قال لي « و إذا تحدثتِ عني أذكريني بالخير » و رحل .
ومنذ ذلك الحين و أنا أذكر ذاك الشخص الجيد , ذاك المحب , ذاك من يخشى عليّ من الهواء حتى , ذاك من كان يضحكني حين أبكي , ذاك من يسعدني حين أحزن .
لا زلت أذكرك يا من رحلت , لازلت أذكرك بالخير كما وعدتك .
حنين الماضي يؤلمني , يمزقني ذاك الشعور , تخنقني الذكريات تخزني أشواكها .
يا ليتنا ما التقينا , و يا ليتنا ما كنا , ليتني لم أراك يوماً , و ليتك لم تُعْجَب بي يوماً .
مُتعبةٌ جداً هي الذكريات , مُتعبة حد الموت , لا أستطيع النوم دون أن تهاجمني , كلما اقتربت من غفوتي , تشحذ سكاكينها و تنقض عليّ لتوقظني من غفوة النسيان إلى صحوة الذكرى .
الذكريات كـ سكين يمزق الذاكرة , يترك فيها ندوب لا تنسى , بل يترك كل شيء بالأحرى , حزنٌ قابع في القلب يأبى الرحيل كالذكريات التي في الذاكرة و تأبى النسيان .
ألا يكفينا ألم ؟ ألا يكفينا معاناة ؟ ألا يكفينا وجع ؟ يصدح صوت الذكريات عالياً ليجب "و كأن النسيان سهلاً؟", أجل ! محقة يا ذكرياتي العزيزة , أيبعدك عني فقدان ذاكرة يمحو جميع حياتي ؟ "لن يحدث هذا " , أجل محقة لن يحدث , حتى لو أصبت بفقدان ذاكرة , ستبقى ذكرياته كنقش محفور , يغطيه تراب النسيان و يندفن , ثم تأتي رياح الذاكرة لتنبشه من جديد! .
رويتني لتتركني أعطش وحدي , عومتني لتجعلني أغرق وحدي , جعلتني كـ طفل صغير يعجز عن فراق أمه .
أنا التي لم أعرف الحب يوماً جعلتني أغرق به , و تركتني في نهاية المطاف .
أنا التي ظننت بأنها لن تكون النهاية إذا افترقنا .
ألم يحن موعدة العودة ؟ , ألن نعود من جديد ؟ أهذا كل شيء ؟ أتحبني لأحبك و تتركني لأنساك ؟ و هنا تنتهى القصة ؟ ألم يؤلمك الفراق كما آلمني ؟ ألم تخنقك الذكريات كما خنقتني ؟ ألم تمزقك كما فعلت معي ؟ ليس عدلاً أن أشعر به وحدي , ليس عدلاً أن أحاول كل يوم أن أهرب من الذكرى لتطعنني بسكين يذكرني , يعيد ذاكرتي .
هل لي بلحظة تعود فيها ملكي و ننسى كل شيء ؟,
أم أنني جشعةٌ بهذا جداً؟.أكنتُ سيئة لدرجة أن تبتعد عني ؟ أتسأل بجهل ليصدح صوته في ذكرياتي "كلا لست سيئة, طيبةُ القلب أنتِ" إذا ما المشكلة ؟ "أنا المشكلة , أنا من يجب أن أبتعد" إذا دعني أكون لكَ حلاً و لنحل المعضلة ونعود؟ "لن أعود لستُ صالحاً لكِ" و ما أدراك أنتَ ؟ صالحاً كنت أو لم تكن ؟لنلتقي في المنتصف و نحل هذه المسألة , أرتقي أنت و أنخفض أنا و هكذا تحل المعادلة ! ألا يجوز ؟.
أصبحت مجنونة , أُحاكي ذكرياتي , رغم أنها تؤلمني إلا أنني أستمر في تذكرها , أشفي بها غليل اشتياقي الغبي , لَذْعُ حنيني السيء.