النفحة الثالثة

100 16 11
                                    

"رونق من الأحاسيس"

...

أمي، أمي يا من سرحت بخيال وأحلام قبل مجيئي، وتراءى لك في السماء محياي وأنا أكبر، وأغدو كالنخلة في رباب السحاب.

يا من بنيت لي أحلامًا زهرية فوق الرمال على الشط مزمجر الأمواج، وعاهدتي نفسك على تربيتي حسن تربية تواجه نيران فتن زماننا القاسي.

وحملتني في بطنك وكأغلى جزء منك، وتألمتي وبكيتي حين افترقت عنك، وانفصلت من دفئ أحشائك الحاني، ويا من ازدان وجهها تبسمًا حين لمحت رأسي الصغير يتدلى، ويخرج لبرود الدنيا القارص.

والآن كفاني تعبيرًا وكناية في الأدب، فلو جمعت فنون الأدب، وكتبت لك كتابًا، ما وفى شعوري ولا وفى شبرًا من تضحيتك وصبرك وحبك اللامتناهي.

أمي، أعلم أني لست ابنة جيدة مثلما أني طالبة
جيدة، ومهما حاولت يظل برك منالًا لم أصل إليه إلى الآن، ومهما قلت وامتدحت في حقك، و وصفت فضلك تظل كلمات لا معنى لها.

فالمعنى الحقيقي لكلمة أمي ليست حروفًا خالية ذا معنى لغوي بل أفعالًا سامية تمثل على خشبة الحياة، ومشاعر وأحاسيس رقيقة مبطنة بمعاني خصبة نامية.

يزداد شذاها، ويفوح عبيرها كلما ارتقيتي في صباها، وفي نهايتها حديث يقول الجنة تحت أقدام الأمهات، فيالعظمة مقامك الذي جعلنا نبلغ برضاك الجنة المأوى الغاية الأبدية بعد المنى.

فيا أنسًا في الوحشة، ومؤنس في الغربة ففي هذه الحياة الكل غريب، حتى الأب يمكن أن يتخلى عن أبنائه فهم في النهاية رجال قلوبهم من صخر جامد، لكنك لن ولم تتخلي عن قطعة أوجدت منك.

وحتى لو كنتي شخصا سيئًا، ففي النهاية أنت إنسان أيضًا، يمكنك يسلك طريق النور أو الظلام، الذي ربما سلكتيه من أجلي أو أجبرتك الحياة عليه.

فحياة المرأة لا تخلو مهما كانت من تضحية وصبر، واستسلام للقدر، فهي لينة تتأقلم في جميع البيئات، وتتعايش معها وتستلم للواقع المر.

فهي لا تستطيع تشكيل القدر بيدها المرنة اللينة الملفوفة بقماش من حرير، ومشاعر حساسة تهتز مع نسيم ربيع عليل وليس كالرجال.

الرجال الذين يمتطون الأحصنة، التي تقود مسار حياتهم، وحياة من يعتمدون عليهم، ويتمسكون بالمرساة جيدًا في ظلمات بحر الحياة بأيديهم الضخمة الخشنة، وتتنفس رئتاهم غبار القدر المبهم.

نعم نحن جنس حواء خلقنا هكذا، وهم على النقيض تمامًا، لكن لكلانا قلب ينبض، وأيد تعمل، وصحائف تسجل، وحساب منتظر، ورب يراقب.

لذا عندما تكون حبال أجسادنا في يد رب غفور وعادل لا نخشى التمييز والعنصرية بكل أشكالها، فالذي سطر أحكام وأقدار هذا الكون ليس سكانه بل خالقه.

لذا يا أمي، مهما ضغطت عليك الحياة،.وانهالت عليك بالمحن، وتهافتت عليك الذئاب الجائعة، وأحيطت بك من كل جانب، تذكري أنك لست وحيدة بل من ربيتيها وعلمتها ستسلك تلك الدرب معك.

وتقف ورائك في كل موقف، وما زرعتيه بنية خالصة صادقة حان الوقت لحصد ثماره الناضجة اليانعة، لتزهر في السراء والضراء، وتكون مؤونة في الخصب والقحط.

وأرجو من الله مقلب القلوب الثبات والصبر على برك ورعايتك في كبرك لذا مهما قلت أنك راضية عني، تظل هناك غصة في قلبي، ودمعة تعصى
في مقلتي.

أني وافيت حق مدرستي ودراستي أكثر من حقك لذا أنا أعتذر منك وأشكرك الشكر الجزيل وسأسعى دائمًا أن أكون مصدر فخرك ومنبع فرحتك.

...

نفحاتي M.Aحيث تعيش القصص. اكتشف الآن