وصل خبرُ قدوم أبي إلى القرية حتى قبل أن يدنو من قدمِ الجبل، وعندما وصل مع أمي المتعبة وقافلةٍ من الحمير تحمل الكتب والأثاث وجد القرية خاليةً تماماً، وكأنَّ أهلها قد اختفوا فجأةً، لم يكن في الشوارعِ الضيقةِ المتربةِ ولا حتى دجاجةٌ اوْ كلبٌ سائبٌ.وصل إلى بيت جدي وطرق الباب عدةَ مراتٍ ونادى:«هذا أنا يا أمي، أنا سعيدٌ، لقد عدت»، لكن جدتي التي سمع والدي صوت بكائِها من خلف الباب لم تفتح له، قرع الباب ثانياً وثالثاً ينادي على جدتي، لكنَّ الباب لم يفتح، وازداد نحيبُها من خلفه، عاد أبي أدراجه يسير في شوارع القريةِ، الصامتةِ، وكانت الريح الحارَّة تعصف الغبار والتراب في عينيه.وقف في ساحة القرية وصاح:«أما من أحدٍ هنا؟»، فلم يجد سوى الصمت والغبار.
عرف والدي حينها أن أهل القرية اعتبروه في عداد الأموات، وأن أحداً منهم لن يتحدث إليه أو يفتح له باباً، فقاد قافلته الحزينة إلى الطرف البعيد من القرية حيث أشجار الزيتون، وأقام هناك مخيماً، وهكذا كُتِب على أمي أن تعيش في غيمةٍ بجوار قريةٍ فُرِضَ عليها الصمت والعزلةُ.وبعد عدة أشهرٍ من العمل المتواصل أنهى والدي بناء بيتٍ صغيرٍ من الخشب يسكنه مع عائلته.
طيلة هذه الفترة لم يتحدت أحدٌ إلى أمي أو أبي، وصار أهل القرية أشباحاً تختفي لحظة رؤيتهم لأيّ منهما.عائشةُ السمراؤ، خادمة أمي المخلصة، هي الوحيدة التي كسرتْ هذا الطوق وذهبت في إحدى الليالي التي غاب فيها القمر إلى بيت جدتي، فتحتْ لها جدتي الباب وهي ترتعدُ خوفاً، أطفأتِ المصباح وأسدلتِ الستائر، ثم أضائتْ شمعةً تحميها بيدين مرتجفتينِ، فإذا علم أهل أهل القرية يهذه الزيارة ستموت جدتي وحيدةً ولن يخرج أحدٌ في جنازتها ولن يصلي عليها أحدٌ في المسجد، وكانت جدتي تخاف أن تموت وحيدةً، كان خوفها هذا بقدر حبها لوالدي ولهفتها لمعرفة أخباره.
حكت لها عائشة الشجاعة عن أخبار أبي وعن التوأم، ووصف لجدتي جمالهما:«واحدٌ شقراء ببياض الثلج مثل جدتها تماماً»، ابتسمت جدتي لأول مرةٍ عند سماعها هذا،«وأسمياها شمس، والثانية سمراءُ بشعرٍ كالليل مثل أمها، هناك خصلةٌ بيضاءُ من الشعر فوق جبهتها كالبدر في عتمة الليل، أسمياها قمر».
كانت جدتي تتمنى أن ترى حفيدتيها، وأن تضمهما إلى صدرها وأن تلاعبهما وتغني لهما الأغاني، لكنها اكتفت بوصف عائشة لهما، ومع أنها كانت تتمنى أن تسمع المزيد لكنها قالت لعائشة:«اذهبي الآن قبل أن يأتي الفجر ويراكِ أحدهم، وقولي لولدي إني أسامحه في الدنيا والآخرة، وإني سأموت وأنا راضيةٌ عنه وادعوا له ليلَ نهارَ، وقولي لزوجته الغريبة أن تصبر».
في الصباح التالي وجد أهل القرية جدتي ميتةً في سريرها وعلى وجهها ابتسماةُ رضىً، وكأن الله كان يطيل حياتها لحظةً بلحظةٍ حتى تسمع خبر ولدها، وها قد اطمأنتْ عليه فلم يعد هناك سببٌ لإطالة أمد عذابها.
أنت تقرأ
رحلات عجيبة في البلاد الغريبة
Adventureهذه الرواية للكاتبة "سونيا نمر" لست الكاتبة ولكن احببت ان اشاركها معكم الرواية عبارة عن مغامرة قراءة ممتعة❤ مقدمة:- كم مرّت علىَّ من قوافل وسفنٍ، صحارٍ وبحارٍ وسفر! ها أنا في قلب العالم مرةً أخرى، أسيرُ نحو مغامرة أخرى! ستكون هذه مغامرتي الأخي...