رحلوا و تركونا خلفهم

٨

بعد مرور شهرين من الحادثة الأليمة تحسَنْتُ مع الأيام ، فالموت حقٌ على كل إنسان ولابد من يوم الرحيل أن يأتي.

تطورت علاقتي بحب حياتي ، كما تطورت أيضاً مع صديقتي ، إقترحت على أبي أن نذهب في رحلةٍ عائلية مع أهل صديقتي ، و وافقت العائلتان . و في اليوم الموعود ذهبنا لأحد المنتجعات و أستأجرنا غرفتين.

كنّا نتمتع بأُمسية جميلة ، حيث إمتلأت السماء بالنجوم و تعالت أصوات الضحكات و الأحاديث ، و فجأة وقعت عيناهُ علي متفحصاً ملامحي الطفولية و ينصِت لصوت ضحكتي ، و إنتبهتُ له فإحمرت وجنتايَ و إبتسمت.

قلت لأبي إني سأذهب للحمام ، فتبعني فقط ليحظى بعدة دقائق للحديث معي . لم أنتبه له و دخل الغرفةَ ورائي ، و قبل أن أخلع غطاء شعري إحتَضَنني من الخلفِ و همَسَ بأذني مردداً كلمة أحبك.

أحبك يا من قلبت حياتي رأساً على عقب..
أحبك يا من تذيبيني بالحب ..
أحبك يا سبب شرود ذهني ..
أحبك يا بلسم شفايَ و جرحي ..
أحبك يا من أخذت مني عقلي..
أحبك يا من ملكتَ نبضات قلبي..
أحبك يا من تكتفي العين برؤيتهِ..
أحبك يا من ترجف يداك عند لمسها..
أحبك من أول الحياةِ حتى نهايتها..

اقترح والدي السفر أياماً عدة للترويح عن نفسي بعد وفاةِ والدتي ، فوافقت و أخبرت حبيبي بأمر السفر . و لكني لم أعرف المكان الذي سنذهب إليه ، حيث قرر والدي مفاجأتي به. و قال لي هُوَ بدوره أنه أيضاً سيذهب برحلةٍ إلى إيطاليا ، و ها قد أتت المفاجأة.

إلتقينا في المطار ، ووعدنا بَعضُنَا ، و لم نعرف أننا سنكون على متن الطائرة نفسها.

جلستُ على مقعدي في الطائرة، و جلس بجانبي شابٌ لم أعرهُ أي إنتباه ، فوجئتُ به على متن الطائرة نفسها المتوجهة إلى إيطاليا . و من فرحتي بكيت و أمسكتُ يديه ، و لم أشعر بنفسي إلا و أنا بين أحضانه غير مبالية بمن حولي.

ضمني إلى صدره و كأنه يقول إطمئني فأنا لن أخذلكِ ، أنتِ في قلبي و ستظلين فيه مهما حدث.

أهناكَ أجمل من أن تكون مع من تحب ؟
تشعر بيَديه و ترى عينيه و تسمع نبضات قلبك و قلبه.
أهناك أفضل من أن تعيش حياتك مع شريكك بها؟
تراهُ صباحاً و مساءاً و ليلاً.
تصحو على قُبلةٍ و تنام على أخرى..
تتأمل عينيه دون خجلٍ ، و ترى صورتك المنعكسة فِيهِمَا
تغرق بلمعانهما و بريقهما،،
أهناك أجمل من سماعِ صوتهِ صباحاً ؟
و تَفيقُ على قبلةٍ موجهةٌ لجبينك.
أهناك أجمل...؟

قضيت معه أفضل أيام عمري ، و في ذاك اليوم بالتحديد كنّا بمطعمٍ نتناول طعام العشاء و إنظم والدي و أختي إلينا ، فقام من مكانه و طلب من الجميع الإنصات و قال:
-عمي طلبتك؟
-تم يا ولدي قبل لا تقول .
-أنا أحب بنتك و أبي أخذها بالحلال على سنة الله و رسوله.

أنزلت رأسي خجلاً عند سماعي ما قاله و وافق والدي. تيَقن أنني لن أكون لأحدٍ غيره ، و كاد أن يطير من السعادة التي إحتوت قلبه ، بما إن والدي أسعده بإعطائه إبنته ، فكر في أن يسعدني و يثبت لأبي كم يحبني و أنني سأكون في عينيه.

فكر في أن يفعل أمراً و بالوقت ذاته يجعل كل العالم من حوله يعلمُ كم يحبني ، و يقول للجميع أنه مهما حدث لن يتخلى عني مهما كانت الظروف ، و سوف يكون معي في الضراء قبل السراء .

فصرخ بأعلى صوته باللغة الإنجليزية حتى يفهم من حوله مردداً:
My angel , marry me?
Marry me ? My beloved
Marry me? My everything
I'm always here for you
For the rest of my life "I LOVE YOU"

عندها رأى إنفراجة شفتي و دموعي تنهمر على وجنتي ، إستفاق من سرحاني الذي كان به على صوت تصفيق الحضور.

قاموا بدعوة بقية العائلة للحضور إلى إيطاليا ، و أقمنا حفل الزفاف هناك . و كانت أسعد أيام العمر.

في يوم الزفاف كنتُ متوترة ، خائفة ، كنت أشعر بفرحةٍ تغمرني و لكن قد أفسد الحزن الأمر بدخوله المفاجئ . فرحةً لزواجي بمن أحب و حزينةٌ على فراق أمي التي لن تحضر زفافي .

و لكنني مسحت دموعي و قلت :
" أنتِ لم تموتي يا أمي ، أنتِ حيةٌ بقلبي يا أمي".

جهزت نفسي ، و لبست فستان الزفاف .

بَدَت كملاكٍ مُنزل من السماوات السبع.
بَدَت كبدرٍ يشِعُ بليلةٍ ظلماء .
بَدَت كجمال ألوان الطيف بسماءٍ صافية .
بَدَت كنجومِ جمَلت السماء السماء ببريقها.
دخلت و أنارت المكان بوجودها ..
جميع الأعين تتجه لها و أختها تقرأ المعوذات عليها .
سُرت أَعْيُن الناظرين و سحرهم جمالها.
وجهت نظراتها لهم و هِيَ مملوءةٌ بحياءٍ و خجل.
و رفعت رأسها بثقةٍ تامةٍ بأنها أجملهم..
حان الوقت.. وقت دخوله و رؤيته لملاكه.
جُن جنونه عندما رأى جمالها و لم يرفع عينيه عنها .
توجه لهاو قبَّل جبينها و همس بأذنها:
أحببتكِ يوماً و شهراً و بعدها ستحين أعوامٌ و أحبكِ دهراً.
أدامكِ الله لي يا من أحببت عمراً.

من بعيد كانت هناك أعينٌ تنظر لي تملأها الغيرة ، تتمنى أن تعيش قصة حبي . كانت تلك صديقتي!

عاد الجميع لمنازلهم ، و توجه العروسان لقضاء شهر العسل في المالديف.

أما صديقتي ففكرت بأن تتعرف على شابٍ ما ظانة بأنها ستحظى بقصةٍ كقصتي و تتزوج منه . إلتقت أحدهم و ظلت على علاقةٍ رسميةٍ معه إلى أن أحبته و لكن كانت مخزونة بحبه لها . أثر عليها جمال كلماته و ظنت إنها الوحيدة بحياته ، و لكن هناك أخريات وقعن بشباكه و راحوا ضحيةَ شرفٍ بين يديه.