البقع العمياء في دماغك

1.7K 59 5
                                    

                بسم الله الرحمن الرحيم

توجد في عينيك بقعة عمياء تنعدم فيها الرؤية تماما.. ففي شبكية العين توجد بقعة معتمة تشبة ندبة الجرح (يخرج منها العصب البصري) تعجز عن الرؤية واستقبال الضوء القادم من الخارج!!

وكما توجد بقعة عمياء في عينيك؛ توجد في رأسك أيضا بقع عمياء كثيرة وربما أكثر مما تتصور تعوق تفكيرك بشكل سليم !

وكنت أتمنى لو كان هذا الموضوع من "بنات أفكاري" ولكنني في الحقيقة قرأت عنه في كتاب يحمل نفس العنوان :
(BLIND SPOTS, why Smart people do dumh things?)

فنحن – مثلا –لا نفكر بشكل دائم ومستمر بل نقفز مباشرة إلى الاستنتاج واتخاذ القرارات بحسب ردود الفعل..

كما قد تطغى عواطفنا وتعصباتنا على آلية تفكيرنا فتتخذ قرارات جاهزة أو نقذف الآخرين بأحكام مسبقة (تطلقها حتى قبل انتهاء الموقف أو طرح الآخرين لآرائهم)!!

خذ – كمثال - أحد القراء الذي بعث لي رسالة طويلة ملأها بفتاوى وآراء تحرم الغناء وظهور المرأة في التلفزيون.. وكانت رسالته هذه ردا على مقال تحدثت فيه عن ضرورة توثيق الإبداعات الفردية وكيف أن تسجيلها (كملكية فكرية) يضمن حقوق المبدع

حتى بعد وفاته وضربت مثلا بأغاني أم كلثوم وأحد عشر أديبا وفنانا عالميا يستلم ورثتهم حقوقا مادية عن إبداعاتهم حتى بعد وفاتهم ..

ولكن ما حصل أن صاحب الرسالة كان مصابا ببقعة
عمياء (منعته من رؤية الصورة كاملة) فاكتفي باقتطاع جزئية صغيرة من المقال تناسب أمرا يشغله فبنى عليها وحملها مالا تحتمل!!

وعدم رؤية الصورة الكبيرة" مجرد واحدة من بقع التفكير العمياء التي أوردتها عالمة النفس مادلين فانهيس في كتابها السابق ..

ولضيق المساحة سأستعرض معكم بقية "البقع" دون الدخول في التفاصيل أو القصص والأمثلة التي وردت في الكتاب:

⚫فالبقعة الأولى هي: تصرفنا دائما حسب المعتاد والشائع .. فنحن - ببساطة – تقع أسري العادة، والتصرفات المبرمجة، والقرارات الجاهزة ولا نفكر في ٨٠% من تصرفاتنا اليومية.

⚫البقعة الثانية: اتخاذ قرارات لا نملك حولها أي فكرة خشية اتهامنا بالجهل أو التخلف أو عدم الخبرة.. كما يحدث حين نذهب لمطعم أجنبي فاخر فتقبل عرض النادل بتناول طبق لا تعرفه لمجرد إظهار خبرتنا في الطعام الراقي !!

⚫البقعة الثالثة: عدم ملاحظة ما هو واضح فعلا.. فجهازنا العصبي ببساطة غير قادر على ملاحظة كل شيء في وقت واحد.. وبالتالي يستحسن عدم التسرع و مراجعة الموقف قبل اتخاذ أي قرار.

⚫ البقعة الرابعة: عدم قدرتك على رؤية نفسك أو الحكم على
ذاتك بطريقة محايدة ومجردة..(ولهذا السبب يقول لك الناس: لماذا لا ترى نفسك؟ ... وتقولها أنت أحيانا
للآخرين)!!

⚫البقعة الخامسة: رؤية العالم من خلال ما تعتقده أو تحبه أو تكرهه أو تؤمن به .. ولهذا السبب تقوم بتصرفات غبية كإهداء كتابك المفضل لصديقك الجاهل، أو عطرك الجميل الخالك المصاب بالربو؟


⚫البقعة السادسة: الوقوع في أسر التصنيف والأنماط المسبقة
(وبالتالي العجز عن التفكير بطريقة سليمة أو محايدة بخصوص إنسان أو فئة لا تشاركك ذات الآراء والأفكار والدين والمذهب.. )!

⚫البقعة السابعة: القفز مباشرة إلى الاستنتاج واتخاذ القرارات فالاستنتاج نتيجة للتفكير والتأمل؛ وبالتالي تكثر أخطاؤنا حين نقفز إليه مباشرة
(دون تفكير) اعتمادا على أنماط وخبرات سابقة!


⚫البقعة الثامنة: الاعتماد على أنصاف الحقائق والأخبار المثيرة (ليس بسبب قناعتنا بها) بل لأنها تتوافق مع آرائنا وتوجهاتنا، وبالتالي لا تتردد حتى في نقلها (وإعادة إرسالها)
كما هي؟

⚫البقعة التاسعة: خلق متهم رئيسي نحمله كل مآسينا وسلبياتنا .. فالبعض قد يختار أمريكا أو اليهود أو العلمانيين أو المتشددين لتحميلهم كافة مشاكلنا ومصائبنا ... من السياسة والاقتصاد إلى العزوبية والطلاق!


⚫أما البقعة العاشرة والأخيرة فهي: الفشل في رؤية الصورة الكبيرة والتركيز على جزئية صغيرة لا تشرح مجمل القضية ولكنها تناسب أفكارنا وتوجهاتنا الخاصة مثل صاحبنا السابق الذي اعتذرت منه بقولي: رسالتك مشكلة يتوقعها
كل من يكتب للجمهور.. فحين تشير إلى القمر سيكتفي البعض بالنظر للإصبع !

                             ***





النظرية باختصار:

⚫يمتلي دماغك بثقوب عمياء تمنعك من رؤية الحقائق بوضوح.

⚫ التحيز المسبق، والرأي الجاهز، يقدمان حكماً مسبقاً وجواباً جاهزاً.

⚫ حين تتعامل مع جمهور توقع وجود من يجتزئ من أقوالك وتصرفاتك ما يناسب رأيه فقط.


نظرية الفستقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن