خرجت من الغرفة الصغيرة قاطعة فترة تسطحها على السرير إثر طرقات الباب المتتالية والتي لا تعلم هويتها، حيث من قد يأتي طارقا بابها ولم يمر سوى أسبوع على سكناها! لما وجدت طرقات الباب لا تنتهى او تدع مجالا للانتظار اردفت بصوت عال يشوبه الانزعاج:
_ طيب جاية اهو
ما ان فتحت الباب حتى كادت تهتف بحدة زاجرة الطارق المزعج، ولكن سرعان ما الجمت الصدمة لسانها بينما تعطلت خلايا عقلها عن العمل إذ ترى _أو تظن أنها ترى_ معشوق قلبها وآسر نبضاته يقف أمامها الآن مبتسما والدمع يحرق مقلتيه يود لو يذرفه ولكن يمتنع، فركت عينيها بسرعة محاولة التأكد من ماهية ما ترى الآن، حيث معقول هي تقف أمام ريان بشحمه ولحمه؟! بالتأكيد هي تهذي او لوعة اشتياقها صورت لها هيئته كي تصبر قليلا على ثقل البلاء! ولكنه سرعان ما استوقف تخميناتها قائلا بلهجة حانية:
_ فتحي عينك يا رهف، ده أنا ريان
شهقة خفيضة الصوت تبعت فتح عينيها حيث لا تصدق حقا ما لاح إلى مسمعها بالتو واللحظة! أمعقول أن عاد ريان واستجاب الله لدعائها بالراحة طيلة الأيام السالفة؟! أمعقول أحس بنيران الألم تكويها فأسرع الى تبريد العذاب عنها؟! قاطع سيل أفكارها المتصارعة قائلا:
_ ممكن ادخل
افسحت له المجال دون أن تنطق ببنت شفة، فجلس ريان بأقرب مقعد قابله في حين تركت رهف الباب مفتوحا كما تركت معه وخزات عشقها حيث عادت إلى العبوس وقد تذكرت مشهد فراقهما الأليم، جلست قبالته وكان الصمت هو سيد الموقف بهذه اللحظة، ثوان مرت من السكون الرخيم الذي شقه ريان وهو يرمق رهف ذات المعالم القاتمة قائلا بشئ من العتاب:
_ يعني حتى شغلك في المستشفى سيبتيه يا رهف! ليه كدة؟
أزاحت خصلة من شعرها إلى الوراء ثم رفعت عينها كي تواجهه بنظرات واجمة وهي تقول بجمود:
_ إنت عرفت مكاني ازاي؟
وقف عن مجلسه ثم اقترب منها حتى جلس أرضا فصارت تعلوه برأسها ومعالم الدهشة تكسو وجهها في حين يبادلها بمعالم آسفة قائلا بندم:
_ ماتسأليش ف حاجة مالهاش لازمة يا رهف عشان هتغلطي نفس غلطتي زي مانا كمان بصيت لأنك كدبتي ونسيت اني بحبك وماقدرش أعيش من غيرك
اتسعت حدقتاها صدمة في حين تود الهتاف بأعلى صوتها راجية إياه للتأكيد ولكنه أجاب السؤال الذي يجول بخاطرها مكملا بتأكيد:
_ أيوة يا رهف انا مش بس بحبك، انا بعشقك، وبكل غباء ضيعتك من إيدي عشان حاجة مالكيش ذنب فيها!
ثم امسك بيديها قائلا برجاء:
_ ارجعيلي يا رهف، انا ولا حاجة من غيرك!
وهنا أطلقت العنان لعبراتها في الهطول على صفحة وجهها، وازدادت شهقاتها وقد ضغط على الجرح في حين يطلبها للرجوع والحيرة مهيمنة حولها، فماذا تفعل هذه؟ تركها تبكي ولم يردعها بل وجد في ذلك الراحة لها لإخراج القليل مما يعتمل بصدرها! مرت دقيقتين تقريبا حتى استعادت رباطة جاشها من جديد وهي تكفكف دموعها بظاهر يديها، ثم تنطق من بين شفاهها المترددة متذكرة بألم:
_ حكالي مدير الملجأ ف مرة، أن اللي جابني هناك كان واحد لقاني حتة لحمة حمرا ما عداش عليها يوم ولادة ف كوم زبالة والقطط والكلاب متجمعين حوليا، وكل ما يقربوا عشان ينهشوني أصرخ عشان جعانة فيخافوا ويرجعوا لحد ما انقذني وخدني للملجا اللي شفت فيه أسوأ أيام حياتي مع زمايلي الأيتام! كنت انا اللقيطة الوحيدة في الملجأ، لحد ما لحقني بابا صالح وماما جميلة وخدوني من هناك وربوني احسن تربية وعاملوني احسن معاملة، لحد ما جالي واحد من المستشفى اللي كنت بشتغل فيها طلبني على سنة الله ورسوله، وماما ساعتها كانت متوفية، بابا وافق وكان فرحان اوي اني هبقى عروسة أخيرا، لكن انا أصريت يعرف حقيقتي الأول عشان يبقى على نور، وياريتني ما عرفته، فضحني وعرف كل اللي في المستشفى وبهدل سمعتي ادامهم وكأن انا اللي مشيت في الحرام وحملت سفاح مش أمي اللي سابتني في صندوق الزبالة!!
عادت تزيح عبراتها المنسدلة بينما تنظر الى ريان مكملة بانفاس متقطعة:
_ بعدين شفتك انت يا ريان، ولقيت ف قربك الحب الحقيقي اللي ما حسيتهوش مع اي حد غيرك، بس خوفي من اني اخسرك كان أقوى من اني أعرفك الحقيقة! انا آسفة يا ريان عارفة اني ماستاهل....
اوقفها بوضع يده على فمها مانعا إياها عن الإكمال لتواجهه بنظراتها الباكية المتألمة بينما يردف هو بحنو:
_ انتي كتير عليا يا رهف واوعي تفتكري غير كدة او تقللي من نفسك تاني، انا بحبك والموضوع ده يستحيل يفرق بيننا، وإن كنت زعلت منك الأول فده كان بسبب انك كذبتي، ما كنتش عارف وقتها ازاي أتصرف او اتكلم حتى، واتفاجات أكتر لما لقيتك سيبتي البيت والشغل!
شد من ضم يدها بين أنامله قائلا بنبرة محبة:
_ أنسي بقى يا رهف، ما ينفعش تروحي فرحك بالوش الحزين ده!
ثم أخرج خاتمها الذي تركته بحوزته سابقا، ثم اعاده إلى بنصرها الايمن مكملا بمرح:
_ وبعدين بركة انك سيبتي الشغل، انا عايز كل اهتمامك بعد كدة يبقى لبيتك وبس
افتر ثغرها عن ابتسامة واهنة بينما أكمل هو غامزا إياها بحب:
_ أقصد بيتنا

أنت تقرأ
لقيطه و لكن بقلم/ اسراء عبدالقادر
Roman d'amourركعت أمام قدميه خانعة تهتف بصوتها الباكي في رجاء يكسوه الجزع: _ أبوس ايدك سامحني يا ريان، عارفة اني غلطت وكان المفروض أعرفك من الاول، أرجوك ماتعرفش حد ما كان جوابه سوى أن ظل على حاله صلدا يرمقها بمعالم قاسية متجهمة، لم يرق لحالها وهي ملاكه الصغير ال...