النصف الثاني والأخير..
قراءة ممتعةفي الصباح ذهبت باكرًا إلى السفينة وسألت عن قمرة القبطان، وعندما وصلت هناك كنت قد سمعت كثيرًا عن التعليقات والنكات.دخل القبطان وأنا أرتب ملابسه في صندوقٍ عند قدم السرير الصغير:«ها أنت هنا! لا تنس الغرفة الخلفية التي ستنام فيها»،وخرج.كانت الغرفة الخلفية عبارةً عن خزانةٍ أو صندوقٍ فيها فيها فراشٌ مرفوعٌ فوق بعض الأخشاب ولا شيئ غير ذلك، الفراش عمليًا كان يحتل كل الصندوق، وكان من الصعب معرفة لون الملاءات من قذارتها، هذا الصندوق سيكون بيتي وملجئي، وإلى جانبه كان هناك صندوقٌ آخر بنفس الحجم فيه حوضٌ يحتل كل مساحته تقريبًا، وعلى حافته بعض قطع الصابون وبجانبه إبريقٌ كبيرٌ من النحاس، هنا يستحم القبطان.بعد أن أنهيت تنظيف قمرة القبطان والصندوقين خرجت إلى ظهر السفينة لأطلب الإذن من القبطان بالمغادرة، وقد كان يتحدث مع بعض البحارة، ثم ركضت خارح السفينة إلى غرفتي في الخان:«ها قد أوقعتِ نفسك في ورطةٍ لن يخرجك منها علمك ولا ذكاؤك ولا كل عفاريت الدنيا! الأفضل أن تنسحبي الآن وأنت بر الأمان، هذه المغامرة ستكون نهايتك!»
لكن حس المغامرة كان يقول شيئاً آخر:«لكلّ مشكلةٍ حلٌّ، ولن تعرفي هذه المغامرة إلا إذا جربتها.العالم مفتوحٌ أمامك ولن تتكرر هذه الفرصة»، وهكذا بقيت طوال الليل ما بين شدٍّ وجذب، لحظةً أفكر في أن أعود أدراجي إلى وطني، ولحظةً أخرى أتشجع بالقيام بالرحلة.نزلت إلى السوق أتجول علي أجد جوابًا لحيرتي، وبقيت هكذا لساعاتٍ وأنا أقف أمام حانوتٍ ثم أقف أمام آخر دون هدف.وقفت أمام بائع الجلود وكنت أراقبه بقص الجلد ويخيطه بمهارةٍ فائقةٍ، يعلق على الباب دكانه مصنوعاته الجلدية: الأخزمة، وأحزمة لسروج الخيول وحقائب متعددة الأشكال والألوان.وقفت أتأمل الحانوت والبائع.
عدت إلى السفينة وكانت الشمس تميل إلى الغروب، دخلت صندوقي وأقفلت الباب.صحوت على صوت القبطان يدخل غرفته ويغني بصوتٍ مُنتشٍ:«يا ولد، أين أنت؟ ماسمه؟»
خرجت من صندوقي ووقفت أمامه فقال:«اخلع لي حذائي»، وجلس على حافة السرير مادًا لي قدمه.
كان قد استلقى على ظهره على السرير وبدأ في الشخير بصوتٍ عالٍ، فأبقيت عليه ملابسه ووضعت الملاءة فوقه ودخلت إلى صندوقي وأغلقته بإحكام.لم أستطع النوم، كان شخير القبطان عاليًا لدرجة أن جدران صندوقي كانت تهتز، كنت خائفةً، ماذا لو عرف أنني امرأة؟ بل أسوأ من ذلك، ماذا لو عرف البحارة أني امرأة؟!
صحوت على صوت القبطان ينادي فدخلت الغرفة:«أحضر ماءً ساخنًا بسرعة»، أخذت الإبريق النحاسي وعدت بع مليئًا بالماء الساخن من مطبخ السفينة، لأجد القبطان يجلس في حوض الإستحمام!تركت الابريق بجانب الحوض وهربت من الغرفة، فنادى القبطان بصوتٍ هادرٍ:«اسكب الماء علي، هيا».
وقفت خلفه وبدأت أسكب الماء الساخن على ظهرع وأنا مغمضة العينين،«ماذا تفعل أيها الغبي؟» فتحت عيني وانتبهت إلى أني أسكب الماء إلى جانب الحوض.قال بصوتٍ غاضبٍ:«هذه ليست دايةً جيدةً يا ولد، إن كنت لا تحتمل العمل في السفينة فنحن مازلنا على البر».
قلت:«أنا آسف يا سيدي، سامحني، لن أكررها ثانيةً».
قال:«أنا أحذرك، لا أطيق الكسولين ولا الأغبياء».
«لن أكررها يا سيدي، أعدك».
«سنبحر غدًا عند الفجر، أمامك يومٌ كاملٌ لتفكر إن كنت حقًا تريد هذا العمل»
خرجت إلى السوق أمشي على غير هدىً وأنا أفكر، وفي المساء وجدت نفسي أمام السفينة فدخلت إلى صندوقي وأقفلت الباب بإحكام:«ليكن ما يكون».كنت قد عزمت أمري، وعندما عاد القبطان كنت على أهبة الاستعداد لأخلع عنه حذاءه.
صحوت على صوت حركةٍ في السفينة وصراخٍ وأوامر وقد بدأت السفينة تهتز، خرجت من صندوقي بسرعةٍ فوجدت السفينة قد بدأت تتحرك، وكانت الشمس قد بدأت بالظهور خلفنا.مرت الساعات الأولى بأمان، حيث تمكنت من التواري من أمام البحارة وشغلت نفسي بمراقبة البحر ومراقبتهم وهم يشدون الحبال ويرفعون الأشرعة، وأراقب القبطان يقف أمام عجلة القيادة، ولولا إحساسي بالدائم بالغثيان والذي قطع علي الاستمتاع بهذه المشاهدة لكنت غنيت من فرحتي.
نزلت إلى صندوقي وغليت بعض الأعشاب وبدأت أشعر بالتحسن، صاح أحد البحارة:«أين الولد الجديد؟ آن الأوان»، وسمعت صوت اثنين من البحارة ينزلان السلم بسرعة، ثم سمعت طرقًا شديدًا على بابي:«هيا، هيا، حان وقت الاختبار».
«أي اختبار؟» سألت.
قالوا:«اخرج وستعرف».
فخرجت.صعدت إلى ضهر السفينة لأجد البحارة يقفون في دائرة، ثم دفعني البحاران اللذان أحضراني إلى وسطها، صاح البحارة بصوتٍ واحدٍ:«هيا، هيا»، وقال أحدهم:«اقذفوه في الماء»، ثم قال آخر:«احلقوا له شعره أولاً».
كان القبطان يقف أمام عجلة القيادة وينظر إلى المشهد بابتسامةٍ خبيثةٍ، أما أنا فكنت قد بدأت أرتجف مرة أخرى:«سيكشفونني! سيعرفون أتي امرأة! هذه هي اللحظة الحاسمة، فكري يا قمر فكري».
بقي القبطان واقفًا مكانه وقد ازدادت ابتسامته اتساعًا، اقترب مني اثنان من البحارة وأمسك كلٌّ منهما بإحدى يديّ ورفعاني فوق السفينة، ثم صرخ البحّارةُ جميعهم:«واحد، اثنان، ثلاثة»، وقذفا بي في البحر، ومع أنني تعلمت السباحة إلا أن المفاجأة وبرودة الماء جعلتني أحس بالشلل، فبدأت أتخبط، ثم رأيت حبلاً ينزل من حافة السفينة فتمسكت به، وأحسست أنني أرتفع في الهواء ثم بيدين قويتين تمسكاني.وقفت على ظهر القارب أنقط ماءًا مالحًا وأحس بالتعاسة الشديدة، وكنت على وشك البكاء، كانت اليدان يديّ القبطان الذي قال للبحارة بصوتٍ آمر:«كفى، اتركوه».
فقال أحدهم:«لكننا لم ننته من الطقوس! هيا احلقوا له شعره».
قال القبطان:«لقد قلت كفى»، ثم نظر إلي وقال:«اذهب وغير ملابسك»، فنزلت إلى صندوقي ولا أصدق أني نجوت.
وصلنا إلى نهاية الجزء السادس
انتظروا الجزء السابع
أنت تقرأ
رحلات عجيبة في البلاد الغريبة
Adventureهذه الرواية للكاتبة "سونيا نمر" لست الكاتبة ولكن احببت ان اشاركها معكم الرواية عبارة عن مغامرة قراءة ممتعة❤ مقدمة:- كم مرّت علىَّ من قوافل وسفنٍ، صحارٍ وبحارٍ وسفر! ها أنا في قلب العالم مرةً أخرى، أسيرُ نحو مغامرة أخرى! ستكون هذه مغامرتي الأخي...