17/سعادة كاملة

6.6K 236 116
                                    

- ما الذي اتى بك الى هذا المكان؟!
تسائلت ليلى وصوتها يرتجفُ بوضوح ولكن جلال وقف ليغطيها بقامته متقدّمًا من آدم وعيناه تحتدّ بشدّة وقبل ان يجد آدم ما يقوله بادر جلال بخفوتٍ حاسِم:
- وجودك هذه الليلة بالذات غير مُرحّب به، من الأفضل ان تغادر.

اتسعت عينا آدم بجنون وهو يستمع لرجل آخر يطرده من بيت زوجته، رجُلًا طالما شعر بالخطر منه وقد كانت مخاوفه بمكانها، ذلك الحقير رمى شباكه حول ليلى قبل طلاقهم، وهذا التفكير وحده جعل يده ترتفع نحو خصمه بلكمةٍ لم تصل الى جلا اذ انه امسك بكفّه بعنف والقاها بعيدًا وعاد يهمس بذات النبرة المُهذّبة:
- احترم نفسك يا آدم، يكفي الى هذا الحد، لا تجعلني اتعامل معك بحضور الفتيات، لا ارغب بأن يروني وانا ابرح والدهُنّ ضربا، صدقني هنّ اغلى لديّ من ايّ موقفٍ سخيف سيجعلهُنّ يكرهنني.

اخذت انفاس آدم تتعالى بتحشرُجٍ مُثيرٍ للشفقة وكم بدى في تلك اللحظة اكبر بسنواتٍ من عمره الحقيقي، عيناه غارت بصورة مُفزِعة وكأنه مريضٌ منذ سنوات بينما الألم منهما يكاد يمزق من يراه رأفةً به، منذ متى لم يذُق طعم النوم؟! منذ تلك الليلة التي اخذ فيها شعرةً من ابنه وقام بتحليلها للتاكُّد من نسبه وهو قد انكسر للأبد، بكى يومها بحُرقةٍ وهو يعترف بأنه اكثر حقارةً من غيد، لقد شكّ بأبوّة الطفل الذي منحه له الله بعد سنواتٍ طويلة ظنّ فيها انّه لن يحصل على من يحمل اسمه، ذلك الصغير الذي لم يغدقه يومًا بحنان الأباء، ولن يستطيع بعد اليوم ان يرفع وجهه امامه، واليوم.. آهٍ من هذا الألم، كيف لجلال ان يخاف على مشاعر بناته بهذه الصورة؟! بل متى اصبحن جزءً من حياته؟ اين كان هو وذلك الغريب يغدوا اكثر قُربًا منه لعائلته؟!

- كلامي ليس معك، ليلى ستعود لي لأجل ترميم عائلتنا، لأجل بناتنا.
صدرت ضحكة هازئة من حور فإلتفت اليها كلّ من جلال وآدم، فتقدمت لتقول بقلبٍ نازِف:
- إياك ان تدخلنا بهذه المُعادلة الخاسِرة، لا تتحدث وكأننا نُهمّك.
نفذ حديثها كسهمٍ صوّب مباشرةً الى قلب والدها الذي شحبت بملامحه بوضوح وقال بتلجلُج:
- ما الذي تهذين به، انتُما بناتي مهما حدث وانا سأظلّ والدكما.

- من ايّ منظور؟!
هتفت حور بحدّة وقد بدأت بالإنهيار لتسقُط دموعها تزامنًا مع كلماتها التي انسابت من جرحٍ قديم لم يندمل بعد:
- ارجوك كيف تُقاس عندك الأبوّة؟! هل بذلك المال الذي ترميه لنا كل اسبوع وكأنك تريد ان تشتري بُعدنا، ام بغيابك الكُلّي عن حياتنا؟!

اقترب جلال يضح يده حول كتفيها يسترجيها ان لا تكمل حديثها، فآخر ما يرغب به هو حدوث تلك المواجهة، صحيح انه يكره آدم بشدّة ولكنه لا يريد لحور ان تفقد وجوده في حياتها حتى إن كان مُجرد ظهورٍ باهت، الّا انها لم تستمع لأحد وهي تطالع وجه ابيها الغارقِ بالأسف لتهمس من بين دموعها:
- عندما كنتُ احارب الموت وحدي لم اجدك بجانبي، ذلك اليوم الوحيد الذي احتضنتني فيه اخبرتني انّك ستكون بجانبي، أتذكُر؟! تلك الليلة التي اخذت فيها اوّل الجرعات، كان الألم يقطّع كل خلية بجسدي ولكنني لم ابكِ لأنّك كنت بجواري، اردتُ ان أُثبت لك انني قويّة وسأُحارب كل شيءٍ لأنّك معي ولكنّك لم تأتي بعد ذلك اليوم، لم تأتي مُطلقًا.

بيوت الرملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن