٨- أمير النبع
كان النوم على أرض الكهف الصخرية متعبا بحق، فهى خلاف تلك الأرض الرملية للشاطئ حيث كوخهما، والتي كان النوم عليها أكثر راحة ما جعله يتقلب كثيرا أثناء نومه شاعرا بتيبس في عظامه .. كانت النيران داخل الكهف على وشك أن تخبو وبدأ الجو يميل للبرودة قليلا وخاصة أن الحقيبة لا تسد إلا جزء بسيط من مدخل الكهف رغم صغره وضيقه مقارنة بكهوف آخرى ..
نهض يمتطأ يفك تيبس مفاصله واتجه حيث النيران يحاول إزكاء جزوتها وهو يعيد شد المئزر الذي تحرر بعض الشيء.. انحنى نحو ركوة النار إلا أنه استمع لهمهماتها المعتادة والتي يستمع بعضها من داخل كوخه في بعض الأحيان عندما يجافيه النوم ويظل مسهدا ..
يبدو أنها كانت تحلم بشيء مزعج لأن الهمهمات زادت عن وتيرتها وبدأت تهمس ببعض الأحرف المتقطعة .. لا يعلم لما شعر أن عليه إيقاظها ليخرجها مما تعانيه وخاصة عندما سمعها تهمس باسم ذاك الآخر بمثل ذاك التوسل الذي يعذبه :- لا.. شهاب..لا تفعل .. أنا لا أستطيع ..دع ط..
وبدأت الهمسات تخبو والنار بالركوة وبين أضلعه تستعر .. لذا قرر إيقاظها وما أن هم ببلوغ موضعها حتى أبصر شيء ما يقترب منها .. أسرع يدنو في حذر وانحنى نحوها وهى لا تزل على نعاسها وحاول ضبط أعصابه وهو يمسك بذاك الغصن المدبب ليغرزه ببطن ذاك العقرب الذي تلوى، لتنتفض هى في نفس اللحظة لتجد وجهها ملاصقا لصدره .. شهقت في ذعر محاولة الإبتعاد عنه فقد ظنت أنه يقترب منها لغرض دنيء في نفسه إلا أنه جذبها ليعيدها لصدره من جديد مبعدا إياها عن موضع العقرب حتى لا يطالها ذنبه وهو يلفظ أنفاسه الاخيرة..
تنبهت في تلك اللحظة للعقرب الصريع بالقرب منها فارتجفت بين ذراعيه في ذعر.. لحظات ساد فيها الصمت وكفاها تتشبث بجانبي مئزره وجبينها يستند على صدره وأخيرا همست في صوت متحشرج وهى ترفع نظراتها الدامعة متطلعة إلى محياه :- لماذا لم تدعني أرحل !؟.. ألم يكن هذا ما تتمني!؟..
سال الدمع المتأرجح بمآقيها، ليهمس هو بدوره وبنبرة تحمل دلالة ما لم تستطع تفسيرها في حينها: ما أتمنى لن أدركه حتى تطير الأفيال .. وما أتمناه اللحظة لن أدركه ولو بلغت روحي الحلقوم..
جالت نظراتها بقسمات وجهه وهمست في تيه :- ما تتمناه اللحظة !؟.. ما هو ذاك الشيء الغالي الذي قد تدفع روحك ثمنا له!؟..
هتف في وله وعيناه تتعبد في محراب محياها الباكي الذي زادها رقة :- أنتِ . . انتفضت مبتعدة وكأن كلمته كانت هى دلو الماء البارد الذي صبه على وعيها الغائب ليستيقظ أخيرا جاذبا إياها من خضم صخب المشاعر الأخرق ليعيدها مرة أخرى لأرض الواقع ..
أدرك آدم ما يعتريها لكنه استطرد في رغبة حقيقية :- أنا أريدكِ يا حياة .. أرغبكِ بشدة .. فهل تقبلين الزواج بي !؟..