الحلقة الرابعة

233 19 3
                                    

#طبيب_القلوب ( 4)
✍ رويدة الدعمي

عنوان الحلقة 🍃 الحياة مدرسة.. يا فدوى!!

استأذنت من زميلاتها واتجهت نحوه بكل أدب..
- تفضل اخ شهاب.. هل من خدمة؟
- لا أعرف ماذا أقول.. لكن هل أنتِ جادة بقراركِ هذا؟
- نعم يا شهاب.. لقد قدمت الطلب وأنتظر الآن الموافقة، علما اني ذهبت في البدء إلى كلية الهندسة وحصلت على الموافقة بقبولي فيها ولن تبقَ إلا موافقة عميد كلية الطب.
- ولكن هل لي أن أعرف السبب؟
- القصة طويلة.. ولا أريد أن أصدع رأسك بها.
جلس على احد المقاعد المنتشرة في الحديقة وأشار إليها للجلوس وهو يقول : تحدثي ارجوكِ.. لعلي أستطيع مساعدتكِ. 
قالت فدوى وهي تحاول أن تكون متماسكة : لقد كرهت هذه المهنة منذ وفاة والدتي عندما كان الأطباء لا يعاملونها كما يجب.. كانت تتألم أمامهم وتتلوى وفي بعض الأحيان تصرخ بأعلى صوتها من شدة الوجع لكنهم ينظرون إليها وكأن شيئاً لم يكن.. كنت بجانب مُربيتي حينما قامت بسؤال الدكتور عن حالة والدتي فسألها : وما هي قرابتك منها؟
قالت له في حينها انها أمها وأشارت إلي بالقول : وهذه ابنتها . نظر إليَّ الطبيب وكنتُ غارقة بدموعي ثم قال :
المرض منتشر في كل جسمها.. وليس هناك أي أمل في شفاءها!
صدمتُ من فوري 😱 ووقعت أرضاً مغشياً عليّ ولم أفق إلا بعد يومين من شدة الصدمة.
لم تستطع فدوى إكمال حديثها.. لقد خنقتها العبرة، اخرج شهاب منديلاً من جيبهِ وهو يقول : إمسحي دموعكِ ارجوكِ.
أخذت فدوى المنديل بيدين مرتجفتين وهي تقول :
لقد كان قاسي القلب جدا 🖤 بل وكأنه بلا قلب اصلا.. حتى الممرضات في حينها لم يقمن بالواجب رغم أن المجتمع يطلق عليهن لقب ( ملائكة الرحمة)!! 😇
كرهت مهنة الطب والتمريض، وقررت أن أمتهن اي مهنة إلا هاتين المهنتين!
لكن ابي أصر على أن أتقدم لكلية الطب بعد أن رأى معدلي عال جدا.. لم أشأ مخالفته ، خاصة أنه من الذين تصعب مخالفتهم ويصعب إقناعهم برأي غير رأيهم.
دخلت هذه الكلية رغماً عني 😞 وتذكر كيف قضيت المحاضرة الأولى وسط دموعي وحزني الشديد.
قال شهاب متسائلا : ولكنني ظننت انكِ بكيتِ بسبب إهانة الأستاذ لك ببعض الكلمات الجارحة ❣️
- نعم هذا كان أحد أسباب دموعي لكن السبب الحقيقي أنني كنت غير راغبة بالدخول لهذه الكلية على الإطلاق!
- ولكنكِ بعد تلك المحاضرة كنتِ طبيعية جداً ، حتى اني أجد علاقتكِ بباقي الزميلات علاقة جميلة ومتينة رغم أننا ما زلنا في الشهر الأول!
- نعم صحيح.. ولكن الموقف الذي مررتُ به يوم أمس في المشفى حينما أخذتُ مُربيتي الى هناك جعلني أعزم على ترك كلية الطب.. قسوة الطبيبة وإهمالها المتعمد لحالة خالتي رغم أنني أخبرتها انها مصابة بداء السكري وضغط الدم المرتفع، وكذلك الكلام الجارح للممرضة جعلني استرجع ذكرياتي مع أمي في المشفى في أيامها الأخيرة.. لهذا عادت إلي مشاعر الكراهية والبغض لهذه المهنة.
- لكن اتعرفين يا فدوى بأن هذه المهنة أشرف وأقدس المهن على الإطلاق؟ هل تعرفين ماذا يعني أن تنقذي أرواح البشر؟
- لكني لم ألتقِ بطبيب يحمل هذه الإنسانية التي تتحدث عنها!
- أما أنا فلقد التقيت بهذا الطبيب صدقيني.. لقد أشرف على حالة والدي.. اتصدقين انه ما أن علم بأننا لا نملك من حطام الدنيا شيء حتى قرر أن يعالج والدي بدون اي مقابل..؟!
أتذكر انه يومها قال لي : متى ما ساءت حالته اتصل بي فوراً حتى لو كان  ذلك بعد منتصف الليل!
وفعلاً فلقد ساءت حالة والدي واتصلت بهاتفهِ الشخصي 📲وحينها كان نائماً لكنهُ ما أن سمع بحالة ابي حتى كان عندنا بعد نصف ساعة فقط!
قالت فدوى : وهل كان يعالج والدكَ بالمجان؟
هز شهاب رأسه قائلا : نعم أقسم بالله على ذلك.
ثم أردف محاولاً ثني فدوى عن قرارها الأخير :
- اسمعي يا أختاه.. لا تحكمي على جميع البشر من موقف أو موقفين.. ان هذه الحياة مدرسة 🏫 وكما أن المدرسة فيها الطلاب الجيدين والطلاب السيئين، وكما أن فيها المعلمين الجيدين والمعلمين غير الجيدين فالحياة أيضا فيها أنواع البشر رغم انهم يمتهنون نفس المهن لكن طباعهم وأخلاقهم تختلف ! فلا يمكن أن نحكم عليهم بهذه الطريقة.. ولقد شبهتها بالمدرسة أيضا لكوننا في المدرسة نتعلم الكثير وكذلك في الحياة المواقف المختلفة تعلمنا الكثير وكل يوم يتغير شيء في أذهاننا نحو الأفضل..
قاطعته فدوى : ولكن يا شهاب ألا ترى أن الأعم الأغلب من الأطباء والطبيبات في بلدنا كما وصفتهم أنا..؟!
قال وهو يحاول اقناعها بكل ثقة :
- حتما إن ظروف البلاد السيئة وكثرة المرضى يؤثر سلبا على نفسية الأطباء وكذلك الممرضين.. فالظروف الصحية لبلادنا غير مشجعة على الإطلاق، وعدد المرضى في ازدياد نتيجة سوء الأوضاع للأسف الشديد.
- ولكن لماذا نرى أخلاقهم عالية في عياداتهم الخاصة؟!
يبقى شهاب صامتا وتكمل فدوى بكل حماس كمن انتصر في المعركة : حسنا.. أنا سأخبرك لماذا! في عياداتهم كل مريض يدخل يعني أن الوارد 💰 ازداد اليوم، اما في المشفى فسواء كان مريض واحد أو ألف فإنه سيستلم نفس المرتب💵 في آخر الشهر!!
قال شهاب وهو ينظر إلى ساعته ⌚ :
- حان موعد المحاضرة وأرجو أن تغيري رأيك بخصوص انتقالك إلى كلية أخرى .. ستثبت لك الأيام يا فدوى أن هناك أطباء شرفاء ويخافون الله.
بعد المحاضرة اتجهت فدوى مع شهاب لسحب طلب النقل.. قالت له وهما في الطريق إلى مبنى العمادة : أن كان العميد قد وقع على الطلب فهذا يعني أن الله سهل لي أمر النقل وسأرضخ للأمر الواقع، أما أن كان إلى الآن لم يره ولم يوقعه فسأسحب الطلب فورا.
دخلا غرفة السكرتيرة👩‍💻 وطلبا منها معرفة ما جرى بخصوص الطلب، فقالت وهي تبحث في الأوراق📑 التي أمامها : أظن ان الطلب الآن عند المدير.. انتظروا الأستاذ شادي ما إن يخرج حتى اسمح لكم بالدخول عنده .. تفضلوا بالجلوس.
قالت فدوى وهي تميل برأسها نحو شهاب وكأنها تريد أن تهمس له بسرها : أكثر شيء يقرفني في هذه الكلية هو الأستاذ شادي!!
همس شهاب وهو يهم بالجلوس : هذا بسبب تأخرك في محاضراته ولمرتين متتاليتين..صحيح ان اسلوبه قاسي لكنه يصنف ضمن أفضل أستاذة الطب في بلدنا على الإطلاق!
بعد عشرة دقائق من الانتظار خرج الأستاذ شادي وما أن رأى فدوى حتى رمقها بنظرة غريبة جعلت كل فرائصها ترتجف، لاحظ شهاب ارتباكها وقد فسر الأمر لكونها تكره هذا الأستاذ ولا تطيق رؤيته لكن الحقيقة أن نظرة ذلك الأستاذ كانت تحمل خلفها غرائز حيوانية قذرة!!
دخل الاثنان غرفة العميد وسلما عليه وعرفته فدوى بنفسها وبأنها صاحبة طلب النقل.
قال العميد وهو يخرج الطلب : لقد وقعته.. 🖊️
شعر شهاب بالإحباط 💘 ولم يعرف ما الذي أصابه حينها..؟! لماذا هجم عليه الحزن مرة واحدة؟ ماذا يعني لو أن فدوى انتقلت إلى كلية أخرى؟! ما الذي جعله يربط مشاعره بها إلى هذه الدرجة!
ابتسمت فدوى ومدت يدها لأخذ الموافقة إلا أن العميد سحب الورقة وأعادها إلى مكانها وهو يقول...

#يتبع

وللقارئ الفطن أن يتخيل ماذا قال لها العميد!! 😉

طبيب القلوب  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن