الفصل السادس

861 23 0
                                    




إقترب منها أخيها بهدوء حذر ولا يكاد يصدق الكلمات التي سمعها للتو :
" كيف كانت عذراء لقد تزوجت بعمار لمدة ليست بقصيرة "
جثى أمامها يستجديها أن تعلمه الحقائق الخافية عليه لم يجد غير أدمعها التي تولدت قطرات خلفها قطرات:
" سنوات وكنت زوجة لعمار .. ما هذا الذي سمعته ؟!! للتو كيف هذا ؟!! ولماذا ؟!! "
تقاطعت نظراتها الممطرة بنظراته القلقة المستفسرة وهمسها وهن أمامه :
" كيف ؟!! عندما تتحجر القلوب ويوجد المال فلا شيء مستبعد .. أما لماذا ؟!! من أجلك كرم .. من أجل أخي أبيع عمري "
ازدادت دهشته والتوى قلبه ألماً وهمس :
" كيف ؟!!..وقد ضحيت من أجلك ؟!!".
أجابته بعد أن مسحت وجهها بكفيها واحتضنت كفه بين راحتيها .. فهي تدرك أنه أيضاً كان جزء من اللعبة .. وله دوره .. لكن كيف ضحى من أجلها ستعرف الآن :
" سوف أحكي لك لأنني تعبت وأنت كبرت .. تلاعب عمار بأحلامك وأفهمك أنه سيفتح لك ورشة لتصليح السيارات عندما تثبت له أنك فعلاً موهوب وظل يأمرك غير هذه القطعة واخلع هذه واقطع هذا وغيره ومن ضمنهم طلب منك إفراغ زيت المكابح من خرطومها فتتعطل عندما قادها إياد صار الحادث الذي كاد يودي بحياته وكان يوم زفافنا "
لم تصدق هذا الفراغ الذي تشعر به فلا ألم الآن فكله متماثل أمامها لقد فقدت كل شيء إياد و أولادها ومن الواضح أنها ستفقد أخيها أيضاً .. تحدق في كرم الذي رفع كفيه يطيح بهما كبندول قديم لساعة خربة يتحرك بندولها بإنتظام لكن عقاربها تئن مكانها .. رأسه ترفض ما تسمعه ..يفكر في أعوام الشقاء عندما كانت تسأله في أيام الزيارة كيف حالك كان يبتسم ويخفي ما بداخله فقط يريحها حتى لا تفقد مستقبلها الزاهر الذي أكدته له السيدة جلنار.. بينما صوت أخته يؤكد العكس أنها كانت مجبرة ولم تكن سعيدة:
" كانت حياتك خارج سجن الأحداث مقابل زواجي من شخص أبغضه .. ثم كانت مقابل أن أحمل بطفل من هذا البغيض بعد أن مات ".
ما يقال صعب عليه رغم أنه كبير ولكن مجرد تخيل حياة كتلك صعبة .. حياة من ظاهرها فراء ناعم وداخلها أشواك تلهب من فيها ..صوتها يستطرد بلا توقف :"ووجدت فرصتي الوحيدة عندما وجدت هذه الشمطاء تتخذ من العلم أسلحة مسمومة فليكن حملت من الرجل الذي لم أعتبره سوى زوجي إياد الذي أجبرتنا المتجبرة على الزواج في لحظة أرادت فيها تحقيق حلمها الحقير .. نعم حملت من إياد فقد كان بالفعل زوجي .. أنت لا تعلم أن هذه الأرملة السوداء تكره حفيدها أشد درجات البغض كانت ستقتله لو علمت وقتها .. أما الآن فانتهى الوضع معها .. وهذا علمته من محاميها مرض العصر أصابها برئتيها بسبب هذه السجائر التي تعتبرها قمة المدنية والتحضر نهايتها الموت .. ولكن من سيكون جوارها ؟!! لا أحد ... "
ادرك بلحظة كم عانت ولكا عينيها لم تكن تبتسمان منذ كانت صغيرة وهي تحميه من كل شيء حتى من نفسه ..أسقط جسده على جسدها الجالس بافتراش الأرض ..قبلها بحنان مودعاً بصوته الضائع كل ماتريده من حب وتفهم :
"أنت أعظم أخت بهذا الكون.. كانت جلنار تهددني بك .. فبقائي هائاً في الميتم كان هو ثمن شهادتك وزواجك من عائلتها .. ولا يجب أن أفتعل فضيحة حتى لا تضار سمعة العائلة .. العائلة الفخمة التي كانت تبرق من الخارج أما الداخل فقد كانت أحقر من ديدان الأرض ".
حضنها بقوة وتعلقت به همستها المتوجعة شقت قلبه :
" لم أكن أعلم أنك تعاني .. ابتسامتك كانت تجعلني أبيع عمري من أجلك .. كنت أظنك ستتركني لو علمت أني أخفيت عنك شيئاً "
شدد عليها أحضانه وصار يمسد رأسها بيده :
" كيف أجرؤ حتى على لومك وأنت كنت تعانين وحدك .. إياد سيعود لا تخافي إنها ثورة رجل غضب من حبه وليس العكس وطلاق الغاضب وبهذه الحالة لا يقع يا بلهاء "
أردف :
" لا تحزني أبداً "
وقف مستقيماً وهو يجذبها معه :.. خشيت السقوط فعلقت متوسلة:
" ستوقعني هكذا دعني أقف وحدي "
إجابته كانت قمة الروعة فقد ملك قلبها بشعوره بالمسئولية :
" لن أسقطك أبداً ولن تقعين يا أمي الحقيقية .. فقدت أمي وأنا لم أبلغ الثالثة من عمري.. وكنت أمي في الحياة ".
بكت فعلاً الآن لقد وهبها الله الثقة بلحظة انهيارها وضعفهاالمنكسر :
" هيا فأنا جائع فلنقضِ على هذه السلة إذهبي لتصلي العصر ريثما أعد المائدة تحركت لتؤدي فرضها فكم تكره هذا الشعور بالنقص عندما يفوتها أداء فريضة .. فضيلة حافظت عليها من أبيها الذي عودها عليها حتى مات..

عروس الأوبال [الجزء الثاني من سلسلة فراء ناعم ][معدلة&كاملة]حيث تعيش القصص. اكتشف الآن