النبوءة المحققة بذاتها

2.7K 114 14
                                    

                   بس الله الرحمن الرحيم

آرائنا المسبقة مسئولة بنسبة كبيرة عن تشكيل مواقف الآخرين
تجاهنا وكيفية تعاملهم معنا .. فإن أخذت -- مثلا - فكرة مسبقة
عن شخص بأنه مخادع (أو يضمر لك سؤ النية) ستعامله على هذا الأساس وتتصرف معه بفظاظة وحذر (وقد لا يستحق ذلك فعلا)..

وحين يشعر هو بمعاملتك هذه يتصرف معك بنفس
الطريقة (لأن لكل فعل رد فعل معاكس في الاتجاه) فتشعر أن ما افترضته فيه كان صحيحا(منذ البداية). ولأنك أصبحت متأكدا
من رأيك الأول - وجرب هو أسلوبك الفظ معه - يستمر
تعاملك بهذا الشكل حتى تصلا لنقطة "اللاعودة" ومرحلة التصادم الحقيقي.

وهذا مجرد مثال لنبوءات شخصية نعمل على تحقيقها وتجسيدها
بدون وعي منا .. وقدرتنا اللاواعية على تحقيق هذا النوع من النبوءات يندرج تحت نظرية اجتماعية (تحمل نفس الاسم) تشرح دور التوقعات المسبقة في بلورة السلوك البشري ..

وهذه النظرية التي وضعها عالم الاجتماع كي ميرتون عام١٩٤٩) تندرج

بدورها تحت ظاهرة أكبر تثبت أن أفكارنا - لا تحدد طريقة معاملة
الناس لنا فقط - بل وتساهم في تشكيل حياتنا وتجسيد أحلامنا وطموحاتنا !

فمن الخطير - فعلا - أن يملك أحدنا "ظنون مسبقة" و"آراء جاهزة"

كونه سيعمل بلا وعي على تحقيقها .. وكل من يملك
شخصية تصادمية - تتمحور حول الشك وسوء الظن – يعمل بلا
قصد على أقلمة من حوله للتعامل معه على هذا الأساس.. فمن
يأخذ – مثلا – فكرة عنصرية ضيقة عن جنسية أو جالية معينة
يتصرف معهم بحذر وتشكيك فيتصرفون هم (بالتالي) برد فعل
مماثل (بحيث) يجسدون آرائنا عنهم على أرض الواقع - فتتأكد
ظنوننا ويزداد رأينا فيهم قوة ورسوخا.

وهذه التركيبة (المحققة لذاتها) قد تحدث بين الأب والابن ،
والمدير والموظف، والحاكم والرعية، بل وبين الدول ذاتها..

فقد ترى الهند - مثلا - أن باكستان تحيك المؤامرات ضدها بسبب
مقاطعة كشمير فتعلن حالة الاستنفار .. ومن جهتها ترى
الباكستان بذلك استفزازا مباشرا فتدفع بقواتها تجاه الإقليم فتنشب
حرب فعلية بين الطرفين.. والتوتر الذي يقع على حدود الدول

بهذه الطريقة هو السبب الأول لنشوب الحروب والصراعات -

حيث يتجسد سوء الظن على أرض المعركة قبل أن يكتشف الجميع عدم وجود سبب حقيقي لمجمل الخسائر !

أما الجانب الايجابي في هذه الظاهرة فهو أنها تعمل بنفس الكفاءة على الجانب المقابل لسوء الظن .. بمعنى؛ حين تمنح
أحدهم ثقتك الكاملة يعاملك (هو) بنفس الطريقة والمستوى

فتأكد (أنت) من صدق حدسك فتستمر في معاملته (ومعاملة جميع الناس) على هذا الأساس .. فكم مرة - مثلا - اشتريت شيئا من بقالة الحي ثم اكتشفت عدم امتلاكك المال الكافي فيقول لك
البائع (لا بأس؛ احضر المال لاحقا) فيتملكك شعور بضرورة

تحقيق ثقته بك وعدم تخيب ظنه بأمانتك فترد له المال بأسرع وقت ممكن.

وهذا الأسلوب (في تجسيد النبوءات الحسنة) قد بشكل أساس
علاقة حسنة ومتينة بين الأب والابن، والمدير والموظف، والحاكم والرعية، بل وحتى بين الدول ذاتها.

على أي حال هذه مجرد أمثلة (وكلي ثقة) بمهارتك في تطبيق
الجانب الحسن من الفكرة على شخصيتك وطريقة تعاملك بإيجابية مع كافة البشر !



النظرية باختصار:
⚫آرائنا المسبقة مسؤولة بنسبة كبيرة عن تشكيل مواقف الآخرين تجاهنا.

⚫حين تأخذ فكرة سلبية عن شخص ما، سيعاملك هو بنفس الطريقة، وتتحقق بالتالي نبوءتك المسبقة فيه.

⚫وفي المقابل، حين تعامل الناس بإيجابية أو تمنحهم ثقتك المسبقة سيعاملونك بنفس الطريقة فتزداد قناعة بأن
جميع الناس أخيار.

نظرية الفستقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن