الفصل الأول ( هاميس )

1.7K 45 13
                                    


       

في إحدى أحياء القاهرة القديمة و بداخل إحدى عمائرها البسيطة، تقف فتاة في عقدها الثالث، خمرية اللون، واسعة العينين، حسناء الملامح، فريدة لا شبيهة لها، ترفع طرف وشاحها الذهبى إلى كتفها الأيسر ليحيط بعنقها ملامسًا شعرها الأسود المنسدل على ظهرها، تراقب الشارع بالأسفل منتظرة وصول ضيفتيها

ألقت ببصرها على المقهى بالأسفل و القائم مقابلًا لمدخل العمارة، تسخر من بعض رجال الحي التى أعادت رؤيتهم بالمقهى في مثل هذا الوقت و رغم كونهم يجلسون بمقهاها إلا أنهم يطلقون ألسنتهم الثرثارة عليها، لقد أعتادت منذ وفاة والدها أن تستمع لمثل هذه الثرثرة الساخرة و النظرات المقللة تارة و الطامعة تارة علاوةً عن بعض النظرات الجائعة التى ازدادت عقب وفاة والدتها العام المنصرم و لكنها كما هى قوية لا تبالى، تصارع الحياة فتغلبها حينًا و تُغِلب منها حينًا و لكنها لا تستسلم

أشرقت ملامحها بابتسامتها الذهبية و هى ترى أن ضيفتاها قد وصلتا، أشارت بيدها للصبي العامل بمقهاها فأسرع يحمل عنهما الحقائب و يدفع للسائق أجرته بينما ركضت هى للخارج كي تستقبلهما

أما بالشقة المقابلة لشقتها تقف فتاة جميلة في عقدها الثانى تنظر لوالدتها بضيق و تبرم واضحين لتبادلها والدتها الحديث من داخل مطبخها قائلة بقليل من الحدة : هو مفيش غير هاميس دى، قولتلك ميت مرة ابعدى عنها يا يمنى

كتفت الفتاة ذراعيها معترضة بقولها الدافئ : مالها بس يا ماما! ده مفيش أطيب و لا أجدع منها و بعدين دى جارتنا بردو و أنا بحبها غير إنها صاحبتى

صرخت والدتها بغيظ قائلة : صاحبتك! هي مين دى اللى صاحبتك .. ليه من سنها انتى و لا من سنها، ده أنا أكبر منها بيدوب خمس سنين بس

خرجت ضحكة ساخرة من زوجها الجالس على الآريكة يتصفح جريدته فأسرع يخفيها رافعًا الجريدة أمام وجهه

يمنى باعتراض : يووه يا ماما كل يوم نفس الكلمتين دول و بعدين متنسيش بردو إنها صاحبة العمارة دى كلها..

ضحكت والدتها بتهكم قائلة : اها و صاحبة القهوة اللى تحت، بقي بذمتك في واحدة محترمة تشتغل فى قهوة و رجالة الحى كله طالعة داخلة عليها

أخفض الزوج الجريدة ثم تحدث قائلًا : يا ولية اتقى الله .. ده انتى عندك بنت قدها..

خرجت السيدة من المطبخ بثورة قائلة : بردو هتقولى قدها .. أنا بنتى مبقالهاش سنة متخرجة غير إنى بنتى ممرضة قد الدنيا مش معلمة فى قهوة

تنهدت الرجل مستسلمًا، يعلم أن الحوار معها لا يجدى نفعًا ثم نظر لابنته التى كسا الحزن وجهها و قال : روحى يا بنتى ..ساعديها و اقعدى معها زى ما انتى عايزة

" هن و هاميس "حيث تعيش القصص. اكتشف الآن