الليلة الأولى.

451 20 10
                                    

خرجت على عجل،قاصدة المكان الذي قابلته فيه أول مرة،كنت اتمنى ان يكون هناك،وفجأة..انقبض قلبي،حين رأيته يجلس هناك،ينظر للمجهول،نظر لي كأنه شعر بوجودي أقف قريبًا
منه،وابتسم.

لأول مره في حياتي،اشعر بشعور مماثل لهذا،انا التي طوال عمري عذبتني المشاعر السيئة تجاه كل شيء هنا،فجأة دون مقدمات شعرت بدفء غريب ومريب،دفء لا اعتاد عليه أو أعرفه!،دفء مجهول قادم من الا مكان.

اقتربت،وجلست بجانبه،كنت اشعر به لايزال يبتسم وهو ينظر للامام .
انا لا اعرفه تمامًا،ولا اعرف حتى إسمه الحقيقي،عنوانه،او اي شيء اتواصل به معه،الا هذا المكان،كل ليلة،بنفس هذا الوقت،هو هناك،ولا اعرف حتى لماذا يجلس هناك،رجل بالجاذبية ذاتها،والقوة
والرقّة في الوقت ذاته.

-تأخرتي..هل كل شيءٍ على مايرام؟
سألني بلطف،لقد كان هذا اللطف الوحيد الذي شعرت به خلال يومي بأكمله!
-لابأس كل شيء جيد.

لم يكن جيدًا،لم يكن أي شيء في حياتي في تلك الفترة يمضي على مايرام،انا كنت في اسوء ايامي،واقسى لحظات حياتي التي لا اذكر جيدًا مالذي فعلته لأعيشها،كنت في حفرة،عميقة،لا مهرب منها ابدًا،انا لم اكن قادرة على البكاء او على التصرف،كنت لاشيء،فراغ،زيادة عدد في غرفة،لا شيء اكثر من هذا.

قطع تفكيري صوته المألوف وهو يقول:
-كنت املك بذورًا لنوع من الاشجار احبه جدًا،واعرف ان هذا النوع حينما يُزرع..يكبر ليصبح جميلًا ولطيفًا لابعد حد،يزهر كل عام،ويُعطر الشارع الذي يكون فيه بأكمله !
زرعته قاصدًا ان اعيد ذكرياتي معه،واشعر بوجوده كل صباح اخرج فيه من منزلي..كنت مصرًا على ان يكبر،على ان ازرعه ويخرج ليصبح شجرةً كبيرة ضخمة تستظل تحتها روحي..
لكنه حينما خرج،كان ضعيفًا،هشًا،مات دون ان يكبر،او حتى يتخطى طول ذراعي..اتعلمين ماذا فعلت؟
-ماذا؟
-حاولت مجددًا،وحدث الأمر ذاته،حاولت كثيرًا الى ان بقي معي عدد صغير جدًا من البذور لم أكن على ثقة انه سينمو لو حاولت به مرة اخرى..استسلمت،واعطيته جارتي،واخبرتها بأنه اذا نجح،سيكون اجمل شيء تراه عيناها..ورحلت.

نظرت له:
-تخليت عنه؟
-لم افعل،كل يوم كنت افكر به،ومع الايام،كبر لدرجة انه خرج من الفناء الخلفي لمنزل جارتي!،كنت كل يوم اراه،وازهر مع بداية العام،والغريب والمؤلم في الأمر ،انني لم انجح في إنباته،وبعدها باشهر كان على مقربه شارع مني،لكنه ليس لي!،ماحدث هو انني كنت ازرعه في تربه لا تناسبه ابدًا،وكنت مصممًا على الاقدام على هذا الشيء دون ان ابحث او اعرف،كنت انانيًا،اريده بأي شكل..

سكت قليلًا،ثم نظر لي عميقًا..اشاح بنظره عني ثم قال:
-كل شيء في ارضٍ ليست أرضه،سيموت ياعزيزتي
كل شيء ستجرين خلفه وانتِ تريدينه،قد لايكون لكِ ابدًا،لكنك ستعرفين هذا،بعد محاولاتٍ عديدة،قد يكسركِ الأمر،لكنك في الاخير ستعرفين.

وجوهٌ فارغة..تُشبهك!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن