بعد يومين إقترحت صديقتي الذهاب لمجمع تجاري لشراء بعض المستلزمات بمرافقة أخيها.
دبرت هذا الأمر لكي نلتقي ، و اقترح هُوَ بدوره أن نشاهد فيلماً . جلس هو بالجانب الأيمن أما أنا فكنت على الجانب الأيسر .
كان يحدق بي طوال الوقت حتى جاء وقت سعده ، حيث قالت أخته إنها ستذهب لدورة المياه ، فإنتهز الفرصة و جلس مكانها فقفزت خوفاً و ظللت ساكته .
كان في الصف الخلفي شابٌ يلاحقني منذ دخولنا السينما ، و لم ألحظ وجوده. سقطت علي ورقة مرميةٌ من أحد الجالسين خلفي و انتبه لها الحبيب فأخذها بقوة و التفت ورَاءَهُ فرآه يحدق بي.
لم يستفق إلا على ضربة موجهة لوجهه قائلاً:
-انت ما تستحي شو ما عندك خوات؟
رد بعنف:
-حسستني الحين اختك هي تراك طالع وياها.
-هاي حرمتي يالمحترم!وجّهت نظراتي له مستفسرةً ، لم أستوعب ما قاله ، مسك يدي بقوة أشعرتني بألمٍ شديد ، و أخرجني من صالة العرض قائلاً:
-غطي شعرج بسرعة و تغشي !
-أنا ما أتغشى!!
مسك أعلى يدي و قال غاضباً:
-بتتغشين ولا كيف؟غطيت وجهي و إمتلأت عيناي بالدموع و كتمت شهقاتي ، تعذرت بالذهاب لدورة المياه و عندما رأيت صديقتي رميت بنفسي بين أحضانها و أجهشت بالبكاء.
سألتني صديقتي و هي لا تزال تحت صدمة المفاجأة:
-شو فيج بِسْم الله شو مستوي؟
أجبتها بصوتٍ مخنوق يملأه العتاب:
-سيري إسألي أخوج شو مستوي و شو سوا.خرجت مسرعة لتسأله، فشرح لها ما حدث و قال:
-خلها تطلع بسرعة بنرد البيت.كنت أجلس ورَاءَهُ فسمع صوت شهقاتي و تألم و شعر بالندم لما فعله ، فقال بصوتٍ خفيض:
-أنا .. أنا أسف
-وقف السيارة بنزل هني
-تخبلتي انتي؟ تريي بوصلج!
-مابا قلت نزلتي هني!!
-ما بوقف ولا بتنزلين.اتجه لمنزله و نزلت مع اخته و قبل أن ادخل الغرفة وراءها سحبني و أدخلني غرفته.
أمسك وجنتي المبللتين بالدموع و مسحهما و قبل دموعي التي كانت تنهمر على خدي قائلاً:
-آسف حبيبتي ، بس غرت .. أوعدج ما أعيدها.
-ما بتعيدها أصلاً لأن ما بطلع وياكم مره ثانيه.نظر لعيني طالباً أن أسامحه على فعلته ، ذبت بجمال عينيه العسليتان ، و لم أنتبه لما كان يقوله و استفقت من سرحاني على صوته قائلاً:
-خلاص سامحتيني؟
وجهت نظراتي للأسفل و قلت بخجل:
-ليش أنا أقدر أزعل من حبيبي؟اشتعل بهجةً عند سماعه ما قلت و رجاني بأن أعيد تلك الكلمة فقلت :
-أمك تناديك .فخرج من الغرفة مصدقاً كذبتي و خرجت ورَاءَهُ مسرعةً لغرفة صديقتي فإنتبه لدخولي فقال في قلبه:
"يا لها من كاذبة"أدخلتك حياتي و أنا متيقنة بأنك لن تخرج منها أبداً ، متيقنة بأنك ستكون معي وقت حزني قبل فرحي . منذ عرفتك لم أذق طعم الحزن ، و لم أشعر بمرارةٍ يوماً . وجدت من يحبني بإخلاص ، و من لن يكسر لي قلباً و لن يخذلني.
كان كلانا يجلس في غرفته ، و خطر ببال كلانا و في الوقت ذاته أن يتصل هاتفياً بالآخر فظهر لكل واحدٍ منا أن خط الأخر مشغول ، و ظل كلانا يقول في نفسه :
"تكلم/يكلم منو فهالوقت"
أعاد المكالمة فأجبت بسرعة و نطقنا سوياً و بالوقت ذاته :
-تكلم/ين منو؟
و أجبنا سوياً :
محدظللنا نضحك و نثرثر ، و فجأة سمعت صراخاً ينتشر صداه بأرجاء البيت .
أغلقت الهاتف خوفاً ، و خاف هو علي و ظل يتصل بي دون استجابة ، فذهب و أخبر اخته ، و لكن ما من مجيب يطمئن قلبه.دخلت المطبخ و صعقت عندما رأيت أمي ممددة على الأرض مغشياً عليها أثر إنفجار الغاز بوجهها.
ركضت نحوها و ظللت أنادي أختي و أبي ، و لكن لم يكن هنا أحدٌ بالمنزل . إتصلت بالإسعاف لتنقذ امي التي بين الحياة و الموت . و مع وصول الإسعاف وصلوا أبي و أختي ، كاد قلب أبي أن يتوقف عن الخفقان حين رأى أمي بحالةٍ يرثى لها.
جميعنا أمانةٌ عند الله و لابد من يوم الرحيل أن يحين . جميعنا سنموت بكل حال ، جميعنا سنبكي و نحزن على من رحل . تيقن أن هناك لقاءٌ بالجنةِ بإذن الله.
أدخلوا والدتي العناية المشددة و ظللت جالسة تحتل الأفكار قلبي و عقلي . خرج الطبيب و علامات اليأس ترتسم على وجهه قائلاً:
"عظم الله أجركم"أصبت بصدمةٍ لم أفق منها الا بعد ساعات ، لم أستطع خلالها الكلام أو حتى أن أذرف دمعةً واحدةً لتعبر عن حزني.
كان حاضراً في عزاء أمي برفقة اخته التي رميت بجسدي في حضنها سائلةً إياها:
-أمي وين؟ أبا أمي؟قالت و عيناها أغرورقتا بالدموع:
-ترحمي عليها حبيبتينهضت عن حضنها و صرخت بأعلى صوتي و الدموع تنهمر على وجنتي :
-لا تقولين جي!!! أمي ما ماتت ، أمي حية أنتو كلكم تجذبون.و سقطت فاقدةً الوعي ، و أفقت باليوم التالي على صوتٍ يُرتل القرآن على رأسي و يمسحه.
فتحت عيني بصعوبة فرأيته يقف أمامي و عيناه تذرفان الدموع ، قمت من مكاني و إحتضنته بكل قوتي مبينةً ضعفي أمامه، و قلت له:
- لا تتركني دخيلك ، ما تم لي حد بهالدنيا ، لا تتركني أمي راحت و خلتني.رحلت أمي تاركةً خلفها فتاةٌ في مقتبل عمرها ، رحلت و تركت فتاةٌ تخاف من مواجهة صعوبات الحياة . رحلت و تركت قلباً محطماً لأشلاءٍ ، رحلت و تركت فتاتها خلفها.

أنت تقرأ
رحلوا و تركونا خلفهم
عاطفيةكانت صديقتي و ستظل صديقتي.. أحببته!! و وقفت بجانبي.. دعمتني و لم تخيب لي ظناً.. ساندتني و كانت معي؟ في كل حالاتي.. و لكن؟ لم أكن بقدر هذه المسؤولية، فخيبت لها ظنها بالتخلي عنها.. أنا أسفه صديقتي.