ألقت ذاتها في أحلك الأوقات ظلمة قبل ظهور الفجر أو هكذا تصورت ولم تدرك أن خيوط الفجر البيضاء لاحت في الأفق كون ذاتها ساقطة في ظلمة أحلك وأقسى .. تسير بلا هوية لو فقدتهم ستفقد عقلها الذي قاوم كل الألم من أجل لحظة الخروج بهم من ظلمات الجهل والتخلف والتعنت الذي دفعت داخله .. ولا تعرف تحمي مَنْ ؟!! ومن أجل مَنْ ؟!! فقط هي الحلقة المتوسطة التي تمت بها المساومة كله ساوم عليها وتفاوض من أجل مصلحته وهي الثمن هرولت خلف أول سيارة أجرة وجدتها بالطريق الفقير من المارة ..
بعد أن منحت السائق عنوان من خارج إطار ضياعها , تركت جسدها الوهن يسقط بمجرد صعودها فوق المقاعد الخلفية للسيارة التي توقفت و إن ظل هناك شك بقائدها ظناً منه أنها من قطط الشوارع الضالة .. وإلا ما الذي جعل امرأة تتجول بالطرق في هذا الوقت كادت تضحك ساخرةً منه عندما راقبها خلال المرآة الأمامية .. وتذكرت بقريتها الواقعة بمجاهل إحدى المحافظات القريبة من العاصمة ولكنها خارج الخريطة بكل شيء حتى التعقل والتفكير القويم وكيف ممكن أن تقتل فتاة لمجرد أن خرجت من منزلها بعد السابعة مساءا عندما يعم الظلام حتى لو كانت تحتاج علاجاً أشرف لها الموت عن السمعة التي ممكن أن تلوث بأي شائعة تطلق جزافاً وتكون حياتها هي الثمن ..
ألم يكن هذا المصير الذي خشيت أمها عليها منه لو بقيت بالقرية .. تلك القرية الآثمة في حق أمها عندما أصرت وتزوجت غريباً من خارج القرية كان حمدان أبيها موظف بالسكك الحديدية بقريتها لمح ذات يوم أمها وجدان وبدأ يبحث خلفها ولم تنقطع نظراتهما كلما ذهبت لتركب القطار الذي يقلها كل يوم لمدرسة التمريض بمركز المحافظة وهكذا وبمجرد أن انتهت دراستها وانقطعت عن السفر سأل وعلم أنها لن تخرج أبداً فقد انتهت من دراستها فذهب لأبيها الفقير الذي يملك من الأولاد ما يفوق إمكانية إطعامهم فرفض أن يزوجها لرجل غريب ليس له جذور بالقرية وأيضاً فقير لن يستطيع أن يعول عائلة وجدها لا يملك المقدرة على تقديم أي مساعدة لها لو أرادت .. لكن حمدان كان لحوحاً فعاد ولكن ليس بمفرده هذه المرة مع رجل يجله أهل القرية جميعها كاتب كبير وله مزرعة كبيرة بزمام القرية فلم يجد جدها وأخوالها الكبار غير أن يطالبوه بمهر كبير لا يقدر على سداده وهو ربع فدان أرض بالقرية كيف والقرية جميعها خمسة أو ستة أفدنة لا تزيد أَكلَهم العمران فصاروا بيوتاً متلاحمة من طين كزنزاين لأصحابها ونوافذها كئيبة ذات قضبان حديدية صدئة تبدو قاتلة لأحلام من يسكنها .. وتزيد السخرية عندما عللوا المطالبة الجائرة للجميع عن خشيتهم أن يأخذها ويغادر بها خارج القرية يخافون عليها من الغربة وعندما وجد الكاتب الرجل العاشق يسقط كتفيه بانحناء يدل على كسره قال للجميع :
" سأبيعه ربع فدان من مزرعتي بالتقسيط ومن اليوم هو صاحبها وسوف أحول بنيان سور المزرعة وأخرج له الستة قراريط بالخارج وهديتي للعروسين منزل من حجرتين على رأسهما " ..
حينها انكب أباها على يد الرجل العطوف القلب الذي رغم صغر سنه إنما هو كبير بمقام أفعاله .. هكذا وصفت لها أمها وهي توصيها على الأرض :
" إن أباكي شقى فيها حتى صارت من أجود أراضي المنطقة وسدد جميع ثمنها ولكن هذا الرجل الطيب عاطف الأشهب إمتنع عن النزول للبلد منذ ماتت زوجته فهذه المزرعة كانت عشقها ولم يتمكن أباكي من تسجيل العقد بالشهر العقاري وخاصة أن بطاقة الحيازة الزراعية كانت باسم جلنار الأشهب أم الرجل .. قاتلي من أجل هذه الأرض التي لم نتمكن من الحفاظ عليها عندما توفي الرجل طردنا منها شر طردة وما كان من أبيكي سوى أخذ هذه الدار التي نمكث فيها حالياً ومات أبيكي يوم وجد بيتنا بالأرض مهدماً والسور عاد ليختطف أرضنا داخله ويمنعنا عنها عاد مريضاً مثقلاً بالهموم وظل عدة أيام حتى فارق الحياة "
زفرت أنفاسها وهي تزيح دمعة ألم هطلت على خدها لتذكرها أنها أم لأربعة أبناء وكبيرهم أخيها الذي ظلت مسئولة عنه تريد أن تصل به لبر الأمان لينال شهادته الجامعية وهاقد قاربت من الوصول للنهاية معه فهو طالب بالسنة الثالثة بكلية الهندسة بقسمه المحبب فكم عشق الميكانيكا لدرجة أن ورطته الكبرى هي ما قيدتها وجعلتها ترضخ للكثير والكثير .
أنت تقرأ
عروس الأوبال [الجزء الثاني من سلسلة فراء ناعم ][معدلة&كاملة]
Romanceبين أناملها، تمسك بلورة زجاجية داخلها عروس من زجاج الأوبال ترتدي ثوب زفاف مزركش رائع... أدارت مفتاحها الخلفي فدارت بتناغم مع موسيقى الزفاف. "أتعلم، كنتُ أعشق تسميتك لي... عروس الأوبال! حتى كرهت دوري بالحياة... أنا عروس أوبال لشخص لم أرغب به!" قبضت ع...