بسم الله الرحمن الرحيم
رغم أن الذكاء من أقدم المواهب البشرية إلا أن العلماء فيه مذاهب شتى؛
فعلماء النفس لم يختلفوا فقط في تعريفه بل (عقدوه) و توسعوا به إلى أنواع وفئات ومجالات متخصصة.. ولكنني شخصيا تجاوزت كل القواعد والاختبارات والتعاريف النفسية وتبنيت في النهاية طريقة بسيطة وواقعية لتعريف الذكاء..
فالذكاء في نظري هو بكل بساطة التصرف بطريقة ذكية حتى إن لم يتجاوز دماغك حجم البصلة و كل من يتصرف بطريقة ذكية يستحق وصفه بالذكاء (حتى وإن ادعى خبراء النفس عدم وجود
فرق كبير بينه وبين الشمبانزي).
ولا أعتقد أنني ابتكرت طريقة جديدة في تعريف الذكاء كوننا ندرك في أعماقنا هذه الحقيقة؛ فنحن نعرف أنفسنا حين نتصرف بذكاء (وخبث) فيتملكنا الزهو والشعور بالانتصار.. ونعرف أنفسنا – أيضا – حين نتصرف بحماقة (وتسرع غير محسوب)
فنقول لأنفسنا "لقد تصرفت اليوم بغباء". حتى عامة الناس تتعرف على الأذكياء والأغبياء بسهولة وتلقائية من خلال تصرفاتهم الفعلية وليس درجاتهم في امتحانات علم النفس.. حتى أغبى إنسان شاهدته في حياتي أكد لي هذه الحقيقة المجردة
من خلال جملة بسيطة ومختصرة.. ففي فيلم (فورست جمب) يجيب بطل الفيلم على كل من يتهمه بالغباء والبلادة بجملة جاهزة
وجواب قاطع: "الغباء هو التصرف بغباء"
stupid is as stupid"
..does"
وهذا القول يروقني كثيرا كونه يتجاوز المظهر الخارجي (الذي قد يوحي بالغباء أو الذكاء) ويحكم
مباشرة على التصرفات والأفعال ذاتها.. فأنت ببساطة ما تفعله وتقرره ويحكم عليك الناس من خلاله.. إن فعلت أو اتخذت قرارات غبية تكون "غبيا"
وإن فعلت أو اتخذت قرارات ذكية تكون "ذكيا".
وكل هذا يعني أن مسألتي الذكاء والغباء تتضمنان جزءا إراديا واختيارا شخصيا بصرف النظر عن الدرجة التي تحققها في
اختبارات الذكاء.. وقناعتك بهذه الحقيقة من شأنه رفع مستوى
ذكائك من خلال ملاحظة هذه الآلية والحرص على التصرف بذكاء وعدم تكرار أخطاء الماضي.
والجميل أنه يمكنك حتى استباق أخطائك و تجاريك من خلال مراقبة الأذكياء ومحاكاة قصصهم ومواقفهم وتصرفاتهم الذكية ..
فمن خلال دراسة تلك التصرفات ومحاولة تقليدها يمكنها أن تتحول - بمرور الأيام - إلى طبع خاص وجبلة أصيلة فتصبح بنظر الناس – على الأقل - داهية زمانك.
وفي الأسطر التالية سأقدم نماذج عملية لكيفية رفع مستوى ذكائك بشكل فوري ومباشر.. سأفعل ذلك من خلال إخبارك بأربع قصص ذكية حاول اكتشاف مكامن الذكاء فيها ومحاولة
تبنيها في حياتك (حتى تصبح طبعا ذاتيا يظهر في كافة المواقف المشابهة):
⚫ فعلى سبيل المثال: في عقد السبعينات، وطوال عشرين عاما دأب أحد المواطنين البلجيك على عبور الحدود نحو ألمانيا على دراجة هوائية بشكل يومي تقريبا. وكان يحمل على ظهره - دائما - حقيبة مملوءة بالتراب (ولا شيء غير التراب).
وبالطبع أثارت رحلاته شكوك رجال الحدود
الألمان وكانوا على يقين من أنه "يهرب" شيئا ما. وعبثا استعانوا بخبراء التفتيش وأفضل الكلاب وأحدث الأجهزة
ولكنهم في كل مرة لا يجدون شيئا غير التراب (!)
السر الحقيقي لم يكتشف إلا بعد وفاة السيد ديستان حين وجدت في مذكراته الجملة التالية: "حتى زوجتي لم تعلم أنني
بنيت ثروتي من خلال تهريب الدراجات إلى ألمانيا" !!
(وبناء عليه؛ من الذكاء ذر الرماد في العيون وتحويل أنظار الناس عن هدفك الفعلي )!
⚫ومن الحكايات الذكية أيضا ما جاء عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال : دعاني رسول الله (صل الله عليه وسلم) ونحن في غزوة الخندق
فقال لي: اذهب إلى القوم (أي معسكر قريش) فانظر ماذا يفعلون، فذهبت فدخلت بينهم والريح من شدتها لا تجعل أحدا يعرف أحدا)
فقال أبو سفيان: يا معشر قريش لينظر كل امرئ من يجالس (خوفاً من الدخلاء والجواسيس)
فقال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي
بجانبي و قلت: من أنت يا رجل؟ فقال وقد تملكه الذعر : أنا فلان بن فلان!
إذا من الذكاء أخذ زمام المبادرة والتصرف بثقة تبعد عنك الشكوك).
⚫وتحدث يوما يحيى بن جعفر فقال: سمعت أبا
حنيفة يقول:احتجت إلى الماء بالبادية فمر أعرابي ومعه قربة ماء فأبى إلا أن يبيعني إياها بخمسة دراهم فدفعت إليه الدراهم ولم يكن معي غيرها .. وبعد أن ارتويت قلت: يا أعرابي: ما رأيك في
بعض السويق (طعام من حنطة وشعير جاف)
قال: هات ..
فأعطيته سويقاً جافاً أكل منه حتى عطش ثم
قال : ناولني شربة ماء؟ قلت: القدح بخمسة دراهم؛ فاسترددت مالي واحتفظت بالقرية !!
(إذا من الذكاء اختلاق فرصة الفوز من خلال إخفاء النية وخلق الظروف المواتية)!!
⚫ وأخيراً؛ يُروى أن أميرا فرنسيا عاد يوما إلى قصره والقلق باد على وجهه فسألته زوجته عن السبب فقال: أخبرني الماركيز كاجيلسترو
(الذي اشتهر بممارسة السحر والعرافة) أنك
تخونيني مع أحد أصدقائي فصفعته بلا شعور .. فوجئت الزوجة( الخائنة) بمهارة العراف ولكنها قالت بهدوء: هل أفهم من هذا أنك لم تصدق ادعاءه؟ قال: لم أصدق ذلك بالطبع ولكني قلق لأنه رمى علي سحره وقال: إن كان كلامي صحيحا ستستيقظ غدا وقد تحولت إلى قطة.. وفي صباح اليوم التالي حدث ما لم يكن بالحسبان؛ فحين استيقظت الزوجة وجدت بالفعل قطة تنام بجانبها فسقطت
من السرير من فرط الرعب والفزع، ثم عادت وركعت أمام القطه تعتذر وتطلب منها الصفح والغفران.. وفي تلك اللحظة بالذات خرج الزوج من خلف الستارة وبيده سيفا مسلطا !
(إذا من الذكاء استغلال تصديق الآخرين بالخرافة والاتجاه يتفكيرهم إلى نهاية تصب لصالحنا)!
و مرة أخرى، هذه القصص مجرد نماذج لقصص كثيرة ذكية أنصحك بمحاولة اكتشاف عنصر الذكاء فيها ثم محاولة تبنيها وتعميمها في كافة تصرفاتك اليومية حتى تصبح عادة وطبعا دائما.
إن لم تفهم الفكرة حتى الآن.. فلا تشغل بالك؛ وأنس
الموضوع!
النظرية باختصار:
⚫لا تشغل نفسك بتعريفات الذكاء وتذكر -- دائماً - أن الأذكياء هم من يتصرفون بطريقة ذكية.
⚫ الذكاء لا تصنعه فقط عوامل الوراثة ومادة الدماغ، بل وأيضاً التجارب والتعلم من الأخطاء.
⚫استخلص (عنصر الذكاء) من القصص والمواقف
الذكية و حاول تمثلها في حياتك.
اذا اتممت القراءة " صل على رسول الله "
