قسوة القدر

الفصل الاول

تطالع السماء بزرقتها و لمعتها الصافية المبهرة بجوزين من الزمرد تلمعان ببريق مألم و مخيف, تحسدان السماء على صفائها و خلوها من شوائب تعكر جمالها البديع و عن طيور سعيدة تزقزق غير مبالية بهموم الحياة و حقائبها المشحونة بالصعاب, تمنت للحظة ان تكون طيرا حيث الامان و الجمال في الافق البعيد, حيث راحة البال و الصمت عن الكلام . شقت دمعة وحيدة طريقها على وجنتان ورديتان لتعبر قاطعتا شفتان كرزيتان حطت عليهما انامل بيضاء رقيقة تمنع شهقات مميتة من الهروب عبرهما ,بين ليلة و ضحاها ذاقت هي اشد انواع العذاب, تقلب حالها و تغيرت حياتها تحولت من زهرة اقحوان وردية الى اخرى ذابلة رمادية , لا ترد من الدنيا الى الرحيل الابدي , ذئاب  وحشية انتهكت برائتها بلا رحمة و شفقة رموها في الظلام في غابة يعمها الرعب و السكون الا من اصوات الحيوانات الضارية في كوخ مهترئ سرقوا برائتها و شرفها و كل شيء جميل بها بالمختصر المفيد تحولت من فتاة رائعة ترى الحياة بمنظار امل الى اخرى احتل السواد نظرتها و جعل منها حطام لروح ماتت بالحياة فاقت من دوامة افكارها على صوت يقول ان الطائرة حطت في المكان المنشود, نهضت و هي تفكر ما هو مصيرها يا ترى؟ اين ستذهب في بلد غريب لا تتقن  لغته جيدا و هي تحمل بين احشائها روحا , نطفة تبغضها اشد البغض تذكرها باسوء ايام حياتها او ربما بيوم وفاتها هل ستجد مكان يؤويها ؟ هل ستجد عملا لتقتات منه ؟ ام انها ستموت بردا و جوعا و تستكين روحها للتخلص من كل هذا الالم  ترى ما المصير ؟؟ 

جلست على الرصيف بعد انهائها لاجراءات السفر و خروجها من المطار, انهمرت دموعها بشدة و تعالت حدة شهقاتها سكين يقطع قلبها, ونظرات العابرين تلاحقها بين شافق و رائف و اخر لا مبالي ليهتف صوت مألوف لقلبها من بعيد ينادي اسمها بلهفة و نبرة مرتفجة خائفة ظنت في بادئ الامر انها تتوهم و لكن الصوت صار قريبا دفء غريب تسلل اليها و امان اجتاح قلبها لتلتفت الى جهة الصوت رأته هو مقبلا من بعيد بطوله الفارع و عيناه القاسية التي اشع منها حنان يخصها به وحدها هي و فقط دون غيرها و شعره الفحمي الناعم تشعث بفعل الرياح مما اعطاه من الوقار, الرهبة و الوسامة ما يطيح القلوب صرعى من جاذبية هذا الفارس وصل لاهثا من تعبه النفسي و الجسدي فلم يجافه النوم تفكيرا بها و اعصابه المشدودة و طاقته المهدورة مذ تلقيه الخبر الذي زعزع كيانه و قلب حياته رأس على عقب , ادخلها في احضانه يضغط على اضلعها يكاد يكسرها من شدة ضغطه و هو يهتف بقلق شديد 

ارجوااان حبيبتي هل انتي بخير ؟ هل اصابك مكروه ما ؟ كفي عن البكاء صغيرتي انا هنا انا بجانبك اهدئي ارجوكي

 تعالت شهقاتها و ارتفعت وتيرة بكائها تشبثت بقميصه بقوة كانه حلم جميل سيزول لا محالة غرست نفسها بين احضانه تستمد الامان و الطمئنينة تشكيه معانتها و تعبها و تعذيب الحياة لها بكل ما تملك من اساليب قاتلة ، بعد مدة هدأت قليلا لتردف من بين شهقاتها