الحلقة التاسعة عشر

177 24 3
                                    

#طبيب_القلوب (19)

✍رويدة الدعمي

عنوان الحلقة / وداعاً لسنوات الشقاء.. 💙

في إحدى زيارات شهاب للسجن سأله والد فدوى قائلاً :
- هل يستجيب الله تعالى دعاء التائبين حديثاً؟
ابتسم شهاب وهو يقول : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ) هذا هو كلام الله في كتابه الكريم.. يقول اذا سألك عبادي - ولم يحدد - فالآية تشمل العباد جميعهم دون استثناء!!
قال وقد دمعت عيناه : سأدعوه أن يُفرِّج عني وعن كل السجناء هنا.. لقد أتعبني الفراق يا ولدي.. وأنا متلهف جداً للعيش مع ابنتي الحبيبة في آخر سنيّ عمري.. واطلب منك يا دكتور أن تدعو لي أيضاً في صلاتك ومناجاتك أن يشملني الله بعفوه ومغفرته، وأن يتنازل أقاربي عن قضية القتل بعد كل هذه السنوات من العقوبة القاسية.
- سأدعو الله لك من كل قلبي بأن يفرج عنك وعن كل مهموم، وانت أيضاً يا عم عندما تدعو تذكر :
( إن كان لك حاجة وليس لك قدرة ، فإن لك رب له قدرة
وليس له حاجة ).
وتذكر أيضاً هذه الكلمات التي صدرت من أحد المصلحين وهو يقول :
( في احيانٍ كثيرة تجد شدّة البلاءات المتراكمة نعمة وليست بلاء ! لأنك ترى آثارها الجميلة ، تراها اختراق للحجب التي بينك وبين السماء فتبتهج بحجم شدة هذه البلاءات لانها فتحت لك طرقاً نحو الغاية التي خلقت لأجلها ، فلا تفكر كثيراً في بلائك بل فكر كيف تستغل هذا البلاء للوصول الى الغاية الأسمى.. ومن هذا المنطلق سيتلاشى البلاء تدريجياً وينقضي ان شاء الله.)
وتذكر إذا تأخر استجابة دعائك لبعض الوقت :
إن بعض الناس الذین يحبهم الله ، لكي يوفقهم و يزيد من توجههم إليه ، يؤجل استجابة دعاءهم ، حتى يدعونه أكثر!
وأخيراً تقبل مني هذه النصيحة والحكمة الرائعة :
إذا لم تجد عدلاً في محكمة الدنيا ، فارفع ملفك لمحكمة الآخرة فان الشهود ملائكة والدعوى محفوظة والقاضي أحكم الحاكمين.
كانت لهذه الكلمات صداها الأكبر في قلب ذلك السجين التائب الذي اشتاق إلى حياة الحرية والعيش بما بقي له من عمر مع ابنته الوحيدة..
بدأ والد فدوى حياة جديدة في السجن تملؤها التفاؤل والأمل، وكان يكثر من قراءة القرآن ويقضي ما فاته من صلوات في السنين الماضية خاصة بعد أن عادت إليه صحته بفضل العلاجات التي كان يصفها له الدكتور شهاب.
وكان يصلي صلاة الليل كما علمه الدكتور شهاب ثم يبقى يدعو لنفسه لعل الله يغفر له ذنوبه ويشفع له في قضاء حاجته وهي الخروج من السجن.
