(15) خاتمة العشق (النهاية)

3.1K 225 32
                                    


لكل من اشتاق لذلك النور في حياته المظلمة
ولكل من يبحث عن سلام يداوي به هلع نفسه
ولكل من أسرف على نفسه
منتظرا أمطار الغفران تعيده إلى رشده
فر لبوابة الصلاة.

من بوابة الصلاة تستطيع أن تخرج من كهف ذاتك إلى سماء روحك فتحلق في نسيم الأنس بالله. تنهل منه نورا لحياتك المظلمة، وسلاما لنفسك الكئيبة، ورضوانا مضيئا تحرق به ذنوبك!

ليس لك إلا أن تفر من أغلالك قاصدا بوابة الصلاة فتنظر إلى نفسك من مرآة هادئة، لا انفطار فيها ولا اعوجاج فتمد بصرك الحائر إلى أفق أبعد من مدار النظر فيما وراء النظر. فتجد نفسك وتحتضن قلبك الذي كان تائها يبحث عن حياة لم يحيها فتعلم أنك في حضرة الصلاة!

وفي حضرة الصلاة تعرج أجنحة نفسك بعيدا عن برك الهموم والأحزان، فأبواب السماء تفتح لاستقبال تلك اللحظات النورانية.

بينما يدبر إبليس مختبئا من ذلك النور الذي يخترق الآفاق. فتتحرك قلوب الكائنات كلها، وترتفع أعينها إلى السماء فترتوي أرواحها بذلك المدد الإلهي.

ها أنت إذن تدخل خلوة الإيمان مفارقا تيه الوحشة والضياع، مستقبلا مقام الأنس بذكر الله الجليل فشد ثيابك إلى أعتابه وذق من كؤوس التعبد نورا وسلاما وغفرانا. واحذر أن ينجرف بصرك فتلتفت فيلتفت!!

وأني لعبد في مقام الخشوع أن ينصرف عن مشاهدة الجمال، كل شيء يتلاشى، الساعة خلفك، حتى فكرك يتألم إذا اختلف عن الضياء المتجلي للخاشعين، قلبك مفتوح الأبواب لا تخفى منك خفقة قلب واحدة، فالجليل مقبل عليك ناظرا إليك.

إن عبادة فرضت في السماء بغير واسطة الملاك. لجديرة بالارتقاء صعدا بعشاقها إلى مقامات السماء. فاصطبري يا أبدان على إدامة التطهر، فإن غصنا ينبت في جوار الغدير لا يجف أبدا، إن لم تنل من فيضه، نال من نسيمه ونداه، وللطريق مكاره لا يطفئء لهيبا إلا أمطار الصبر، فالاصطبار ثمرة من شجرة الافتقار إلى الله.

ولفاتحة الكتاب عجائب تذوب معها الأماني المستحيلة، تنفض عن كاحليك كل أثقالك لتضعها بين يدي الرحمان الرحيم فإياه نعبد و اياه نستعين، فتحس بنعمة اليقظة ولذة القرب ممن وسعت قدرته و عظمته سعة الكون و ضخامته، فيهدأ هلعك و تطمئن نفسك.

ليس لهذه النفس المطمئنة إلا أن ترسل عبارات الفرح بالله، فتمد أغصانها المورقة حمدا و ثناءًا و تمجيدا مستزيدة بكرم الله ونعمته فتفتح سرورًا بين ضلوع العبد و هو يشعر بجواب سيده، فتقف الذات المستجيرة بجوار الله فيجيبها بإلقاء نور السلام على غصنها المضطرب بين خوف و رجاء، فإذا بالطمأنينة ينفتح أمامها سهولا فسيحة ينال العبد منها ما يشاء.

فيزداد شوقك إلى موضع سجودك فترمقه بعينين خاشعتين، و يتسع الإحساس بعظمة المُلك في قلبك و انت تجول في مملكته حتى يملأ عليك جميع كيانك، فأي قلب هذا الذي لا يتصدع من خشية الله ولا يذوب صخره تحت سلطان الله وعظمته، فتأتيك رغبة قوية في الهبوط من خشية الله فتنحني راكعا له!!

فتتهاوى عروش الغرور ركوعا لعظمة الله في مقام تقويم النفس ورياضتها وهي منحنية إجلالا لسيدها و كلما طال إنحناؤها ازداد إرتقاؤها الى أفق المعرفة بالله.

فإذا بدقات القلب أهدأ و ألطف ما تكون، فتنكشف عنه ظلمات الشرود و يهب عليه نسيم الخشية فترتعش كل الجوارح داخل نسيم الرهبة، فإذا بتجليات الهيبة والإجلال لذي القوة والجلال تنساب على الأنفاس.

فتستقيم واقفا متأدبًا حمدًا و ثناءًا إعترافا بجميل العطاء فترجع الأنفاس إلى إنسيابها عاجزة عن مقابلة كل عطاء بشكرٍ وكل إنعام بحمدٍ فتملؤك رغبة في الحمد خرورا إلى الأرض ساجدا، فيتدفق نور الجليل على بساط سجودك فإذا بتراب الأرض جواهر تشع بجمال السكينة والطمأنينة بين يديه تعالى.

فدق الباب فتلك درجات المقام الأقرب، فإرتق في معارج المقربين حتى تغمرك أمطار الغفران فتمسح عنك عناء السفر و تومض من حولك أطياف العطاء.

أنت في أقرب خفقة من رب العالمين في مقام لا تفسده عليك أمواج الزمن والمكان بضجاتها. فيا أيها الشارد عن قافلة السالكين، ذق سجدة واحدة لترى مقدار ما أنت فيه من حرمان، دع عنك عذل العاذلين ولذع الساخرين و زجر المتكبرين و إنصرف بوجهك إلى مولاك. وإفتح باب سجودك. فإن لك فيه مقاما يكفيك بما يعجز عن شرحه البيان ووصفه اللسان.

ثم ترفع رأسك خاشعا بين يدي مولاك. ترفعه دون أن ترفع بصرك. فالجليل ما زال قبلك، يرقبك من فوق عرشه العظيم. أجلسك الكريم بين يديه و هو ذو العرش المجيد، قاصم الجبارين و مذل المتكبرين. وكان خليقا بالعبد ألا يرى عند مولاه إلا واقفا ممتثلا يسمع أمره و ينهيه في خشوع. ولكنه الله. الملك الكريم. يقبلك عنده جالسا كأنك على ظهر براق يطوي بك السماوات!!

و تمضي في تأملات الغفران ذاكرا متفكرًا. رب إغفر لي، رب إغفر لي. حتى يغلبك نافح الشوق فتضرب بجناحيك إلى المقام الأقرب مرة أخرى ساجدًا للواحد القهار.

فيتجلى ربك بجماله و جلاله على قلبك النابض، ويأذن لك بالتحية، ياله من كرم و ياله من إنعام. تلك التحيات الطيبات المباركات إنما هي لرب العالمين. ثم تدعو مأذونا بالسلام لحبيب الرحمان(صلى الله عليه وسلم ). السلام عليك أيها النبي سلاما يوقد الأنوار في أجنة القلب .

يالجمال هذا العبد المُحرمِ في صلاته راحلا إلى الله يبتغي فضلا منه ورضوانا، مضربا عن غوغاء السكارى الشاردين في جحيم الضياع. ما أجمله و هو يمتطي راحلة النفس المطمئنة فيقطع المسافات التي تقصر عن إستيعابها الأعمار فيختزلها بين ركوع و سجود في قافلة من السائرين!!

*    *    *
-تمت بحمد الله-
نلتقي في كتاب آخر بإذن الله ♡

🎉 لقد انتهيت من قراءة فاتتني صلاة !! لـ ( إسلام جمال ) 🎉
فاتتني صلاة !! لـ ( إسلام جمال )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن