لحظة البداية - ليلة حالكة -

41 4 2
                                    

سماء قاتِمةٌ تَلبدها السحاب ، زخّات المطر بين الحين والآخر ،رياح عاصفة تهُب تارةً لتهزَ اوراق شجرةِ الذراق الضنينة فنسمع لها حفيفاً ، وتارةً اخرى تكاد تزعزعُ الجدران او تَنفضَ الديار عن سطح الارض ، ليلة مهيبةٌ لاكنها محمَّلةٌ بهالة سوداءَ ثقيلة اذ يكاد يصعب التنفسُ فتثقل الصدر وتُوهن الكاهل ، وكانها - بطريقة ما - تخفي شيئا او تكادُ تنطِق فتقول ما تضمرهُ لنا في هذه الليلة القاسية ، او تهمس لنا بما تتسترُ عليه .
لكن ، على اي حال ، لم يطل انتظارنا ، اذ وعلى غير العادة رافق قرعُ الطبول اول بصيص من اشعة الشمس ، في البداية كان صوتا بعيدا بعض الشيئ لدرجة ان اقلةً من الفلاحين المستيقضين تمكنوا من سماعه فلم يلقوا له بالا.. لاكن سرعان ما اقترب الصوت تسطحبه ضجة تزداد وتيرتها كل لحظة ، كان ذالك قريبا حتى ادركنا اننا في خطر كبير ،
" انهم الآلماان ، انهم الآلماان "صاح فلاح استرق النظر خفية لمصدر الصوت ليرى خطوطا طويلة خضراء من الجنود المشاة ، يتابط احدهم سارية العلم الالماني ؛
كيف تُبسطُ هيمنة الالمان بهذه السرعة لتصل قريتنا هذه في وقت قياسي ! ، لم ندرك ما نفعل ، واصلنا نحدق لبعضنا برعب ، الاطفال يبكون ، انتشر الناس انتشار القطيع خوفا من الاسد فصاروا يتصادمون ، يهرولون في كل ارجاء القرية ، اما انا ، فجلست مذهولة مكسورة الضهر بينما تجمع امي ما يسهل حمله ويبكي اخوتي الصغار تحت كفّي ، هل سنموت ؟ الان ؟ ما ذنبنا نحن ! ماذا اقترفنا لنستحق الذبح امام عائلاتنا ، عجزت تمام العجز عن تقبل هذه الفكرة ، كنا سنقيم المهرجان السنوي هاذا الاسبوع ، كنت اكاد اُحكم تعلمَ الفروسية ، هاذا ما كان يميزني عن فتيات القرية على اي حال ، اما الان ، ساهلك واترك كل ما سطرتُ ورائي ؟! ساهلك ، ساهلك ، سنهلك !
اكتظ رأسي بهذه الافكار ، كنت في صدمة شديدة ..
" امي.. تجمعين الاشياء.. ولا نملك حصانا لنهرب به.. "
تلعثمت وانا على وشك البكاء .
التفتت لي فرأيت عيناها تنهمر بِبَنات العين تتخذ خداها مسارا ، لم تَرد ، لم تستطع ذالك ، لم تدرك ما تفعل ، كلنا لم ندري ما الخطوة التالية كل ما نعرفه ان الموت هو الاحتمال الاكبر ، اقدمت اليها وضممتها ، حين لم ألبث لحظة لا افكر في انيِ إٍن كنت ساموت ، فلأمت في حضنها على الاقل .
" لم اشعر بهاذا الاحساس منذ وفاة والدك عندما كنتي زهرة صغيرة ، حبيبتي آزومي ، لا اريد ان.. افقدكي ايضا .. "
اضافت وهي تمسح باناملها الدمع عن خدها
" القبو ، ادخلي انت واخوتك هناك ، اسرعي ! "
" لكن امي ، ماذا عنك " قال الاصغر .
ابتسمت الام ابتسامة مسطنعة ورددت
" ساتدبر امري ، ساتدبر امري .. "
في تلك الاثناء كنت مصدومة ، جاحضة العينين ، فقط نفذتُ ما قالت دوك تردد ، لكن - ودون ان ادرك - تركت امي وحدها في مواجهة العدو .

Azumi's saga || ملحمة آزوميحيث تعيش القصص. اكتشف الآن