بعد  ثلاثة اشهر فقط جاءه خبر الإفراج .. فلقد تنازل أبناء عمومته عن الدعوة وهم الآن يطلبون له الحرية!
💙💜💚
مضت أعوام عدة على خروج والد فدوى من السجن، وها هي فدوى قد عادت للعيش مع والدها ومُربيتها ولا ينقص سعادتها الآن غير خبر خطوبتها من شهاب!
كان الأب يشعر بأن ابنته تعاني أمراً ما.. ولكن لم يشأ أن يجبرها على البوح، قال لها مرة :
- لقد افتتح الدكتور شهاب عيادة خاصة به وأريد أن أذهب لزيارته.. ما رأيكِ أن ترافقينني لرؤيته..؟
- ماذا!! أنا؟
- ولِمَ لا؟ اريد ان اعرفكِ عليه.. انه رجل فريد من نوعه يا ابنتي.
صمتت فدوى ولم تجد ما تتعذر به، قال لها والدها وهو يحاول اقناعها بمرافقته :
- كما سينفعنا كثيراً في مسألة افتتاح عيادة لكِ عن قريب.. سنعرف منه ما هي كلفة افتتاح العيادة ، وخاصة أنه في نفس اختصاصك ..!
أذعنت فدوى لطلب والدها ورافقته إلى عيادة شهاب وهي لا تعرف ما الذي يمكنه أن يجري هناك!
وما أن وصلا العيادة حتى شاهدا لافتة كبيرة مُعلقة فوق الباب مكتوب عليها ( للفقراء مجاناً.. لعلَّهم يشفعوا لي عند الله).
لم يتعجب أياً منهما فهذا ما كانا يتوقعانه منه.. أوليس هو الأمير.. طبيب القلوب؟!
وفي العيادة ارتبك شهاب وهو يرى فدوى مع والدها لكنه حاول أن يبدو طبيعياً.. رحب بهما وصار يسأل العم عن صحته وأمور حياته.
أجابه وقد ارتسمت على ثغرهِ ابتسامة رضا :
- لقد كانت لكلماتك ونصائحك الأثر الكبير في الإفراج عني!
قال شهاب وهو يتمتم بخجل : لم افعل اي شيء يذكر.. كل ما انت فيه هو من فضل الله يا عم.
وهنا طرق السكرتير الباب وهو يقول : أن اخواتك في الانتظار يا دكتور.. هل اسمح لهن بالدخول؟
قال شهاب وقد اتسعت حدقتا عينيه : لا.. عندي ضيوف الآن.
قال والد فدوى وهو يشير إلى ابنته بالقيام : نحن نستأذن يا دكتور.. لا نريد أن نأخذ من وقتك أكثر..وسنزورك في وقت لاحق .. يمكنك استقبال اخواتك.
قال شهاب وهو يشعر بالإحراج قليلاً : أنهن متشوقات لرؤية العيادة..!
ضحك والد فدوى وهو يقول : هذا من حقهن.. يُردنَ أن يفخرنَ بأخيهنَّ الطبيب!
خرجت فدوى مع والدها وما أن رأتها سهام حتى أسرعت نحوها وهي تردد بلهفة : فدوى حبيبتي.. لقد سبقتِنا في رؤية العيادة!
لم تلتفت سهام إلى وجود والد فدوى معها ولم تلتفت إلى ارتباك فدوى فأكملت حديثها بالقول : لكن كيف جئتِ وحدكِ.. أين هي الخالة سمية؟
قال الوالد الذي أصابته الدهشة وهو يخاطب ابنته : هل هذه الفتاة شقيقة الدكتور شهاب؟ أتعرفين عائلة الدكتور شهاب يا فدوى؟

قالت ختام وقد قامت لإلقاء التحية على فدوى : وكيف لا تعرفه يا عم؟ انه خطيبها!
لم تشعر فدوى ما الذي حصل.. لقد صارت الدنيا تدور بها ثم سقطت أرضاً..!!
صارت الأخوات الثلاثة يصرخن بصوت واحد : شهاب.. فدوى سقطت مغماً عليها.. أسرع!!
كان الأب ينظر وهو لا يعرف ما الذي يجري؟ ما علاقة هذا الطبيب بابنته؟ ولماذا تدّعي تلك الفتاة بأن فدوى خطيبته؟ هل يمكن انه لم يسمعها جيداً!؟
طلب شهاب من والدها إدخالها إلى العيادة ..وهناك رش على وجهها كوباً من الماء مع بعض الصفعات الخفيفة بيد سهام فاستيقظت.. وما أن جاءت عيناها بعيني شهاب حتى صارت دموعها تجري انهاراً وهي تخاطبه بالقول  :
- شهاب! هذا ابي أمامك.. إما أن تطلب يدي منه وإما أن تخلع خاتم الخطوبة الآن لينتهي كل شيء.. فما عدت اتحمل كل هذه الفوضى في حياتي!
قال شهاب وهو يلاحظ نظرات والدها له :
- إن كان الأمر كذلك فاتركونا انا والعم لوحدنا رجاءا..!
قامت فدوى بمساعدة سهام وأختيها ليخرجن جميعاً من الغرفة.. بينما بقى والدها مع شهاب ينتظر منه الإفصاح عن كل ما يجري!
قال شهاب وهو يشير للعم بالجلوس :
- استميحك عذراً يا عمي.. لكني كنت مضطراً لإخفاء الأمر عليك كل هذه المدة!
انا هو ذلك الشاب الذي جاءك إلى السجن منذ سنوات لخطبة الآنسة فدوى.. أتذكر؟
قال والدها وهو غير مُصدّق : ماذا؟ انت هو نفسك ذلك الشخص؟!!
- نعم يا عمي.. اقسم بالله على ذلك!
خلع شهاب النظارة الطبية وهو يقول : انظر إليّ جيداً..لعلك تذكرني ..لم اكن ارتدي نظارتي هذه؟!
- نعم فعلاً.. انهُ انت!
ثم أردف وهو يشعر بالخجل : اعذرني يا دكتور.. لقد خانتني الذاكرة!!
اكمل شهاب وهو يقول بأدب : انا من يجب أن يعتذر لقد اخفيت عنك الأمر كل هذه المدة.. ويشهد الله إنني بعد التخرج من الكلية مباشرة زرتك في السجن خصيصاً لعلك ترضى هذه المرة بأن تزوجني ابنتك.. لكنني وجدتك بحالة صحية سيئة جداً فقررت أن اؤجل الحديث بالموضوع!
- ولكن يا ولدي.. مرت أعوام ونحن نلتقي .. في السجن وخارج السجن ونتواصل هاتفياً أيضاً.. فلماذا لم تخبرني بمقصدك؟
- لا أعلم بالضبط سبب تخوفي .. أو بالاحرى أظن أنني كنت أخشى إن عرفتني ستتغير نظرتك عني.. فلقد جمعتني بك علاقة طيبة من المحبة في الله و..
لم يدعهُ يُكمل فقام من مكانه وقبَّلَ جبهته وهو يقول :
- انت أشرف انسان عرفته في حياتي يا دكتور.. لقد ضحيت بسعادتك من أجل هدايتي إلى طريق الهدى والصواب .
قال شهاب وهو يشعر بالخجل : تمنيت أن أعود إلى خطبتها بعد خروجك من السجن مباشرة لكن حالتي المادية كانت صعبة بعض الشيء فأنا مسؤول عن أخواتي الثلاثة وعن مسؤولية بيت بالكامل.. ففكرت ان أؤجل فكرة الخطبة والزواج إلى ما بعد افتتاحي للعيادة لعلها تعينني مادياً في تحمل مسؤولية الزواج وتكلفته.
قال والد فدوى بدهشة : وعندما كنت أسألك عن أمر خطوبتك كنت تتهرب من الإجابة وتقول بأنك تنتظر التسهيل من الله..!
ها هو الله يسهل عليك يا ولدي بعد كل هذا الصبر والانتظار، لقد جاء بنا اليوم وجاء بأخواتك في نفس الوقت حتى اعرف انا بالحقيقة التي أخفيتها عني كل هذه السنوات!
قام من مكانه وفتح الباب لينادي على ابنته وهو يقول :
- تعالي إلى هنا يا حبيبتي.. ما اسعدني وصهري هو الدكتور شهاب..!
وما أن سمعت سهام كلمة ( صهري ) من والد فدوى حتى حضنت فدوى وهي تبكي وتقول : وأخيراً حصلت الموافقة.. الحمد لله.. الحمد لله.. قريباً ستكونين زوجة أخي! 💞
.
#يتبع

طبيب القلوب  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن