تغيير في خططها

174 10 11
                                    

حدث كل شيء في لمح البصر، لم تجد إلا جسدها المنهك يهوي الى الأرض، كانت تبدأ بفقدان كافة حواسها و الإستسلام لهذا الشعور الذي بدا لها جذاباً و مريحاً.
و هي تغمض عينيها إنتشلها صوتٌ قوي صوتٌ قد حفظته عن ظهر قلب، أدارت رأسها ناحيته لتجده يركض كالمجنون ناحيتها و هو يصرخ باسمها هذا الإسم التي ظنّت أنها لن تسمعه مجدداً فقد مرّت 8 سنين منذ آخر مرة ناداها أحدٌ به.
سماع هذا الإسم جعلها تستعيد الذكريات الأليمة و تسأل نفسها متى بدأ كل شيء هل من اللحظة التي ولدت بها و تخلى والدها عنها، أو من تلك الحادثة التي أخذت منها ما لا يمكن تعويضه تلك الحادثة الكبيرة التي غيرت حياتها بالكامل أو ربمى منذ شهرين...

منذ شهرين

-لقد تأخرنا كثيراً  و للأسف لم يعد هناك شيء نستطيع فعله  الآن سوى أخذ المسكنات لتخفيف الألم و أن ندعوا الله بأن نجد متبرعاً مناسباً في أقرب وقت.
قال الطبيب بلهجة حزينة و هو ينظر إلى الفتاة الشابة ذات الوجه الملائكي التي جلست أمامه منتظراً ردة فعلها.
صمتٌ طويل جاب المكان إلى أن أعادت الفتاة نظرها نحو الطبيب لتسأله بلهجة جادة
- كم من الوقت تبقى؟
- حوالي... 6 أشهر..
قاطعته قائلة : سأحدد السؤال أكثر، إلى متى تظن أنه بامكاني التمتع  بحياة عادية بغض النظر عن الألم و الأدوية المسكنة؟
- حسب نتائج التحاليل... على الأغلب لشهرين...
- حسناً.
و قفت و هي تمد يدها ناحية الطبيب قائلة شكراً، قام هو بالتالي برد المصافحة لها ثم توجهت هي ناحية الباب و خرجت. لقد كان الطبيب مصدوماً بردة فعلها أو بالأصح متفاجئ لأنها لم تبدي ردة فعل، فعندما يسمع الإنسان في العادة بخبر كهذا فهو بطبيعة الحال ينكر الأمر و يكذّب الطبيب ثم يبدأ بالبكاء.
لم يكن يعرف أن هذا آخر شيء قد تفعله ، هي لن تبكي أبداً أمام أي شخص، فقسوة الحياة جعلتها صلبة كالصخر.

ما إن خرجت من المشفى وضعت قبعتها و نظاراتها الشمسية و هذه عادة لا تنساها عند الخروج في فترة النهار فهي لا تحب التواجد في الأماكن العامة و تميل إلى الإنعزال و عدم لفت الأنظار.
عدلت قبعتها و بدأت بالسير و مئات الأفكار تجول بذهنها تمشي بلا وعي تسمح لقدميها أن يجرانها إلى أي مكان عدا المنزل فهي لا تريد لجدها أو خالها أن يريانها على هذه الحال لا تريد أن تقلقهم من جديد، أخذت تفكر بماذا ستفعل إلى أن وجدت نفسها تقف أمام مبنى ضخم التي تملكه شركة عائلة والدها لقد عرفت منذ زمن أنه مازال على قيد الحياة و عرفت كنيته الحقيقية  بسبب الفضول، إلا أنها لم تقم أبداً بالقدوم للتكلم معهم فبالنسبة له إنها شخصٌ مات و دفن منذ سنين و هو ميّت بنظرها هي لم تكرهه يوماً رغم كل ما حدث فهي تتفهم موقفه ناحيتها و لا تلومه على كرهه لها لكنها لم تسامحه عن التخلي عن شقيقها الذي لم يكن ذنبه سوى أنه إعتنى بها و كان خير الأخ و الأب و الأم لها، كان شقيقها هو الشيء الوحيد الجميل في حياتها.

أخذت تمشي لتقطع الرصيف متجهة ناحية المبنى
-  ما هذا الهراء الذي أفكر به بأي صفة سأدخل في الوسط.
أدارت ظهرها بهدف العودة لكن صراخ إمرأة في الطرف الثاني من الطريق دفعها إلى النظر ناحيتها.

لمحت طفل يركض إلى منتصف الطريق و سيارة مسرعة تتجه ناحيته ما ان رأته حتى ركضة ناحيته بشكل تلقائي حين أدركت أنه لا مفر من الإصطدام بالسيارة قامة بضم الولد إلى حضنها و القفز بإتجاه السيارة واضعة ثقلها على جنبها لتخفيف وطأة الإصطدام حامية الطفل من أيّة أذية و أما السائقف قد قام بالدعس على الفرامل لإيقاف السيارة.

أدى هذا الأمر إلى كسر الزجاج الأمامي و إطاحتها أرضاً و هي تتدحرج محتضنة الطفل.
عدّلت الفتاة جلستها وهي تتفحص الصغير بنظرها وضعت يدها على ذراعيه :
- هل أنت بخير، هل جرحت
لم يجب الطفل بل قام بالوقوف و هو يبكي باحثاً بنظره عن أحد يعرفه ...
هنا تنهدت بإرتياح و أسرعت لكي تلتقط قبعتها التي وقعت على الأرض أتى رجل يركض ناحيتهما منادياً على الطفل : جواد... جواددد..... هل أنت بخير .
أما السائق فقد خرج من سيارته متجها نحوهما :
-  هل أنتِ بخير.
عدلت وقفتها و أجابت : أجل، و أنا آسفة بشأن السيّارة، هل تملك تأميناً؟
-  أجل أملك.
- هذا جيد و هذا رقمي إن كان هناك فرق في مبلغ التأمين  فإتصل بي سأسدد الفرق. قالت للرجل و هي تخرج ورقة من محفظتها و تكتب عليه رقمها
أعطتها للرجل ليتدخل شخص اخر:
- آسف يا آنسة، لكن أعتقد أننا نحن من يجب عليهم تولي هذا الأمر  نشكرك لإنقاذ جواد و نحن من يجب عليه تولي أمر كلفة الضرر. قال الرجل و هو يحمل الطفل

لحظة هذا الطفل هل قال جواد لقد عرفت لما يبدو مألوف، نظرت ناحية الطفل بإنزعاج.

- ماذا يحدث يا رامي لما أنت في وسط الطريق.
عند سماعها لهذا الصوت اتسعت عيناها ناظرة ناحية المتكلم بعينين واسعتين  فلمحته، لمحت هذا الرجل الذي لم يشبه شقيقها الراحل في الصوت فقط بل ملامحه أيضاً بدت متشابهة لم تشك للحظة بهويته فهي قد رأت صورته بين صور أفراد العائلة، إنه آدم الإبن الأكبر و الوحيد لذلك المدعو والدها .

-أ.. أ.. أبي... صرخ الولد باكياً فأنزله الرجل ليركض إلى عند والده.
قامت بتعديل قبعتها لكي تخفي وجهها و باشرت بالسير.

إنها على وشك أن تنفجر من مجموع المشاعر المتضاربة لذلك عليها أن تذهب بسرعة قبل أن يراها.
-آنسة إلى أين؟ إن يدك تنزف.
قاطعها صوت الرجل المدعو رامي .
أكملت سيرها و هي تلوح بيدها المصابة :
-لا بأس أستطيع تحريكها.
-لكن
-قلت لا يوجد بها شيء.

ذهبت بسرعة و دخلت في أول زقاق وجدته أمامها.
وفي داخلها أخذت تتشكل عاصفة من المشاعر الممزوجة بين الحب و الغضب و الكراهية .هي لم تكن تخطط لأن تقابلهم.

شيء تغير داخلها ما إن رأته، فكرة جديدة خطرت لها. لقد ندمت على أشياء كثيرة في حياتها و لا تريد أن تندم الآن.
عليها إغلاق كل الصفحات القديمة في الوقت المتبقي كما أن هذه كانت رغبة أخيها الراحل فهي لم تنسى كلماته الأخيرة... كل ما عليها هو التقرب منهم من دون أن يعرفوا هويتها.....

و تقاطعت طرقنا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن