5/خطيئة

5.8K 247 100
                                    

الى متى ستظل تحت مطحنة الحياة؟ كيف ستتحمّل هذا الذُلّ الذي بات رفيق حياتها الوحيد، لقد ظنّت ان بعد سنوات السجن سيكون كُلّ شيءٍ اخفّ وطأة واكثر راحة الّا انّ ما يحدُث معها بات اكثر ايلامًا، فطعم المهانة مُرُّ للغاية ولن تستطيع تحمُّل تجرعه طويلا.

استيقظت وظهرها مُتشنّجٌ من قسوة أرضية المطبخ التي نامت عليها، فكُلّ الغُرف بمنزل بحر مشغولة، كل فتاة تنام بغُرفة وبالطبع  لا مكان بينهم لخادمة، حتى فلك التي كانت تهتم وتعطف عليها لم تنتبه لها، من هي ليهتم احدهم بها؟ إنها مُجرد نكرة، كائن من الدرجة الثانية، مخلوق عديم الكبرياء كُتب عليه ان لا يرفع رأسه ابدًا، ان ينحني فقط ليُداس بأقدام أسياده.
استندت على حائط المطبخ ومسحت عيناها المُحمرّتين وتمتمت بإرتجاف:
- لا تنهاري يا ميرال، ليس الآن.

وضعت طعام الإفطار امام عائلة بحر وغادرت الى الأعلى لتقوم بكيّ ثياب حلا وحور المدرسيّة، وعقب خروج الجميع وجدت انها وحيدة بهذا المنزل الكبير، فقد خرج بحر باكرًا ولم يتناول افطاره وفلك غادرت قبل قليل للقاء صديقاتها بينما ليلى والعم جمال غادروا للصيد.

جلست على الأريكة وهي تئن بتعب عقب تنظيفها للمنزل كله، كانت قدماها ترتجفان بإنهاك حقيقي بينما عيناها تحترقان من التعب فبعد حوارها مع بحر لم تستطع النوم بل ظلّت تبك بحُرقة الي ان حلّ الصباح، وابت الذكريات ان تجعلها ترتاح، فمنذُ فترةٍ طويلة اقسمت ان تنسى كُلّ شيء، ان تمحو حياتها السابقة وترسم طريقها من جديد ولكن يبدوا ان ذلك مُستحيلا، خاصة مع مشاعرها الغريبة التي تفجّرت ما ان رأت بلال، وخوفها يتضاعف من ذلك الشعور.

.
.

لم يستطع بحر التركيز في عمله وصورة ميرال الباكية على ارضية المطبخ تطرُقُ قلبه بعُنف، وندم على خروجه باكرا ليراها، وراعهُ انهيارها الشديد ونحيبا خافتا يتناهى الى مسمعه لم تستطع كتمه بيداها الموضوعتين على فمها ودموعها تسيل دون توقُّف.

بالرغم من شعوره بالخطر من وجودها الّا انّ عطفًا خائنًا يجتاحه نحوها، يجعله راغبًا بأخذها بين ذراعيه وايقاف دموعها، إنها تتألم وهو يجب ان يعرف حكايتها ليزيل ذلك الألم، يجب ان يعرف كيف انتهى الأمر بها الى هذا المكان، واين كانت من قبل.

تنهّد بضيق ورأسه ينبضُ بألم، كم يحتاج الآن لكوب قهوةٍ من يديها! 
ابتسم ورأسه يتراجع على ظهر مقعده الدوّار ووجهها يعود ليُنعش ذرّات قلبه فتتدفّق الدماء بأوردته بقوّةٍ غير معهودة، ميرال، ميرال، الغزالة الصغيرة التي تهرب منه في كُلّ لحظة يظُنّ انه امسك بها، تركض بعيدًا وتتركه حائرًا... إنه صياد، وسيقبض عليها بكُلّ تأكيد، ذات يومٍ سيمسك بها ويُخبئها في صندوق قلبه الى الأبد، بعد ان ينزع نظرة الحُزن الساكن بعينيها.

.
.

- انا أُحبُّه، يا إلهي، ماذا افعل؟
همست فلك بالحقيقة الوحيدة التي لا زالت عالقة بقلبها نحوه، فمنذُ عودته تبخر كُلّ الكُره والعتاب ولم يتبقى سوى نبضات قلبٍ خُلِق ليقع بغرام شخص وحد، هو عزيز ولا احد سواه، بعد كُلّ الدموع التي ذرفتها بغيابه ها هي تعود لتتعلق به بسذاجة، يا لها من غبيّة.
ليتها تستطيع الفرار من اوامر قلبها، ليتها تملك القُدرة للوقوف امام المشاعر الجارفة التي تعتري قلبها ما ان تراه، ليتها تُخرِس نبضاتها فلا يسمعها..

بيوت الرملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن