الفصل الخامس عشر

3.5K 118 4
                                    

سبحان الله العظيم

الفصل الخامس عشر
(كانت خلف الباب ممسكة بصينية عليها كوبين من الشاي؛ وقبل أن تطرق الباب سمعت حديثهما بدون قصد؛ خفق قلبها بشدة؛ أحست بالفزع؛ فتحت الباب وفاجأتهما بكلامها الذي لا يستوعبه عقل؛ هل هذه السيدة حقاً بداخلها كل هذا التسامح.؟! هي حقا امرأة تتسم بسمات الإسلام وتقتدي بأمهات المؤمنين في كل أفعالها؟)
"يا علي إزاي تعرف إن أبوك قاعد عند عمك بيرعاه وتفضل ساكت ومتفكرش تسأل عليه.؟! احنا أولى من عمك برعايته؛ أنا ربيتك على كده يا علي.؟!"
التفتا لها في ذهول؛ كلماتها نزلت عليهما كالصاعقة؛ وتركتهما وخرجت تبكي؛ خرج وراءها علي وقال: "والله يا أمي أنا لسة عارف امبارح؛ بس قبل كده مكنتش أعرف.!!"
تنهدت بحزن: "زعلانة منك أوي يا علي"..
اغرورقت عين علي بالدموع: "حقك عليا يا أمي؛ بس والله غصب عني مش قادر أسامحه.!!"
تنهدت بعمق ثم قالت: "مهما حصل ده هيفضل أبوك؛ لو ما راعتش أبوك وهو محتاجلك وقدمتله إيد المساعدة لما تكبر ابنك هيسيبك؛ كما تدين تدان يا ابني"..
تنهدت ثم استكملت كلامها: "حتى لو كان أبوك ظلمك ما ينفعش تبقى ظالم لما يحتاجلك وقت ضعفه ومرضه؛  قوم يا علي شوف أبوك وبوس إيده؛ أنا ما أقدرش أشيل ذنب تربيتك وإنك تعق أبوك"..
سقطت الدموع من عينيه وصمت قليلاً؛ ثم قال: "أنا مش عايز أعقه؛ بس في نفس الوقت مش عارف أسامحه؛ أعمل إيه في نفسي؟!! أنا تعبت طول الليل بافكر ومش قادر آخد قرار.!!"
ربتت على كتفه: "القرار مش في إيدك يا علي.!!"
مسح دموعه وقال في حدة: "يعنى إيه؟! هتخليني أروح غصب عني؟!!"
ردت بحزن: "لا يا ابني فهمت غلط؛ القرار مش بإيدي ولا بإيدك؛ ده أمر من ربنا بعدم عقوق الوالدين وبرهم؛ بتفكر في إيه؟! يلا قوم البس وروح مع أسعد شوف والدك واطمن عليه؛ سامح يا ابني عشان ربنا يسامحك!!"
احتضن والدته بشدة وقال: "يااااه يا أمي على حنيتك وطيبتك وتسامح قلبك.!!"
اغرورقت عينا أسعد بالدموع وهو يقول: "مش عارف أقول إيه؟! بس كل اللي أقدر أقوله ربنا يجازيكِ كل خير؛ أنا فخور بحضرتك أوي.! "
نظرت زينب لأسعد ثم قالت: "وجزاك مثله يا ابني، قولي؛ أبو علي مريض عنده إيه يا أسعد.؟!"
أسعد بحزن: "مريض بالقلب وجاتله جلطة أصابت رجليه بالشلل؛ الحمد الله في السراء والضراء"..
وضعت يدها على فمها ودموعها تتساقط: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ ربنا يشفيه ويعافيه"..
نظرت إلى علي بحزن: "أبوك محتاجلكم يا ابني"..
أومأ برأسه إيجابًا؛ ثم قال: "حاضر هاقوم ألبس وأروح مع أسعد و......"
لم يستكمل كلماته، قاطعته حسناء التي لم تستطع كتمان ثورة الغضب التي نشبت بصدرها أكثر من ذلك؛ فقالت بصوت عالٍ: "يروح عند اللي سابنا عشانها؛ تخدمه.!!"
(بصوت غاضب كالبركان الثائر المتناثرة شظاياه لتحرق من حوله قالتها حسناء ووجهها يزداد احمرارا وغضبا.)
نظر إليها الجميع بدهشة؛ ثم قالت لها والدتها بصوت عالٍ ـ وكانت هذه من المرات القليلة التي ترفع زينب صوتها في وجه حسناء ـ: "شئتِ أم أبيتِ أبوكِ هيجي هنا وهتراعيه أنتِ وأخوكِ؛ مفهوم.؟!"
اتسعت عيناها وقالت بغضب: "لا مش هراعي حد؛ ولا حتى هبص في وشه ولا عايزة أعرفه!!"
بعصبية: "لو عايزة تعصي أمري يا حسناء وتعقي أبوكِ مش هاسامحك أبدا؛ أنتِ فاهمة.؟!"
قالتها زينب وهي تغيب عن الوعي فسقطت مغشياً عليها؛ لحقها علي وحملها إلى سرير زياد ليرقدها عليه؛ وضعت يدها على خديها وظلت تبكي بنحيب وصرخت قائلة: "مااااماااااااا.!!"
ثم جرت عليها وقبلتها؛ بعد أن استنشقت زينب من زجاجة العطر التي يحملها أسعد في جيبه دائما أفاقت..
تنهدت ببطء ثم قالت بتعب: "متقلقوش يا ولاد؛ أنا بخير ما تخافيش يا حسناء"..
احتضنتها حسناء وهي تبكي: "سامحيني يا ماما حقك عليا؛ واللي أنتِ شيفاه صح أنا موافقة عليه؛ إلا زعلك أنا ما أقدرش عليه.!!"
أسعد بقلق: "حاسة بإيه يا خالة.؟! طمنيني عليكِ؛ أنزل أجيب دكتور؟!"
هزت رأسها نافية ثم قالت: "الحمد لله يا ابني أنا بخير؛ مفيش داعي للدكتور؛ تلاقي بس الضغط وطى شوية!!"
نظرت لعلي وقالت له بصوت خافت: "يلا يا ابني قوم البس وروح مع أسعد عند أبوك وبوس إيده؛ وما تجيش من غيره؛ أنت فاهم.؟!!"
بكت حسناء وجرت على غرفتها؛ فنهض علي وراءها فأوقفته والدته قائلة: "سيبها دلوقتي يا علي؛ أنا شوية وهادخل أتكلم معاها"..
أومأ علي برأسه إيجابا؛ وذهب يحضر نفسه للذهاب مع أسعد..
أسعد بفرح: "بسرعة يا عم؛ ده أبوك هيزقطط من الفرح.!!"
علي بابتسامة؛ وملامحه تظهر بعض الخوف والقلق: "حاضر!!"
في السيارة لاحظ أسعد دقات قلب علي ورعشة يده فقال له: "مالك يا عم الحج.؟! محسسني إنك رايح تحارب؛ بسط الأمور كده ومتقلقش!!"
زفر علي بخوف؛ ثم قال: "خايف من المواجهة أوي!!"
ضحك أسعد وقال: "مواجهة إيه بس يا ابني.؟! ده أبوك؛ أنت ادخل سلم عليه وقوله ألف سلامة عليك واسأله عن صحته!!"
علي بابتسامة: "ماشي يا أخويا؛ ما أنت إيدك في مية باردة؛ وسايق بسرعة ليه يا عم.؟! بالراحة على مهلك"..
ضحك بسخرية؛ ثم قال: "ده أنا نفسي أطير؛ نفسي أشوف ابتسامة أبوك اللي غابت عنه وبقت ملامحه حزينة دايما"..
تنهد علي بقوة: "ربنا يفرحك يا عم ويفرحه؛ واسكت بأه صدعتني"..
أسعد بضحكة عالية: "أنا بردو اللي صدعتك.؟!!"
ضحك علي وقال: "أيوة أنت؛ عندك مانع.؟!"
أسعد: "لا؛ ما عنديش يا عم"..
******************
زينب: "بتبكي ليه دلوقتي بس يا بنتي؟!"
حسناء بحزن: "مفيش يا ماما!!"
-بصيلي يا بنتي واسمعيني كويس وحطي الكلام ده حلقة في ودنك؛ أبوكِ لما سابنا مرمناش في الشارع؛ ساب لنا الشقة نعيش فيها كان ممكن أوي يبعها ويرمينا؛ آه هو غلط وأكيد ندمان؛ بس اللي متأكدة منه دلوقتي إنه محتاج لكم؛ وما ينفعش تسيبوه مريض وحد غير أولاده يخدمه حتى لو كان الحد ده أخوه؛ فهماني يا بنتي؟!!
حسناء بحزن: "هي دي اللي ناقصة؛ كمان يرمينا في الشارع.؟! خلاص يجي هو شقته ونروح نأجر شقة يا ماما ونقعد فيها!!"
- أنا مش باقولك كده عشان تقولي نمشي؛ يا بنتي ما تعاقبيش أبوكِ على حاجة عملها قبل كده؛ ده ربنا بيسامح؛ وبعدين ما يمكن أنا السبب وأبوكِ ما كانش مرتاح معايا؛ يعني أنتِ تزعلي مني أنا؛ محدش عالم ظروفه إيه؟!!"
نظرت إليها حسناء بتعجب: "أنتِ السبب.؟! ده أنتِ زوجة الكل يتمناها؛ كفاية حبك اللي مغرقنا"..
والدتها بامتنان: "ربنا يجبر بخاطرك يا بنتي"..
أستكملت زينب كلامها: "طيب لو جالك عريس نقوله أبوكِ فين.؟! هنضحك عليه زي ما ضحكنا على الناس؟! كل اللي يسألنا نقوله مسافر؟ ما ينفعش نكدب؛ أبوكِ رجوعه هيحميكي؛ ووجوده معاكم أفضل بكتير من إنه يبقى بعيد؛ على الأقل زوجك مش هيقولك في يوم أبوكِ فين؟! ما رجعش ليه.؟! وتطلعي كدابة قدامه بعد كده.!!"
تنفست بصعوبة؛ ثم قالت في حزن وأسى: "مش قادرة يا ماما أبص له؛ أنا نسيت ملامحه أصلاً!!"
جففت دموع حسناء بيديها وقالت: "دلوقتي تفتكري ملامحه لما تشوفيه وتسلمي عليه"..
حسناء بانفعال: "أنا مش هاسلم على حد!! مش بعرف أبقى بوشين؛ معرفش أكون باكره حد وأضحك في وشه.!!"
والدتها بزعل: "دي كلمة تقوليها بردو يا بنتي؟!"
حسناء بثقة: "دي الحقيقة"..
والدتها بغضب: "يبقى كده هتعقيني وتعقي والدك يا حسناء!! مش هترضي أبوكِ ولا هتكوني بارة بيا يا بنتي؛ ده يرضيكِ.؟!"
حسناء بحزن: "مقدرش يا ماما أعقك؛ عايزاني أعمل إيه بس يا ماما عشان أرضيكِ؟!"
زينب بابتسامة: "تقومي تغسلي وشك؛ ولما يجي أبوكِ تسلمي عليه وتضحكي في وشه؛ ممكن.؟!"
حسناء بحزن يعتصر قلبها: "طالما ده هيرضيكِ يا أمي حاضر؛ هدوس على قلبي عشان أرضيكِ"..
زينب بابتسامة حزينة: "ربنا يهديكِ يا بنتي!!"
******************
نظرا لعدد سكان القاهرة الكُثر والشوارع المزدحمة وأزمات المرور المتكررة لم يصل أسعد بعد..
أسعد بخنقة: "فضلت تقولي سايق بسرعة ليه؛ أهو الطريق وقف خالص يا عم!"
علي بابتسامة: "متقلقش يا ابني كده كده هنوصل بإذن الله؛ احنا ورانا إيه؟!"
زفر أسعد بملل: "عارف يا علي؛ في السعودية استحالة تلاقي أزمات مرور زي هنا!!"
ضغط على أسنانه ثم قال بضيق: "ومش السعودية بس؛ في كمان الإمارات وبلاد عربية كتيرة كده؛ يا ريت تبقى مصر زيهم كده"..
(قطع كلامهم رنين الهاتف الخاص بأسعد.)،نظر أسعد للمتصل ثم قال: "دي أمي؛ هتلاقيها قلقت عليا وبتطمن"..
والدته: "السلام عليكم يا ابني؛ أنت فين؟!"
أسعد بقلق: "وعليكم السلام؛ مال صوتك يا أمي؟! خير؟!"
-عمك يا ابني تعب فجأة وأبوك أخده المستشفى..
ينقبض قلبه؛ ويقول في قلق: "لا حول ولا قوة إلا بالله، عنوان المستشفى إيه يا أمي.؟!"
-مستشفى تبارك اللي في فيصل..
-أيوة عرفتها يا أمي؛ هروح لهم حالاً..
- خد بالك من نفسك وأنت سايق يا ابني؛ ولما توصل ابقى طمني على عمك.!!
- ربنا يستر؛ ماشي يا أمي مع السلامة.
-في رعاية الله..
علي بقلق وحيرة: "خير يا أسعد.؟! مين في المستشفى؟!!"
أسعد بحزن: "أبوك تعب شوية؛ وبابا أخده على المستشفى."
قال بتوتر وصوت عالٍ: "يلا بسرعة نروح على هناك يا أسعد الله يكرمك"..
استدار أسعد بسيارته واتجه إلى طريق المستشفى وهو يقول: "حاضر؛ الحمد لله الطريق بدأت الزحمة تخف فيه أهو"..
علي بقلق: "الله المستعان"..
(أخيرا وصلا إلى المستشفى؛ ونبضات قلب علي تتسارع دقة تلو الأخرى؛ بدأ يشعر بالقلق ويشعر بسخونة جسده ثم يشعر بالبرودة أحيانا؛ ظل يدعو ربه أن يشفي والده ويحفظه.)
******************

المتنقبة الحسناء(مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن