١- قميصه الثمين
اندفعت راكضة على رصيف الميناء، تحاول اللحاق بالباخرة التي حجزت على متنها تذكرة للسفر لأوروبا في رحلة طويلة، بعيدا عن تلك الأماكن التي باتت تثير بها أوجاع ما عاد لديها القدرة على تحملها ..
كانت تلهث وهى تحمل تلك الحقيبة الثقيلة، في اتجاه ذاك السلم الذي يصعد بها لمتن السفينة العملاقة ..
وصلت لأعلى نقطة على سطحها وألقت بحمل حقيبتها أخيرا، وتوقفت تشير في لهفة لشخص ما تودعه، كانت نهى ابنة عمتها التي تنتظرها بالأسفل، تلوح لها متحمسة وهي تتقافز صارخة في مزاح: استمتعي كثيرا بوقتك، ولا تنسي مغازلة الشباب الأوروبي ذوي الأعين الملونة بالنيابة عني..شهقت حياة في صدمة لمزاح ابنة عمتها الذي لا يراع حدودا، وعادت للخلف قليلا حتى لا يتطلع إليها أحدهم بعد ما أعلنته تلك الحمقاء ..
سمعت نفير الباخرة ينعق في قوة مؤكدا أنها في سبيلها للإبحار .. عادت تتطلع إلى موضع نهى التي عادت تلوح لها من جديد، لكن ما أثار انتباهها أكثر، هو ذاك الشخص الذي كان يتجه نحو السفينة في عجالة وهو يمسك بكف حسناء تركض مهرولة خلفه .. كانت تعتقد أنهما سيصعدا معا سطح الباخرة، لكنها كانت مخطئة فها هو يعانق تلك الشقراء الرائعة الجمال في عجالة، ويقفز في اتجاه الباخرة التي أطلقت نفيرها للمرة الثانية، وقد شرعت في التحرك وهو متعلق بدرجات سلمها الذي بدأ يسحب لداخلها، يلوح بكفه للجميلة التي كانت تسمح دمعاتها في تأثر، وهو يبعث لها ببعض القبلات الحارة، يقذف بها في اتجاهها بالهواء كأي عاشق يودع محبوبته ..
ابتعدت عن حافة السور للداخل تعدل من وضع حجابها على رأسها في اضطراب، لتبدأ في البحث عن قمرتها التي ستقضي بها لياليها قبل الوصول للجانب الآخر من الأرض حيث ستبدأ رحلتها ..
******************
كانت تتمدد على الفراش في سكينة في انتظار وقت العشاء .. سمعت حركة أمعائها معلنة تضورها جوعا، فقد كانت آخر لقيمات قد نزلت بجوفها بصعوبة في الصباح الباكر وبعد ضغط من ابنة عمتها هي لقيمات إفطارها ..
نهضت متطلعة لهيئتها في المرأة الطولية مؤكدة أن وزنها قد انخفض كثيرا مقارنة بالعام المنصرم ..
ابتسمت في شجن محاولة التأكيد على نفسها ربما للمرة الألف، أنها هنا لكي تنسى وتعيش تجربة ممتعة وخبرة جديدة..
**************
دخلت نهى فيلا جدها السعيد أحد أكبر رجالات الأعمال بمدينتهم الساحلية، والذي يعود أصله لأسرة عريقة، وترجلت من سيارتها مندفعة باتجاه مجلسه بالحديقة لتنحني واضعة قبلة على خده، هاتفة في مرح كعادتها:-ها قد أنجزت المهمة يا جدي، وكل شيء مر على ما يرام ..
هتف جدها متسائلا: هل انتظرتي حتى تأكدتي من إبحار الباخرة وحياة على متنها!..
اومأت نهى مؤكدة: نعم يا جدي ..وقفت ألوح لها وهى على متن الباخرة حتى أبحرت.. لا داع للقلق صدقني .. لقد سافرت حياة بالفعل، وأنا متأكدة أنها ستستمتع بوقتها بشكل جيد ..