الجزء السابع "الملاك الأسود"

101 3 2
                                    

اعتذر بشدة عن تأخيري..

النصف الأول من الجزء السابع

بدأ البحارة يعتادون وجودي ولم يعودوا لمضايقتي،  وصرت أعرف بعضهم بالاسم:«عبدون» ذا العين الواحدة والأسنان الصفراء والشعر الذي يكاد يختفي لولا بعض الخصل المتفرقة ورائحةٍ تشبه رائحة الثوم، و«شيخون»، كان في غاية النحافة يكاد يلتصق جلده بعظامه، ولكنه سريع الحركة ويستطيع أن يتسلق كل شيءٍ برشاقةٍ بالغة، وغالباً ما يقف فوق صندوقٍ صغيرٍ معلّقٍ فوق الصارية للمراقبة؛ لأن عينيه«كعيني الصقر» كان يقول، ولكنه أيضاً سريع الغضب بالرغم من مرحه الشديد، وكان شيخون أسرع بحار في ضرب الخنجر وأعرفهم بفنون استعماله.والطباخ ملفوفة ولُقّبَ بذلك لأنه يُكثر طبخ الملفوف بأنواعه وأشكاله، وكان ملفوفة قد أخذ على عاتقه مهمة تغذيتي، لأني أضعف من أن أحمل ريشة كما يقول.«وعنفرة» مساعد القبطان القوي الذي يخافه البحارة ويتحاشونه، ولم يره أحدٌ يبتسم، حاولت مرةً أن أتحدث إليه وهو على عجلة القيادة، فأجابني باقتضابٍ شديدٍ ولم ينظر باتجاهي مرةً واحدة، فأدركت أنه لا يحب الكلام وأنه لا جدوى من التحدث إليه.

اعتدت على حركة السفينة ولم أعد أشعر بالغثيان، واعتدت على الرائحة المنبعثة منها كرائحة سمك متعفن، واعتدت على القبطان علاء الدين الذي كان لطيفًا مع البحارة ويمازحهم دائمًا، ولكنه كان حازمًا أيضًا، خاصةً عندما كان يقع خلافٌ بينهم، وكان هذا كثيرًا ما يحدث.بدأ القبطان يبدي اهتمامًا بتعليمي، فكان يصحبني إلى سطح السفينة ويشير إلى الأشياء ويقول أسماءها وكيف تعمل، ولقد سُرَّ كثيرًا من سرعة تعلمي، مما شجعه على إعطائي المزيد من المعلومات.

ها قد مضى على وجودي بيم هؤلاء الناس قرابة شهر، ومع ذلك أحس بأنني أعرفهم منذ زمنٍ بعيد، فالبحارة على سفينةٍ وسط البحر تشدهم رابطةٌ قويةٌ ويصبحون كالعائلة الواحدة، يتحدثون معًا ويأكلون ويغنون ويتشاجرون لأتفه الأسباب، ثم يعودون أصدقاء من جديد، لقد أحببتهم وألفت صحبتهم

خرجت من صندوقي ذات صباحٍ جميلٍ على صوت صراخٍ وجلبةٍ على سطح السفينة، وعندما وصلت إلى الأعلى لأستطلع الأمر، كان «شيخون» يصيح ويلوح بيديه في الأفق:«أوهوي، سفينةٌ على البعد»، وكان البحارة يتكئون على حافة السفينة ويركزون أعينهم على نقطة سوداء في الأفق.أمر القبطان بإنزال الأشرعة ورفع العلم، في تلك اللحظة فقط انتبهت إلى أن السفينة كانت تسير دون عَلم منذ أن غادرنا طنجة، وفجأة، حين شد عبدون الحبل وبدا العلم يرتفع نظرت إليه، لا يمكن!فركت عيني لعل الشمس قد أثرت علة رؤيتي، ثم نظرت إلى العلم مرةً أخرى:«يا للهول، إنه علم القراصنة!أنا على سفينة قراصنة!» لم يخطر في بالي ولم أفكر مرتين حين سمعت أن اسم السفينة هو «الملاك الأسود»، ولكني الآن عرفت، والقبطان اللطيف هو زعيم القراصنة!«ماذا فعلت بنفسك يا قمر! أصبحتِ واحدةً من لصوص البحر! عظيم، تخرجين من ورطةٍ لتقعي في أعظم منها!»

رحلات عجيبة في البلاد الغريبةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن