(١) ضيوف من الماضي

82 5 0
                                    


(الراوي )
كان الزمانُ صيفاً .. في شهر اغسطس الحارق ...... على سطح بيتٍ دمشقيٍّ عربيٍّ قديم .... تجلس سهير على كرسي مهترئ ... تتجرع اقداحَ الشايِّ قدحاً تلو الآخر ...على الرغم ... أنّ البوظة هي اللذةِ المستحبة في مثلِ هذا الوقتِ من السنة لمعظم الناس من بين جميع المأكولات والمشروبات الأخرى ... إلا أنّ سهير كانَت تعشق الشاي ... كما كانت تعشق قراءة الروايات ... فبيدٍ تحملُ كتاب (لقيطةَ اسطنبول لأليف شافاق ).. وباليد الأخرى تمسك قدح الشاي ... جالسة على الكرسي المهترئ ... على سطح بيتٍ دمشقيٍّ عربيٍّ قديم ... فجأة ...
-سهييييييير لك سهيررر ردي عأمي بدنا اياكي تساعدينا بالمطبخ ...
_يالله لح آجي بس خلِّص هالصفحة ...

وبعد انهاء الصفحة ... قالت سهير لنفسها متمتمة بينما تضع بطاقةً على الصفحة التي توقفت عندها :
-ولي على قامتي ما بخلوا حدا مرتاح بهالبيت سهير سهير ... سهير سهير ...يوم عطلتي وما بدن يريحوني ... الله يخلصني من هالعيشة يا حق...

نزلت سهيرٌ على الدرج تجرُّ اذيال الخيبة .... فأختها سماح قاطعت خلوتها بذاتها ... مستمتعةً بالروايةِ اللتي استعارتها من صديقتها رنا ... لكن ...عندماوصلت المطبخ ... حدقت عينيها...و قالت متفاجئة : شو هاااد كله ... يبرأ ... وحوايج التبولة ... وعجينة كِبة ... شو كل هاد ؟! لمين هادا كِله ... ؟؟عيد ميلاد مين ؟!
- سماح: يالله وليه شمري عن دراعاتك وحطيلي هالكتاب من ايدك ويالله لتساعدينا ...
- سهير :امي شوفيلك هالفصعونة كيف بتتأمر علي!!! ولك انا اكبر منك بشي ٦ سنين لح فرجيكي كيف بدي ربيكي ...
- سماح:انا اللي لح تربيني !!ولك انا صح اصغر منك بس انا اللي بساعد امي بشغل البييت مو متلك اللي غرقانة بالروايات وباحلامها ومخيلاتا ...
- الام: ولك اخرسي انتي وياها متل الديك والجاجة .. وانتي وليه سهير صار عمرك ٢٥ سنة و بعده عقلك بعمر السنتين...
ضحكت سماح ..
_ اكملت الام :وانتي وليه سماح اخرسي ريتا ضحكة بلا سنان ... وبلا لعي فاضي واجلي الجليات ... وانتي ست سهير بلشي لفي اليبرأات ...
- سهير متذمرة: يا الله يا امي هلأ بينتزعوا دياتي ...
- سماح :يوووووه الواه الواه ...قال يا بعدي انتي بدن ينتزعوا دياتك ... تعالي لكان اجلي بالكلور و سائل الجلي ...

سماح و التي تصغر سهير بستٍ من الاعوام ... كانت " ست بيت معتبرة " ... فهي ساعد والدتها اليمين في البيت ... لا تعمل الا ... بالغسيل والتنظيف ... والجلي والمسح والكنس ... والمساعدة في تحضير الطعام ... على عكس سهير .. التي قضت حياتها بين قراءة الكتب ... وشرب اقداح الشاي ... والتي اختارت بعد انهاء البكالوريا ان تكمل تعليمها بمهنة التمريض ... على الرغم من صعوبة الاوضاع في الحرب داخل سوريا آنذاك ... إلا انها اصرت على اتمام تعليمها ... والعمل كممرضة في احدى مستشفيات دمشق ...

بينما كنَّ تعملن كالنحل في تحضير وليمة العشاء تلك ... قاطعت سهير الصمت المطبق وقالت: صحيح لمين عم بنحضر كل هالأكل هاد ؟!
ضحكت سماح بسرها ... وقاطعت الأم ضحكة سماح قائلة :بتتذكري بيت ام سامر ؟!
-سهير عاقدةً حاجبيها : مين هيّ ام سامر ؟!
-سماح ضاحكة غامزة سهير : لك ام سامر ...امّه لسامر..
-سهير : ايييييييه ايه ام سامر ... هاي امي اللي نزحوا للاردن وقت ما بلشت الأحداث ؟؟...
-سماح مبتسمة ابتسامةً صفراء : عليكي نوووور امّه لسامر اللي نزحوا للاردن ...
-الأم : ايه امي هنن ... واليوم بما انه الأوضاع هديت في سوريا ... بعد ما قالوا للسوريين خلص يرجعوا لبيوتن ... اتصلت فيني ام سامر ... وقالتلي انن جايين ... وخلص بدن يرجعوا يستقروا هون ... ومنشانن مسافرين وتعبانين ... عزمتا عالعشا عنا ...
-سهير : وانا بقووووول لمين كل هالاكل قلت اكيييد عازمين حدا ...

فرحت سهيرٌ في سرها وابتسمت ابتسامةً عريضة ... وهي تلف اصابع ورق العنب ... وكل ذلك بسبب سامر ... " حبيب الطفولة "... ذكرياتٌ كثيرة مرت بخاطرها ... ومئات المواقف التي لم تنسها قط ...

وبعد سويعاتٍ من العمل الشاق في المطبخ ... وحرارة الفرن والغاز التي لم تزد على حرارة الجوِّ الا سوءاً ... بدأن بتجهيز السفرة ... ووضعن الاطباق الخزفية الصينية والكاسات البلورية التي لا توضع على السفرةِ الا للمناسبات ...

سهيرٌ كانت غارقةً بأحلامها وذكرياتها وابتسامتها التي لم تفارق قدها منذ ان سمعت الخبر لأول مرة ... أما سماح فكانت تحدق بسهير مبتسمةً ابتسامةً صفراء ...
****************

حب في زمن الحرب حيث تعيش القصص. اكتشف الآن