٥- ربة الصون والعفاف
كانت الغيوم تنذر بذلك منذ الصباح الباكر منذ كانت بذاك الكهف الصخري، لكن ماذا عليها أن تفعل الآن وأين يمكنها البقاء في تلك الساعات القليلة القادمة، والتي من الممكن أن تستمر حتى صباح الغد اتقاءً لذاك السيل الجارف من ماء المطر الذي بدأت وتيرته تشتد منذ بعض الوقت ولا حيلة لها إلا الاحتماء ببعض الأشجار العريضة الأوراق تتخذها ستارا يقيها البلل إلى حد ما فلا قدرة لديها على العودة لموضع اختبائها الأول بذاك الكهف الصخري على الجانب الآخر من الجزيرة، وكذا قبول عرضه بالاحتماء بكوخه ..
أصبحت الأمطار من الغزارة ما جعل احتمائها الواهن ذاك أشبه بالوقوف أمام وحش بكف عارِ ..
سمعت صوته الأجش يناديها وهو يقف على أعتاب كوخه الخشبي الذي يبدو أنه صنعه ما أن وطأت قدماه الجزيرة وقبل أن يشأ القدر ويجتمعا: تعالي احتمي بداخل الكوخ .. صدقيني وقوفك ذاك تحت الأمطار لن يجلب لكِ إلا المرض ..
هزت رأسها رافضة تماما التواجد مع زير النساء ذاك في مكان واحد لا يتعد اتساعه عدة أمتار .. لن تدعه ينل الفرصة لمغازلتها والتقرب منها ولو داهمها الموت حتى..
هز رأسه في ضيق فهو لم يفلح في اثنائها عن رأيها لتدخل وتشاركه الكوخ رغم أنه ليس بالمكان المثالي في مثل ذاك الطقس المطير إلا أنه أفضل حالا من الوقوف تحت ذاك الوابل من المطر.. إنها هالكة لا محالة، همس في غيظ: الحمقاء متصلبة الرأس..
تطلع إليها للحظات ثم أطلق سبابا حانقا ودخل إلى الكوخ وقد قرر تجاهلها لكنه لم يستطع عندما بدأت السماء ترعد وتبرق منذرة بالمزيد من هطول الأدمع..
نهض عازما على ادخالها الكوخ بأي ثمن حتى ولو اضطر لسحبها من شعرها كما كان يفعل رجل العصور الحجرية ..
انتشى للفكرة وما أن هم بالخروج إليها عابرا عتبة كوخه حتى اصطدم بها مسرعة ومندفعة إليه تخبئ رأسها بين ذراعيها وقد انزرع جبينها بصدره من شدة التصادم... كانت ترتجف محاولة أن تصم آذانها عن صوت الرعد الذي يرعبها..
شعر للحظة بالانتصار لمجيئها، لكن شعوره بالشفقة طغى على شعور الظفر ذاك وهو يراها ترتعش بهذا الشكل المتكرر ..
ابتعد عن مدخل الكوخ لتدخل مسرعة إليه دون تردد، ليدخل خلفها متطلعا إليها تقطر ماء من رأسها حتى أخمص قدميها، ترتجف كعصفور منذوع الريش يقف في مهب رياح شتوية وخاصة وقد ابتلت ملابسها بهذا الشكل ملتصقة عليه مبرزة نحافة قدها..
تنحنح محاولا صرف خواطره من التوجه إلى ذاك المنحن الخطر كما هى عادتها منتزعا إياها انتزاعا من السير في ذاك الدرب الشائك، وخاصة في ذاك الوقت، وهمس بصوت أبح: لو بقيتِ بهذه الملابس المبتلة فالموت مصيرك لا محالة ..