(10) وترتيبها

2.7K 155 1
                                    


أترى لو أن مهندسا يبني بيتا دون تخطيط أو رسم، فهو يطلب من العمال أن يبدؤوا بالبناء دون وضع أساسات، وعندما يكتشف الخطأ الفادح الذي فعله يطلب منهم هدم ما بنوه حتى تحفر أساسات مناسبة.

بعد حفر الأساس يبدأ بالبناء من جديد ثم يكتشف أنه لم تبن الأعمدة المناسبة فيشرع في الهدم من جديد.. وهكذا..

تخيل كمية الأخطاء التي يمكن لهذا المهندس أن يرتكبها لمجرد أنه لم يخطط ويحضر جيدا للكيفية التي يجب أن يتم بناء البيت عليها.

الغالبية العظمى منا تعيش حياتها على هذه الشاكلة، نبدأ يومنا ونحن لا ندري ماهية الطريقة المثلى التي يجب أن يسير عليها يومنا، لا ندري ماهية الأمور المهمة التي يجب أن نعطيها اهتمامنا وماهية الأمور الأقل أهمية، فنترك أنفسنا للظروف، ولا مانع من أن نستغرق ساعات في حديث لا فائدة منه أو مقابلات لا تجلب لما إلا التعب النفسي والبدني.

ولعل من أهم الأسباب لعدم الحفاظ على الصلاة هو سوء التخطيط لها، فكيف لك أن تؤدي صلاة الظهر إن كان وقتها هو نفس الوقت الذي حجزته لموعد الطبيب؟ أو أن وقت العصر هو نفسه وقت مقابلة الوظيفة الجديدة!! أو أنك اخترت وقت تناول الغذاء مع صديقك العائد من السفر ليكون مع وقت صلاة المغرب!!

سوء التخطيط يفتح بابا لنفسك وللشيطان للمماطلة في أداء الصلاة، فأول أعذارك المنطقية هي أن تؤدي الصلاة بعد الانتهاء من الأمر الذي ببن يديك الآن، وما إن تنتهي حتى تجد أن الأمر ثقيل جدا حيث فات أول وقت الصلاة، الوقت الذي يدبر فيه الشيطان حتى لا تسمع الأذان ويكون فيه مستوى الطاقة أعلى ما يكون كمحفز للصلاة، فحاول ألا تفتح أبوابا للأعذار المنطقية بسوء تخطيطك للصلاة.

▪رتب يومك:

لن تتمكن من الحفاظ على الصلاة بالطريقة المثلى لو أنك دائما تتفاجأ بوقت الصلاة حيث يؤذن الأذان فتجد نفسك في موقف يمنعك من الصلاة على وقتها.

رتب يومك وأعمالك واجعلها تدور حول الصلاة بدلا من أن تدور الصلاة حول أعمالك فتضيع.

رتب مواعيدك بحيث تكون في الأوقات التي بين الصلوات وليست في وقت الصلاة نفسها.

كان أحد أساتذتي -واحد من الذين قلما فاتتهم صلاة- يرتب كل مقابلاته أو دروسه بحيث تكون بعد وقت الصلاة، فآذا أراد أحدهم أن يقابله يخبره بأن يتقابلا بعد صلاة العصر مثلا أو أن موعد الدرس سيكون بعد صلاة العشاء، حتى إن أحدهم سأله مرة: " أي ساعة؟" فقال له: لا أدري، إن كان وقت صلاة العشاء الساعة التاسعة مساء فسأقابلك بعدها.

هذا الترتيب الجميل يساعد على المحافظة على الصلاة، وقد أخذت هذه العادة عن أستاذي فترتبت حياتي فأصبحت أوقات الصلاة أعمدة أساسية في يومي أبني حولها أعمالي وأموري وليس العكس.

فرض الله الحكيم العليم الصلاة بأوقاتها لتترتب معها حياتنا، فلتكن لك أمور تنجزها من بعد صلاة الفجر حتى وقت الذهاب إلى العمل.

في أثناء العمل رتب المهمات التي عليك إنجازها قبل صلاة الظهر ومهمات أخرى تنجزها بين وقت الظهر والعصر.

ربما يكون الوقت بين العصر والمغرب هو وقت الراحة بعد العمل اجعله هكذا بحيث تكون حدودك وقت صلاة المغرب.

أيا كانت الأمور التي عليك فعلها اجعلها بين أوقات الصلاة يرزقك الله الكريم بركة الوقت.

▪وصفة السعادة:

لخص جورج برنارشو George Bernard Shaw وصفته للسعادة حين قال "إن سر الإحساس بالتعاسة هو أن يتوفر لديك الوقت لتتساءل اسعيد انت ام لا".

كان برنارشو على حق، الفراغ سم قاتل، إبق منشغلا بحيث لا يتوفر لديك وقت للقلق او الهم، أن تكون منشغلا ليس بضرورة أن تكون في مكان عملك لكن يمكنك أن تبقى منشغلا حتى باللعب مع اطفالك او قضاء وقت ممتع مع عائلتك.

إملأ الأوقات بين الصلوات بمهام عليك انجازها و إستخدم اوقات الصلاة كأوقات راحة بين تلك المهام وأضمن لك -بإذن الله- إن تخلد الى النوم في ليلتك سعيدا مطمئنا.

لا تسمح للفراغ أن ينال منك فإن اخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل.

إننا لا نجد للقلق أثرًا عندما نعكف على الانشغال بالعمل، ولكن ساعات الفراغ التي تعقب العمل هي أخطر الساعات التي تبيد السعادة، يوم تجد في حياتك فراغًا فتهيأ حينها للهم والحزن، فستهاجمك شياطين القلق وتفتح لك ملفات الماضي والمستقبل.

استخدم الاطباء النفسيين الملحقين بجيوش الحرب هذا القانون البسيط عندما كان يأتي اليهم الجنود الذين عصفت الحرب أعصابهم، فكانوا يشغلون هؤلاء الجنود المصابون بالانهيار العصبي بأحد أوجه النشاط كصيد السمك أو لعب الكرة أو ري الحدائق ، هذا الانشغال لم يسمح لهم حتى بالتفكير فيما مر بهم من تجارب.

وقد اصبح اسم العلاج الوظيفي occupational therapy يطلق الآن على ذالك الفرع من الطب النفسي الذي يصف العمل والانشغال كعلاج حيث ان احساسا بالاطمئنان والسلم النفسي يطغى على اعصاب الانسان عندما يستغرق في العمل.

وقد روي ريتشارد بيرد في كتابه (وحيد=alone) كيف ان الانشغال بالعمل انقذ حياته عندما عاش خمسة اشهر وحيدا في خيمة في ثلوج القطب الجنوبي ليس معه احد ولا على بعد مائة ميل منه اي مخلوق من اي نوع، قال:

"في الليل قبل أن أطفىء المصباح لآوي الى فراشي كنت اصور لنفسي عمل الغد ، كنت اقسم الغد في خيالي الى ساعات ، فأخصص منها ساعتين للعمل في انشاء نفق، وساعة لازالة الثلوج المتراكمة، وساعة لتركيب ارفف الكتب في عربة الطعام...وبهذا كنت اقطع الوقت، وأحسب أنه لولا هذه الطريقة أو ما يشابهها لأصبحت أيامي بلا هدف ولا غاية ولإنتهت بهلاك محقق.

الاستغراق في العمل هو اعظم دواء للسعادة؛ لذالك لا تظن ان بقائك في حالة اللاشيء هو راحة لك.
رتب يومك مع ترتيب الصلاة.
وإملأ الاوقات بين الصلاة بحيث لا يتسع لك وقت للقلق والحزن.
فتحيا بالصلاة.
جربها!!




فاتتني صلاة !! لـ ( إسلام جمال )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن