النصف الثاني والاخير من الجزء السابع
«افتح يا عجيب، لقد انتهى كل شيئ».
لم تقدر قدماي على الوقوف، مددت يدي لأرفع المزلاج، وكان القبطان يقف على باب الصندوق ملطخًا بالدماء، وجهه وملابسه وحتى حذاؤه تلطخ ببقع الدم،وعندما رأيته هكذا اشتد بكائي.
ربت القبطان على ظهري وقال:«تماسك يا رجل»، ثم أبعدني عنه ونظر في وجهي:«لماذا تبكي كالنساء؟» لحظتها أردت أن أصرخ:«أنا امرأةٌ»، ولكني تماسكت في آخر لحظةٍ وتراجعت، وأخذت أعدّل من هندامي وأمسح دموعي بظاهر يدي، وقلت بصوتٍ متلعثم:«لقد ظننتك مت، وخفت أن…»، فقال وهو يدير ظهره:«ليكن هذا درسًا لك. الآن اصعد إلى الأعلى وجد لك عملاً تساعد به البحارة»، وبدأ يصعد الدرج.
لمت نفسي على تسرعي وتهوري وأنني كدت أكشف نفسي، غسلت وجهي وعدلت هندامي ثم أخذت نفسًا قويًا وصعدت إلى سطح السفينة. كانت الشمس مازالت تشرق في السماء،، فوضعت يدي فوق عيني، حتى أعتاد على وهجها، وبعد أم تمكنت من فتح عيني تسمّرت مكاني، لقد هالني ما رأيت!كانت هناك ثغرةٌ كبيرةٌ في جانب السفينة حيث تكسرت الحافة وتناثرت قطع الخشب المكسور في كل مكان، لابد أن هذا بسبب ارتطام السفينة الأخرى بنا، سيوفٌ ودماءٌ على الأرض، عددٌ من القتلى الذين لم أعرفهم، بعض بحارتنا من الجرحى يتكئون على حافة السفينة، وبعضهم ارتمى على الأرض، وأصوات أنينٍ وصراخ، كان مشهدًا مرعبًا، وكأن أبواب الجحيم قد انفتحت!
أحسست يدًا قوية تمسك كاحلي وتشدُّ عليه، ثم سمعت صوتًا واهنًا لا يتناسب مع قوة اليد، نظرت إليه، كان أحد بحارتنا وما زال خنجرٌ طويل النصل يخترق قلبه، قال: «ماء…ماء…أريد ماء»، فركضت لأحضر الماء له وحين رجعت كان قد فارق الحياة، تجمدت مكاني من الرعب ثم أغلقت عينيه دون تفكير.
شاهدت بعض بحارتنا يلقون قتلى السفينة الأخرى في البحر، وكانت في الأفق سفينةٌ هاربةٌ تبتعد عنا مسرعة، نظرت حولي، ثم فجأةً، و بخطواتٍ سريعةٍ، نزلت إلى صندوقي وأحضرت بعض أنواع الأعشاب و بعض الملاءات النظيفة وركضت إلى المطبخ، طلبت من الطباخ الذي كان يبكي أن يغلي لي في بعضها وأن يترك الجزء الآخر في ماءٍ دافئ، قلت لمساعده الذي كان يجلس على الأرض فاغرًا فاه مذهولاً:« مزق هذه الملاءات وجعل منها ضمادات»، واخذت ماءً نظيفًا وبدتت بمساعده الجرحى الذين كانت كل جروحهم بسبب طعنة سيف وخنجر، ما عدا شيخون الذي لا أعرف كيف دخلت قطعة خشبٍ الرفيعةٍ في فخذه وخرجت من الجهة الأخرى وما زال طرفاها بارزين من الجهتين. اقتربت نحوه لأساعده فقال:« ساعد عنفرة، إن وضعه سيء».كان عنفرة يمد رجليه ويسند ظهره إلي حائط السفينة، وجرحٌ غائرٌ ينز دماً في بطنه، كان وجهه شاحبًا ويئن بصوتٍ منخفض، فاقتربت منه وقلت:«لا تخف، سأساعدك»، فضحك حتى بانت أسنانه العليا المكسورة ومد يدًا ضعيفةً نحوي:«أنت ستساعدني؟» ثم وقع على جانبه مغشيًا عليه، فطلبت من سعدون مساعد الطباخ ان يمدده على ظهره وبدأت بتنظيف جرحه بماء الأعشاب المغلي، ثم طلبت من سعدون أن يضغط قليلاً على الجرح وذهبت إلى الصندوق وأحضرت إبرةً وخيطًا وقلت له:«أمسكه جيداً»، وخيط له الجرح ثم ضمدته، وطلبت من اثنين من البحارة أن يحملاه إلى فراشه في أسفل السفينة بعيدًا عن أشعة الشمس الحارقة.بعد ذلك انتقلت إلى جريحٍ آخرَ ثم آخر، ضمدت وخيطت وقصصت جلدًا ممزقًا، ولم ألحظ أن الشمس بدأت تختفي حتى صِرتُ أرى الخيط والإبرة بصعوبة، فطلبت أن يأتوا لي بمصابيح وتابعت العمل.كانت كل ملابسي ملطخةً بالدماء، ولكني لحظتها لم أهتم لأي شيء، سحبت قطعة الخشب من فخذ شيخون وخطتها، وكان شيخون طوال الوقت، وبالرغم من الألم الشديد، يلقي النكات.وصلت بعدها إلى ابن الطباخ«ملفوفة» وكان مغمىً عليه وعينيه اليمنى تنزف بشدةٍ، لقد فقد المسكين عينيه بضربة خنجر،فنظفتها وضمدتها وتابعت العمل، ولم ألحظ أن الشمس بدأت تشرق وان النهار قد بدأ ينبلج، وحين انتهيت من آخر جريح وقفت، لكنني أحسست بدوارٍ شديدٍ، ثم وقعت.
أنت تقرأ
رحلات عجيبة في البلاد الغريبة
Adventureهذه الرواية للكاتبة "سونيا نمر" لست الكاتبة ولكن احببت ان اشاركها معكم الرواية عبارة عن مغامرة قراءة ممتعة❤ مقدمة:- كم مرّت علىَّ من قوافل وسفنٍ، صحارٍ وبحارٍ وسفر! ها أنا في قلب العالم مرةً أخرى، أسيرُ نحو مغامرة أخرى! ستكون هذه مغامرتي الأخي...