الفصل السابع والأخير
ينظر للكون بعين جديدة متلهفة على الحياة .. لم يعد مقهور بل قهر أعدائها وأعدائه .. أنتهى منهم لتوه ..
رفع يده المضمدة بضماد طبي تحمل هاتفه الحديث .. نعم أصر على الحياة بشكل مجدد كل أبجدياته ..
صوتها المتلهف سكن آذنه بعد أول رنة :" هل هناك أخبار يا إياد .. لم أصل لمكانهم حتى المحامي لا يجيب هاتفه وجلنار لا أستطيع الوصول إليها ..أكاد أجن ".
ابتسم بخبث عاقداً العزم على المضي في طريقه ..زم شفتيه حتى لا تنطلق فيطمئنها .. رغم أشفاقه عليها .. لكن مفاجأته لن تكتمل سوى بهذه الطريقة ..غمغم بإقتضاب :" سأكون لديك خلال ربع ساعة على الأكثر ".
هتفت به :" ألم تتحرك بعد من بداية مكالمتي لك ..أين انت يا إياد ؟؟!!".
تريد لومه تذكره بمسئولياته .. فله أسبوع كامل .. لم يرى أولاده ولم يحتضنهم .. كم عانت معهم .. كانوا يبكون كثيراً وكأنهم علمون غيابه .. هي نفسها كانت صعبة المزاج .. والآن والأولاد غائبين عنهم .. بارد وهادي كما هو لم يتغير ..
أجابه وشفتيه تتحلى بإبتسامة واسعة :" عندما أحضر سأعلمك ".
ألتقط مفتاح سيارته الحديثة .. مال على أولاده الجالسين حوله في هذه الأرجوحة التي صنعها خصيصاً لتكفيهم جميعاً كعائلة .. قبلهم أحتضنهم معاً .. ايديهم الصغيرة تتسابق لعناقه .. اختلاط الأكف على رقبته شيء فريد بنعومتهم الخاصة ، وجلودهم الناعمة ..
تنطلق خطوات أقدامها الرقيقة داخل الحقل الجانبي .. بينما عينا كرم تحدق فيها في هذه العباءة القطنية الطويلة تمر من خلال الحقل الذي صار له .. فالأرض قد أعادها لهم إياد ..قائلاً:" أرضكم وأرض أبيكم .. حقكم يا كرم ".
هاهي حلا تمر من خلال الشارع أمام دارهم الجديدة لتخطو داخل النباتات الخضراء وكأنها منهن نبتة ندية .. ترفع طرف ثوبها وتمر بينهم .. شعر بالغيرة المباغتة من تلك النباتات الصغيرة التي تلامس جسدها .. تقدمت منه أخيراً .. رافعة طرف عبائتها حتى لا تعيقها فوق تلك القناة المائية الصغيرة .. خشية السقوط ..
اقترب منها ياخذ الصينية بما عليها من أكواب .. ليفلت زمام تحكمه .. يقبض على عضدها بحدة أرعبتها .. هاتفة فيه :" ماذا هناك يا كرم ؟!!".
هتف بغتة فيها بكل غيرة رجل يملك عليها كل الحقوق :" تسألين يا حلا.. عيب يا أبنة خالي .. أنزلى عبائتك على قدميك .. هناك غريب في المكان .. هل تغرينه؟!!".
تركت أطراف عبائتها تهبط ثم همست بابتسامة ماتت في عينيها ولم تبرق على شفتيها :" خيبت ظني فيك ".
قتلته الكلمة بطعنة مباغتة داخل قلبه .. نظر إليها تستطرد كلماتها :" اشعر أني حرة معك .. معكم ".
لم تمهله تلك اللحظة التي يعتذر فيها .. لكن العبارة سكنت فؤاده .. نعم هي حرة معه .. ما أعظم العبارة .. كانت بالفعل تخطو بعيدا عنه اسرع باقدامه القوية خلفها .. يمر جوارها ويوقف اصابعها باصابعه :" حلا .. أنتظري ".
كانت تتحرك بلا مبالة .. جذبت كفها بقوة .. لن تجعله يهنيها مرة ثانية .. هتفت فيه :" لا تظنني سهلة يا ابن عمتي .. أنا هذبتني الحياة .. لا تحاول أن تمسك يدي فيما بعد لان هذه المرة ستجد يدي تصفع وجهك .. أردت تحذيرك لأنك غريب يا ابن المدينة المدلل".
أغتم وجهه بلحظة .. يريد الصراخ بها أي مدينة هذه لقد دفعت ثمن كل شيء أملكه .. كنت أعمل في الميتم حتى أجد ما أكله .. وأجد فراش أنام عليه .. عملي من الصباح حتى النوم كقتيل .. لا يشعر بأي شيء ..
انصتا معاً لصوت إياد :" كلاكما تعالا ".
ثم خص حلا وحدها بالطلب :" هل تستطيعين يا حلا المكوث معهم حتى نعود ؟!!".
ألقت له ابتسامة واسعة من عينيها ثم هتفت وهي تقطع الخطوات الفاصلة بينهما :" هل ستحضرها اليوم ؟!!.. لو كان هذا سأمكث ".
رفع المفتاح أمام عينيها معقباً:" يعجبني فيك أنك لامحة ذكية .. لست كبعضهم ".
امتدت نظرته نحو كرم وكأنه يصفه بالغباء فهو يدرك تلك الشعلة بين كليهما ويراقب طوال الأسبوع ما يحدث بينهما كلما تواجد كرم هنا معه .. متحدثاًباستفسار :" هل ستظل هنا كرم أم ستعود معي ؟؟!!".
تحدث كرم ونظرته تمتد لتلك النحيلة التي تقدمت لتضع الصينية على أقرب منضدة .. ثم صعدت على الأرجوحة مع الصغار :" سأظل بالطبع .. لن نترك ثلاث شياطين مع حلا والمربية فقط .. طالما ستعود مع ملك هنا ".
نظر إياد بسعادة نحو أولاد ثم شمل حلا بنظرته هامساً لكرم :" لا تؤذيها حتى لا تضيعها من يدك .. الحب عندما يأتي تمسك به ولا تخطيء خطأنا أنا وأختك ".
أدرك كرم أنه مازال يقف بينهما وأن السعادة ستكون مفقودة لو لم يعترف له .. غمغم بصوت حزين :" إياد .. هل ممكن أن أخذ من وقتك عشر دقائق فقط ؟!!".
علق إياد بهدوء مستنفذ فهو قد وعدها بالذهاب إليها في ربع ساعة .. والطريق طويل بينهما .. كان سيسرع بأقصى ما يستطيع .. لكن عليه فرض نحو كرم منذ قرر المغفرة صار عليه كل المسامحة من اجل ملك :" تفضل يا كرم ..أنا حاضر معك ".
انتفض كرم في لحظة شديدة الوطء .. الإعتراف ليس سهلاً.. لكنه ضرورة ملحة ليتمكن من النظر داخل عينا ملك وعينا إياد .. تعثر صوته هامساً في خجل :" الحادث .. كنت صغير".
لم يتوقف أمام أصابع إياد التي أرتفعت للتو كي يمنعه من الإستطراد .. بل ازداد قوة فهتف بكل ما في جعبته :" كنت صغير .. عمري خمسة عشر عاماً.. كنت .. منبهر بالمنزل الفخم وعمار لم يكن يعاملني بفوقية .. أحببته فعلاً.. وأنت لم أكرهك .. كنت كبير ومشغول دائماً.. لكنني لم أكن لك أي شيء من عداوة .. الزيارة كانت هي المتنفس الوحيد في إجازة الميتم الصعب الحياة فيه .. وعندما طلب أن يختبر قدراتي في إصلاح السيارات .. وأمرني بقطع خرطوم الزيت .. فعلت وكأني أظهر مهارتي ..لم أكن اعلم أن خلف كل هذا جريمة ".
لم يصدق .. أن لسانه استطاع أن يخرج إعترافه بهذا اليسر الممزوج بالألم .. ابتسامة إياد شعت داخل عينيه هامساً وكان الماضي ما عاد يؤلمه :" لقد غير عم سليمان السائق جميع القطع بعدما فعلت أنت .. لكن لم يكن من الصعب إستخدام غيرك يا كرم .. البغض عندما يأكل القلب لا يتورع صاحبه عن تكرار الوضع مرات .. لقد كانت جريمة متعمدة .. فعلها أخي وغطتها جدتي .. فقط لانها كانت تكره أمي وتحب أمه .. شيء لا أصدقه .. لكنها الحقيقة ".
لم يكن كرم يصدق أنه قد تم تبرئته من كل أثم في لحظة فارقة .. نال حريته .. غمغم في استفسار :" هل تقصد فعلاً أني لم أفعلها؟!! .. أحقاً".
أنت تقرأ
عروس الأوبال [الجزء الثاني من سلسلة فراء ناعم ][معدلة&كاملة]
Romanceبين أناملها، تمسك بلورة زجاجية داخلها عروس من زجاج الأوبال ترتدي ثوب زفاف مزركش رائع... أدارت مفتاحها الخلفي فدارت بتناغم مع موسيقى الزفاف. "أتعلم، كنتُ أعشق تسميتك لي... عروس الأوبال! حتى كرهت دوري بالحياة... أنا عروس أوبال لشخص لم أرغب به!" قبضت ع...