12/طلاق

5.9K 240 193
                                    

تخشّّبت ابتسامتها للحظةٍ ولكنها لم تستسلم لشعورها بالذنب بل اعتدلت بوقفتها وواجهته لتقول بحروفٍ مُتلعثمة:
- انا آسفة، لن استطيع.
لم تزُل ابتسامة خليل الهادئة وهو يلمحُ تخضُّب وجهها بالحياء ليهمس ببساطة:
- لا اريدُ منكِ ردًّا حاليًّا يا ميرال، فقط فكري بهدوء وتذكري بأنني سأكون صديقكِ دائمًا مهما كان ردّك.

قالها وخرج معتذرًا بغية تفقُّد المكان لتظلّ للحظات تنظر في الفراغ قبل ان تشعُر بلسعة دموعٍ تحرقُ عينيها، يا الله كم تشتاقُ اليه!  لقد ظنّت ان الوقت قد يشفي قلبها المريض بحُبّه الّا انه لم يزِدها سوى سقمًا.. تخرُجُ كُلّ يوم، تبتسم لمن حولها وتعمل برضا شاكرةً الله على وجود سجى بجوارها الّا انّ قلبها يأبى ان يتركها تهنأ بحياتها، وكأنّهُ طائرٌ مُكبّل بالأصفاد يرفرف بلا هوادة ليتحرر، لا يتعب ويُتعبها بخفقاته المجنونة الى درجة شعورها بالسقم، وكأنه يخبرها بأن لا مناص من بحر حتى وان ابتعدت عنه.

يقتُلُ الوقتُ ملامحه من ذاكرتها، تنسى ما كان لون عينيه، تقاسيم وجهه الحبيب، تنسى حتى شكل ابتسامته الطفوليّة الّا انّ رائحته تأبى ان تتركها، تلك الرائحة اللاذعة الدافئة التي لم تستنشقها سوى مرّةٍ واحدة، رائحة حُبّه المجنون الذي كاد ان يجرفها الى محظوراتٍ لم تكُن لتفعلها مع سواه.
ازدردت ريقها بصعوبةٍ وهي تجِرّ احد المقاعد لتجلس عليها ويدها تضغطُ على قلبها الذي لا يهدأ وكأنه يعاقبها على المرّة الوحيدة التي تمنّت فيها ان تكون كأي امرأة.

- إهدأ، إهدأ ارجوك، فأنا لن امنحكَ لأحدٍ سواه، انتَ ملكًا لبحر وحده.
اسندت رأسها على الطاولة امامها وغمغمت بإنهاك:
- يكفي، سأموت من هذا الألم.
ظلّت تجاهد للحظاتٍ طويلة في محاولات فاشلة لتهدئة ذلك الطنين المؤلم الذي لا يسكُن ولكنها لم تستطع، بدأت تشعر بخطر هذا الأمر ولكنها لا تريد ان تُثقل على كاهل سجى، يكفي انها ساعدتها بثمن الشقّة الصغيرة التي استأجرتها مؤخرًا، لن تطلب منها ان ترافقها الى المشفى، ستكتفي بالإنتظار الى ان تقبِض راتبها الشهري.

اغمضت عينيها بعذابٍ وهي تفطن لأنها رفضت عرض ربّ عملها بالزواج، هل يا ترى سيطردها من العمل؟ هل ستعود الى حياة الشوارع من جديد؟!
ازدادت دموعها تدفُّقًا الّا انها حاولت التماسُك لتنهي اعمالها، فلا وقت الآن للحُزن، ستبكي ليلًا، عندما تخلدُ الى النوم، ستتذكره في كل حُلُمٍ عابرٍ وستبصقُ على وجه الظروف وتحتضنه الى ان يهدأ قلبها، ستنظر الى وجهه وتهمس بجُرأةٍ بكُلّ كلمات الحُبّ التي لم تعرفها لولا وجوده، سترتدي ثوبًا ابيضًا وتتأبط ذراعه طوال الحياة، ستمنحه عائلة كبيرة، وستضحكُ على نفسها ما ان تستيقظ من حُلُمها المُستحيل، وستعود لتحارب الدنيا ببسالة الى ان ينقضي النهار لتعود الى احلامها من جديد.

.
.

- لا تبكِ يا صغيري، لا تبكِ ارجوك، ماذا تريدني ان اصنع لك؟ صه يا بني توقف قليلًا عن البكاء!
همس آدم بنفاذ صبر وهو يهادي ابنه الذي لا يكفّ عن البكاء واتجه به الى غرفته ليحمل لعبته ذات الصوت الرنان ليهزها امام وجهه فيهدأ الصغير قليلًا ليبتسم اليه ويقول بحنان:
- تريد اللعب يا مُشاغب، لما لم تخبرني من البداية؟
تأمله بحُب وهو يراقب اللعبة بعيناه الزرقاوان اللتان اخذهما من والدته، انه لطيف للغاية، صحيح انه كثير البكاء الّا ان غيد تستطيع التعامل معه ولا يضطرّ هو لمجابهة نوبات بكائها الّا عندما تنشغل والدته.

بيوت الرملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن