الفصل الثاني

5.6K 122 2
                                    

_ ألف سلامة عليك يا أستاذ ريان
قالتها وهي تقترب من السرير ببعض القلق البادي بملامحها بينما يجيبها المتسطح عليه قائلا بنبرة طبيعية:
_ شكرا يا آنسة تمارا
توقفت ما ان أصبحت قريبة منه إلى الحد الذي جعل صوته الخافت الملئ بالغنج يصل إلى مسامعه حيث تقول بنبرة حزن نجحت بابداعها:
_ معلش بقى على ضياع الملف، المهم انك بخير
غض بصره عنها إلى الجهة الأخرى متجنبا ما ترتديه من ثياب ملاصقة لجلدها مبدية مفاتنه بجرأة دون استحياء، بينما يقول بهدوء:
_ الحمد لله على كل حال
وهنا تلقت طرف الخيط الذي ستبدأ به الحديث حيث تكمل بنبرة اهتمام:
_ ماخدتش بالك من شكل صاحب العربية، او حتى رقمها؟
تنهد بتعب بعدما عمدت لتذكيره بما حدث بالأمس وأدى إلى ضياع حقيبته الغالية، قبل ان يجيبها بنبرة يعلوها الضيق:
_ هو انا لحقت اعمل حاجة؟ العربية جت بسرعة كبيرة، خبطتني واغمى عليا مالحقتش اشوف أرقام
همت لتتحدث من جديد وقد بدا الاستعطاف على معالمها حيث تريد مواساته ولكن اوقفتها رهف التي دلفت إلى الغرفة دون إنذار مسبق، لينظر نحوها ريان ويرسم ابتسامة مجاملة على ثغره على خلاف تمارا التي امتعضت ملامحها فور رؤيتها مقاطعتها لحديثهم الهام، اقتربت رهف وهي تقول مع ابتسامة مشرقة:
_ صباح الخير يا أستاذ ريان؟
ثم التفتت الى تمارا قائلة بابتسامة باردة:
_ صباح الخير يا أستاذة تمارا
لم تجبها وإنما عجزت عن تكبيل مقتها الشديد لهذه الغبية حيث تردف بنبرة حانقة:
_ مش كنتي تخبطي الأول قبل ما تدخلي؟ ولا انتي بتعملي كدة مع كل المرضى في المستشفى من غير ما تراعي الإتيكيت؟
فرك ريان جبهته بيده السليمة ضجرا وقد بدأت هذه في المناوشة من جديد بينما ترد عليها الثانية قائلة بنبرة جليدية:
_ في الحقيقة مادخلتش أبدا أوضة مريض قبل كدة إلا من ساعة ما ريان جه، أصل أنا محاسبة هنا مش ممرضة، وبعدين انا مافهمش يا ستي في الإتيكيت ده ولا أعرف بيتكلم عن إيه بس يوم ماكون عايزة اعرف أكيد مش هعرف منك انتي!
كتم ريان ضحكته عن الصدوح بصعوبة بالغة بينما احتقنت معالم تمارار حتى صارت بشرتها الوانا من كم الحرج حيث انقلبت السخرية على الساخر، فما كان منها سوى أن أسندت حزام حقيبتها على كتفها ثم اتجهت إلى باب الغرفة قبل ان تلتفت إلى ريان قائلة بامتعاض:
_ ألف سلامة عليك مرة تانية يا أستاذ، بعد إذنك
ثم خرجت مسرعة دون انتظار الإذن منه وهي تصدم الأرض بخطواتها ذات الكعب العالي، حيث تتمنى وبشدة لو كان معها قنبلة في تلك اللحظة كي تفجر بها هذه البسيطة المستفزة التي تحاول بشتى الطرق الدخول بحياة ريان متخذة الجيرة كوسيلة! في حين تدري جيدا هدف هكذا لئيمة مثلها تود الحصول على حبيبها الوسيم الذي تعشقه بكل تفاصيله، فلا تدري رهف ان التقرب منه يعد كاللعب بالنار!
خرجت وتركت كل من رهف التي تقلصت معالمها بضيق شديد بينما يرمقها ريان باهتمام وهو يردف معتذرا:
_ معلش يا رهف، ماتزعليش حبيبتي
هتفت رهف بعدم انتباه:
_ انا بس مش فاهمة هي ليه بتعاملني....
بترت استرسال كلماتها ما ان استعادت تركيزها والتقطت الكلمة الأخيرة التي لفظها هذا من لسانه، لتحدق ببنيتيه الهائمتين بها شوقا فتبتلع ريقها ثم تقترب منه بخطوات متعرجة إلى أن تتوقف أمامه مباشرة ولا يزال بصرها بعينيه مسلطا حيث تقول بنبرة مترددة:
_ إنت قلت إيه؟
أجاب سؤالها بابتسامة واسعة زينت شدقه وهو يرمقها بحب قائلا:
_ إنتي عارفة إن الشنطة اللي اتسرقت مني دي ماكانش الملف بس اللي زعلني إنه ضاع، كان في حاجة تاني اهم منها
دون ان ترمش بعينيها تساءلت بتوتر:
_ اي هي؟
اجابها بتلقائية:
_ دبلة اشتريتها وكنت حاطط في دماغي اول ما تجيبيلي الفطار الصبح اطلب إيدك بيها
تسارعت نبضاتها وبات قلبها يعمل كمضخات تزامنا مع احمرار وجنتيها وجحوظ عينيها غير مصدقة لما قيل الآن، تشعر وكأنها بحلم تتمنى أن يكون بلا استيقاظ! فهي تلك التي تخاف عليه من نسمات الهواء الطائرة، تعشقه منذ قدمت إلى العمارة التي يملكها بصحبة والدها الراحل، في لم يشعل ابدا بصيص أمل صغير لمبادلتها نفس المشاعر، فقط اكتفت بالثلاث مرات التي تراه بهم حينما تطهو له وجبات الغداء خاصة وليس معه قريب يهون عليه ويساعده! لا تصدق أن هذا العقل المتحجر بالطموح لان وسلك دربا آخر غيره وهو الحب والزواج، كما لا تصدق كونها المختارة من بين العديد من النساء!
حاولت استجماع الحروف بمشقة وهي تقول بغير تصديق:
_ إنت بتتكلم جد؟
_ طبعا، وعايز جوازنا يتم ف أقرب وقت، ده أذا ما عندكيش مانع طبعا!
اخفضت رأسها بخجل شديد في حين نطقت بنبرة أقرب الى الهمس:
_ إنت أكيد عارف رأيي
استرسل يقول بنبرة مؤكدة:
_ وعلشان عارف اشتريت الدبلة علطول وكنت هفاجئك بيها لولا اللي حصل!
لم تتمالك نفسها أكثر من ذلك وإنما اندفعت ساقاها الى الخارج هاربة من نظراته المحبة التي يغقدها بها للمرة الأولى منذ تعارف وعلاقة جيران دامت لسنوات غلفها قناع الالتزام، بينما ضحك ريان بصوت مسموع، ثم قال في نفسه بحب:
_ أجمل ما فيكي كسوفك، ربنا يقدرني واسعدك يا بنت قلبي
فمن قال أن المحب يصعب عليه إخفاء مكنونات مشاعره؟! بل يسهل عليه ذلك خاصة وإن كان الحب حقيقيا إلى الحد الذي يدفعه إلى الصبر حتى اتخاذ الشريك في الوقت المناسب، وهو ما فعله مع رهف بعدما تأكد بنسبة خمسين بالمائة من حقيقة مشاعرها تجاهه فأقدم بشجاعة على هذه الخطوة قبل ان يلحقها آخر وهي الزهرة اللامعة بين البقية في البستان!

لقيطه و لكن بقلم/ اسراء عبدالقادرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن