اللقاء الأول.

2.1K 63 27
                                    


تّقتلك العادة بطريقة او بأخرى،اعتدتُ كثيراً على الذهاب لتلك الحديقة في الليل،عند هدوء الجميع وقِلة الزحام،تقتلني تلك العادة كثيراً..لأنني لا يجّب ان ابقى وحدي،وجودي مع نفسي وحدنا يجعلني دائماً أشعر بالخطر،أشعر بالتهديد.

صراعك النفسي أقوى من الصمت،وعلى الرغمِ من برودة الملامح الا ان دواخِلنا تحترق،ذلك الصراع المعروف جداً،الذي يقوم بين العقلِ والقلب..المنطق والعاطفة،الحاضر والماضي،مجموعة ضِد بعضها البعض.

حينما اكون صامتةً جداً..أذهبُ عميقاً في داخلي للبحث عن نهاية للأمر،كُنت أرى ذلك الرجل من بعيد،يلمّس اطراف المِقعد الخشبي..ثُم يجلس عليه كـ عادته.

تقتُلنا العادة..التكرار لكل شيء يومياً،يقّتلنا تمسكنا بالحاضر ومحاولة نسيان المستقبل،كنت ارى ذلك الرجل يومياً،الحال ذاتهُ،والبُعد ذاته بيننا..المكان شبه مظلم فأنا لا أرى ملامحهُ جيداً،ولكن العادة تقتُله كما تفعل بي.

يحضر لهنا يومياً..يلمس المِقعد ذاته،يرتدي المعطف الأسود ذاته،ثُم يجلس على الجهة اليُمنى كما يفعل دائماً.

ولكن في تلك الليلة تغير الأمر..فهو لم يلمس المِقعد ذاته،كان يقترب..هو في الحقيقة اصبح يقف بجانب المِقعد المقابل لمِقعدي..بيننا مسافه شبه قصيرة،ويفصل بيننا طريقُ ليمّر فيه الناس أبيض اللون،لمّس بيده ذلك المِقعد،وكأنما يبحث عن أثر ذكريات فيه..أثر للعادة.

جلس على الجهة اليُمنى..مُقابلاً لي،كُنت انظر لذلك الرجل،الذي لا أستطيع رؤية ملامح وجهة حقاً،ولكن الضوء الخافت المُنبعث من عمود الإنارة كان يساعدني قليلاً لرؤية عيناه..كُنت حقاً اريد ان اعلم،هل رأيته سابقاً في مكان غير هذا؟،قابلتهُ في المقهى رُبما!.

ولكن لا..لم اراه من قبل،ولكِن عيناه كانت تتحدث،أُجيد قراءة الناس بشكل مفصل،كان المكان لا يزال صامتاً،وعيناه تنظر مباشرةً في عيناي.
أبعدت نظري عنه..بعدما تأكدت تماماً ان بقايا الذكريات في رأسهِ عالقةٌ،وان العادة تقتلهُ تماماً كما كُنت أتوقع،ولكنه لا يزال صامتاً.
شعرت بالرياح تهُب..ثم شعرت بقطرات المّطر على وجهي،كانت السماء قد بدأت تُمطر،ولكن ذلك الرجل لم يهتز،كان لا يزال ينظر الي.
نهّضت بعدما شعرت بأن المطر يُصبح اقوى..كان يدور في رأسي الكثير.

-الى أين تذهبين؟.

قال وهو يقف..لقد أنحنى دماغي تماماً بملايين الافكار عند سماع صوته،أشعر انني أستمعتُ اليه من قبل،النبرة ذاتها،الحِدة ذاتها.ولكني لم أكن متأكده من الأمر.

-الى المنزل!
-ولكن بدأت تُمطر الأن..لماذا تتركين المطّر خلفكِ؟

سؤال غريب!،لماذا اترك المطر خلفي؟،ولكني شعرت للحظه ان هذا الرجل مجنون،لا أحد يقف هكذا في المطر بدون ان ترمش عيناه..كما ان نبرة صوته غير طبيعية..الأمر خطأ!،شيء غريب هنا.

وجوهٌ فارغة..تُشبهك!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن