كنت أتمنى أن أكون من المصلين، وكنت أعلم أن حياتي ستصبح أكثر سعادة وسكينة لو أنني أصلي، وقد اخبرني كثيرا ممن لا يصلون بالأمر نفسه .أخبرني أحدهم أن حياته ينقصها فقط أن يصلي، وأخبرني آخر انه يشعر أن الكثير من أموره ستستقيم له بالصلاة، مع ذلك لم نكن نصلي.
أمر عجيب!! كيف لنا أن نعلم سبيلاً للسعادة والطمانينة ونصر على ان نغفله!؟ لماذا نتجاهل الصلاة مع علمنا أنها مصدر من السكينة والراحة؟ ما السبب أننا إلى الآن لسنا من المصلين؟؟
بحثت عن الأسباب ووقفت عند أهمها، وهو إنني كنت أعيش في عالم صنعته لنفسي يسمى "يوما ما"، و أكثر الذين لا يصلون يعيشون داخل هذا العالم.
في هذا العالم نحن ننتظر أمرا من السماء حتى تستقيم حياتنا،نعتقد أن حالنا سيتبدل في يوم ما سنصبح من المصلين، كلما ثارت نفسي كنت اطمئنها.
يوما ما سأصلي الفجر.
سيأتي يوم ما أحافظ فيه على كل الصلوات في المسجد.
رمضان القادم سيكون بدايتي مع الصلاة.
يوما ما ستكون حياتي كما أريد.
يوما ما ... يوما ما ... يوما ما!!و في عالم "يوما ما" اللغة الرسمية هي الأعذار، أعذار تسوغ لي لماذا لا أصلي:
فطبيعة عملي لا تسمح لي بصلاة الفجر.
إنني أعمل لساعة طويلة وأكون مرهقا.
لو فاتتني صلاة واحدة اشعر بالإحباط ولا أصلي.
إني لا أستطيع الخشوع.
وهكذا مئات الاعذار التي تعزلني عن الصلاة.و أعذار أخرى تبرر لي لماذا يحافظ البعض على الصلاة، فتحدثني نفسي أن لديهم تركيبة بيولوجية خاصة، و أن الله تعالى منحهم قدرات مميزة، و"يوما ما" سيمنحني هذه القدرات وأكون مثلهم.
كنت دائما استثني نفسي من هؤلاء، أعتقد أن حفاظهم على الصلاة أمر مسلم به، يفعلونه دون مجهود، أما أنا فلا بد لي من مقاومة ومجاهدة حتى أصلي، فكنت أنتظر ذلك اليوم الذي يتغير فيه حالي بين ليلة وضحاها وأصبح مثلهم، ولكن هذا اليوم لم يأت !!
مكثت طويلا في عالم "يوما ما" حتى تساءلت.
إن الصلاة أول ما نحاسب عليه يوم القيامة.
فلو كان الحفاظ عليها -كما أظن- هو أمر الهي يؤتيه الله من يشاء ولا يأتيه من يشاء، فلماذا إذن الثواب والعقاب بشأنها؟! وأين العدل الإلهي إذا كان هؤلاء المصلون يتلقون دعماً سماويا بينما لا اتلقى انا هذا الدعم ؟؟أيقنت أن هذا اليوم "يوماً ما" لن يأتي أبدا، ولو كنت أنتظر حتى تصبح الأمور مثالية تماما كي أحافظ على الصلاة، فسيأتي أجلي وأنا مازلت منتظرا وقد مضى عمري وفي صحيفتي ركيعات قليلة، تلك الصورة التي كانت دائما تزعجني.
علمت أنني إذا أردت أن انضم لهؤلاء المصلين فلا بد أولا أن أخرج من عالم "يوما ما"، و ألا أنتظر هذا اليوم الذي لن يأتي أبدا، بل أصنعه أنا.
أعلم أن الأمر ثقيل في بدايته، ولكن بداية الطريق هي أن نطرد فكرة "يوما ما" من ذهننا ونعلم أن الأمر يعتمد علينا كليا، وجودنا داخل عالم "يوما ما" يعني أننا في الإتجاه الخاطئ، إتجاه الأعذار التي لا نهاية لها و لا فائدة للسير في هذا الإتجاه.
فالخروج من عالم "يوم ما" هو البداية للسير في طريق الحفاظ على الصلاة والتمتع بحياة أكثر سعادة وسكينة، بدلا من أن نشغل ذهننا باختلاق الأعذار حتى لا نصلي، فالأفضل أن نشغل ذهننا بإختلاق عوامل تعيننا على الصلاة، وهذا هو الغرض من هذا الكتاب.
يظن الكثير أن عدم أداء المهام المطلوب انهائها هو راحة، فيفضل البعض "عدم الصلاة" على "أداء الصلاة" ظنا منهم أن "عدم الصلاة" يجلب الراحة حتى وصلوا إلى حالة إدمان اللافعل.
لكن الحقيقة أن المجهود النفسي المبذول لـ(عدم الصلاة) يعادل أو يكاد يكون أكبر من المجهود البدني المبذول لـ(أداء الصلاة)، بل إن "أداء الصلاة" يدخل في دائرة الأنشطة التي تجلب السعادة بمجرد الإنتهاء منها، في حين أن تبعات "عدم الصلاة" تجلب الضيق وتحقير الذات.
اتباع النمط نفسه، نمط "يوما ما" الذي باعد بيننا وبين الحفاظ على الصلاة لن يؤدي بنا إلى نتائج مختلفة.
هل رأيت ذبابة محبوسة في غرفة مظلمة؟
ربما لاحظت كم هي مستاءة من بقائها داخل تلك الغرفة وأن لديها الحافز القوي للخروج إلى النور، ولكنها تندفع الى النافذة وتضرب الزجاج بجسمها مرة بعد مرة، وقد يستمر هذا لساعات دون جدوى، ربما تستهلك هذه الذبابة عمرها كله وفي النهاية لن تستطيع الخروج إلى النور عبر نافذة مغلقة.نعم هي مستاءة من وضعها الحالي، ولديها الدافع للخروج إلى النور ولكنها تسلك الطريق الخطأ. كذلك أنا و أنت لن نستطيع الحفاظ على الصلاة بإتباع نمط "يوما ما" ونمط الأعذار التي لا تنتهي، ويجب علينا أن نتبع طرقا أخرى للخروج الى النور.
لا مزيد من الأعذار، انت قمت مئات المرات بأعمال أشق عليك من الصلاة وكنت في أسوء حالاتك الذهنية والجسدية.
هذا الشيخ الذي بلغ الثمانين ليس لديه قدرات خاصة، بل هو في حالة جسدية وذهنية أقل مني ومنك بكثير ومع ذلك يحافظ على الصلاة.
هذا الرجل الذي يحافظ على صلاة الفجر لسنوات يحصل على قدر من النوم أقل مني ومنك، ومع ذلك لا تفوته صلاه الفجر.
إذن لا مزيد من الأعذار.
بداية الطريق هي الإعتراف أنك تستطيع أن تحافظ على الصلاة أيا كانت الظروف، واليقين بأن المصلين ليس لديهم قدرات خاصة، وفي هذا الطريق ستتعلم مجموعة من المهارات أو الأسرار التي جمعتها من خلال حديثي مع هؤلاء الذين قلما فاتتهم صلاة.
أسأل الله عز وجل أن تنضم لهم، فالحياة مع الصلاة حياة مختلفة تماما وليست كما تبدو، بل فيها بعض المشاعر التي يعجز وصفها.
أنت تقرأ
فاتتني صلاة !! لـ ( إسلام جمال )
Spiritualلماذا يحافظ البعض على الصلاة ... بينما يتركها الكثير ؟ تعرف على أسرار هؤلاء الذين قلما فاتتهم صلاتهم (إسلام جمال)