، ونظرات ضائعة : ضحك عليا ، خد فلوسي كلها ، رماني في الشارع ...!!
-منسي وهو يلوي فمه في امتعاض : لا حول ولا قوة إلا بالله .. معلش يا ست تهاني ، الله يعوض عليكي .. تعالي معايا

ثم أمســــك بها من ذراعها ، وقـــام بسحبها – على مهل – خلفه ، وســــار بها في اتجاه منزلها الكائن بأخــــر الطريق ..

.................................................

في مشفى الجِندي الخاص ،،،

أمسك الطبيب بالمشرط ، وقـــام بشق طولي في جسد المريض المسجى أمامه لتبدأ عملية الجراحة العاجلة لأحــد رجـــال الأعمال الهامين في البلد ..
وقف الطاقم الطبي إلى جوار ذلك الطبيب ذو الملامح الصارمة وهم على أهبة الإستعداد لتلقي الأوامر وتنفيذها ..
-مهاب متسائلاً بنبرة حــــادة ، وهو يلوح بيده : معدل النبض ؟
-طبيب ما يقف خلفه بجدية : منتظم يا د. مهاب

أومــىء الطبيب مهاب برأسه إيماءة خفيفة ، ثم أشـــار لباقي الطاقم بعينيه لكي يباشروا عملهم معه ..

.................................

توقف الشاب منسي أمام بناية شبه متهالكة ومعه تلك العجوز ، ثم رفع رأسه عالياً لينظر إلى الشرفات التي تبرز من جانب المبنى لعله يلمح أي فــرد من عائلتها ، ولكنه لم يرى سوى بعض الملابس المغسولة حديثاً و التي تتدلى من حِبال الغسيل القديمة ..
تنهد منسي في عدم ارتياح ، ثم أطرق رأسه للأسفل ، وظل ممسكاً بالعجوز تهاني ، وأجبرها على السير معه إلى داخل البناية ..
كانت خطواتها متثاقلة ، وبطيئة .. ولم تكف أبداً عن الأنين والشكوى .. ولأنه يعلم بأنها ليست طبيعية فلم يعقب على ما تقوله ، وأثــر الصمت ، وسحبها ناحية الدرج الخشبي ، وأسند كف يدها المجعد والخشن على الدرابزون لتمسك به ، ثم سبقها هو بخطوة ليتأكد من أنها لن تسقط من عليه ...

ذئاب لا تعرف الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن