•••
الولايات المتحدة الأمريكية.
نيويورك.
كان يقفُ على الحافة، عيناه تُطالعان الأفق، قلبُّه يخفق بوجل وكيَّانُه هادئ كمَّا كان دائمًّا وأبدًا، أخرج ولاعته وبحركةٍ سلسة أوْقد سيجارةً مِن النوع الغاليّ، تمايَّل دُخانها في الفضاء الشاسِع، نظرَ للمسافةِ التي تفصلُه عن الأرض وأثنى رأسه، متسائِلًا بداخله عن شعور ذلك الشخص حين قفزَ مِن هُنا؟ أكان يشعرُ كما يشعرُ هو الآن؟ باللاشيء؟أم رُبمَّا كان يفيِّض حنقًا ومرارة، فقد كَسرَه...كَسرَ روحه، بطريقةٍ تضمن عدم شفائِها مرةً أخرى، هل هُو نادمْ؟
يتذَكر ذلك اليَّوم جيدًا، كَفكف أكمامه وألقى بنفسِه على الأريكةِ مُنهكًا، أراد أنْ ينالَ قسطًا من الراحة فتناول جهاز التحكم وبدأ بالمرور عبر القنوات الإخباريَّة بضجر ومصادفةً توقف بينمَّا مذيعُ قناةِ سي إن إن يتلُو بحزنٍ خبر ما كان ليتوقعه إطلاقًا..خبرًا جعل حياته تنقسم إلى نصفيِّن، نصفٌ قبل تلك اللحظة ونصفٌ بعدها.
_يؤسفنا القول أن الشاب آكسل وريث عائلة مورالس قفز منتحرًا هذا الصباح، رابع حالة إنتحار في هذا الشهر...
ابتسم بزاويِّة فمه، فهاهو يُذكر في الأخبار كمجرد حالة إنتحار أخرى، روح ضاقت بها الحياة فإتخذت من الموت مهربًا لها. كان يعلم أن هذه حالة الإنتحار الثانية التي تحدث في وقتٍ قريب وتحوم حول اسمه ولابد أن أبواب الجحيم ستفتح في وجهه حين تلتف الشبهات حوله كالعادة، لكنه لم يكترث، فقد إبتلعته المفاجأة وأخذه ذلك الخبر على حين غرة، لذا ظل يتابع بتركيز المذيع ذو البزة الراقية يسأل في طبيبٍ نفسي ذاع صيته في الأونة الأخيرة عن سبب إرتفاع نسبة الإنتحار، كان رجلًا في نهاية الأربعينيات، حوله هالة من الحكمة والوقار...بهدوء من لا دخل له بأيٍ مما حدث. طالعه ببرود عجيب وهو يناقش موت الشخص الوحيد..الوحيد الذي عده صديقًا ذات يوم، في عالمه المترع بالأعداء، كان هو ملاذه. المرفأ الذي يزوره بعد كل عاصفة، لكنه، وكما توقع وخشيّ- كان مثلهم. فالبشر جميعهم متشابهون.
لذا يراواده السؤال رغمًا عنه، هل هو نادمٌ على ما فعله؟
لا.
قطعًا لا.
فآكسل لم يحتمل وأنهى حياته بنفسه، كان ضعيفًا...مثل سائر البشر.
مع تلك الفكرة الأخيرة بدأ في القهقهة فجأة، ينعته بالضعيف وهو يقف هنا...خدع نفسه وقال أنه يرغب في الوقوف لتخيل ما كان يشعر به رفيقه حين قفز من هنا وحسب. لكن على من يكذب؟
هو يريد أن يكون ضعيفًا. يريد أن ينهي كل شيء. أن يتلاشى.
فهذا الكابوس لا يود أن ينتهي، يرى حياته ممتدة بلا نقطة توقف، وهذه الفكرة ترعبه، فكرة الأزلية تجعله يرتعد خوفًا، جبينه يتفصد بالعرق، أنفاسه حارقة وبطيئة تكوي دواخله بنارٍ متوهجة لا تزيدها الأيام إلا تآججًا.
أنت تقرأ
Two Graves. Too Late For Hope.
Short Story{مكتملة} الاِنتقام سيفٌ ذو حديِّن. أمرٌ معروف ولكن بالنسبةِ لي تي. إيفرست فالانتِقام كانَ للشُجعان فقط. لهؤلاءِ الذِين لا يخافُون أن يَخسروا شيئًا والذِين لا يملِكون شيئًا ليخسرُوه. كان يبلغُ ثمان أعوامٍ حِين شرَع في إنتِقامه الأوَّل، حينها كان يُد...