اذكروا الله
الفصل الثاني عشر
كالفراشة التي تحلق بالهواء ثم تهبط وتتسلق الزهور تتذوق عبيرها، تدور حول نفسها وسط الزهور وتستنشق رحيقها؛ وقفت فجأة عندما رأت تلك الفتاة أمامها وقتئذ رائحة المسك الفاتنة تفوح في كل أرجاء المكان؛ كانت واقفة بجانب زهور بيضاء وترتدي ثوبًا أبيض يزينه نقاب وحجاب طويل، رفعت النقاب ثم كشفت وجهها الذي ينبعث منه النور ابتسمت لها وقالت: "جزاكِ الله خيراً يا حسناء"..
بعد ذلك أنزلت النقاب واختفت كأنها تبخرت من أمامها؛ عينها حائرة تلتفت يميناً ويساراً تبحث عنها؛ وفجأة أفاقت من نومها ووضعت يدها على صدرها وقد علت أنفاسها؛ ثم وضعت أصابعها في أذنيها لا تريد سماع دقات قلبها الخائفة؛ نهضت من فراشها وفتحت نافذة غرفتها تستنشق الهواء، فما زالت تستنشق رائحة المسك؛ نظرت للسماء تلمح النجوم الطافية التي لم يكتمل قمرها بعد، تساءلت أهذا كان حلمًا أم حقيقة؟! وقفت تتأمل وتفكر وتدعو ربها وبعد لحظات أذن المؤذن لصلاة الفجر.)
دخلت زينب تطمئن عليها وتوقظها لصلاة الفجر رأتها بجانب النافذة ذهبت إليها وربتت على كتفيها: "عاملة إيه دلوقتي يا بنتي؟"
قالت وهي تجفف دموعها: "الحمد لله يا ماما في نعمة ورضا من الله"..
والدتها بابتسامة: "الحمد لله يا حبيبتي؛ كنت داخلة أصحيكي تصلي كويس إنك صاحية؛ يلا اتوضي عشان تصلي يا بنتي"..
أومأت برأسها إيجاباً ثم قالت: "حاضر يا ماما"..
توضأت وقبل أن تصلي أقام المؤذن في المسجد المجاور لبيتها الصلاة؛ كان صوت الإمام يتخلل نافذتها سمعته وهو يقرأ: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"؛ لكن لن يلتفت انتباهها لتلك الآية.!!
بدأت حسناء في صلاتها باكية داعية ربها أن يتقبلها ويغفر الذنوب التي تحجب الدعاء وتطلب منه الستر والعفو؛ وبعد انتهائها فتحت مصحفها تقرأ منه ما تيسر من القرآن وإذ بها تفتح المصحف بطريقة عشوائية فقد ظهرت لها سورة المطففين بدأت في قراءتها وعندما وصلت إلى الآية: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"؛ وقفت برهة تفكر ما معنى هذه الآية؟! "الآية دي الإمام لسة كان بيقرأها حالا؛ سبحان الله أكيد دي رسالة عشاني أما أقوم أفتح التفسير وأشوف تفسير الآية إيه بالضبط؟!!"
أمسكت كتاب التفسير وبحثت عن الآية: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"..
"أَيْ لَيْسَ الْأَمْر كَمَا زَعَمُوا وَلَا كَمَا قَالُوا إِنَّ هَذَا الْقُرْآن أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ بَلْ هُوَ كَلَام اللَّه وَوَحْيه وَتَنْزِيله عَلَى رَسُوله صَلىَّ اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا حَجَبَ قُلُوبهمْ عَنْ الْإِيمَان بِهِ مَا عَلَيْهَا مِنْ الرَّيْن الَّذِي قَدْ لَبِسَ قُلُوبهمْ مِنْ كَثْرَة الذُّنُوب وَالْخَطَايَا وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى"كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبهمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" وَالرَّيْن يَعْتَرِي قُلُوب الْكَافِرِينَ وَالْغَيْم لِلْأَبْرَارِ وَالْغَيْن لِلْمُقَرَّبِينَ وَقَدْ رَوَى اِبْن جَرِير وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ طُرُق عَنْ مُحَمَّد بْن عَجْلَان عَنْ الْقَعْقَاع بْن حَكِيم عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّ الْعَبْد إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا كَانَتْ نُكْتَة سَوْدَاء فِي قَلْبه فَإِنْ تَابَ مِنْهَا صُقِلَ قَلْبه وَإِنْ زَادَ زَادَتْ" فَذَلِكَ قَوْل اللَّه تَعَالَى "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبهمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ"."
توقفت حسناء عن القراءة ثم قالت محدثة نفسها: "يعني إيه قلبي فيه نكتة سوداء وهتزيد لو فضلت أعصي ربنا.؟!" يبقى لازم أتوب؛ بس أنا باصلي وبقرأ قرآن ومش باعمل حاجة غلط الحمد لله؛ لا يا حسناء ولبسك الضيق والبناطيل دي تبقى إيه؟! ثم رفعت يدها داعية تناجي ربها: "يا رب ساعدني؛ نور دربي وطريقي؛ اهدني إلى الصراط المستقيم يا رب"..
حينئذ طرق زياد باب الغرفة لكنها لم تنتبه له؛ فدخل وقال: "آمين يا رب العالمين"..
ارتعشت ووضعت يدها على صدرها وتنفست بصعوبة: "حرام عليك يا زياد رعبتني؛ مش تخبط قبل ما تدخل.؟!"
زياد بقلق: "خبطت كتيير الظاهر مأخدتيش بالك، ماما حكتلي أنا وعلي اللي حصل معاكي؛ طمنيني عاملة إيه دلوقتي؟!"
حسناء: "الحمد الله على كل حال"..
قال باهتمام: "دي رسالة من ربنا ليكي يا حبيبتي؛ افهميها صح! ونفذيها صح! عارفة يا حسناء يعني إيه الرسائل الربانية؟!!"
هزت رأسها بالنفي وقالت: "يعني إيه؟!"
تنهد ثم قال: "يعني رسالة من ربنا ليك لو كنتِ في غفلة أو كنتِ بترتكبي ذنب ربنا يبعتلك رسالة عشان تفوقي وتتوبي وترجعي له!"
تنهدت بشدة ثم قالت: "أنا قلت بردو إن أكيد دي رسالة؛ اللهم اغفر تقصيري واهدني إلى صراطك المستقيم, ادعيلي يا زياد دايما"..
زياد بابتسامة: "بادعيلك على طول يا حبيبتي وربنا يتقبل"..
قالت بحنين: "تعرف يا زيزو لما تسافر هتوحشني أوي"..
ظهرت على ملامحه ابتسامة حزينة حاول أن يداريها ثم قال: "ماشي يا بكاشة!!"
حسناء: "خلاص هتسافر بكرة؟!!"
زياد: "أيوة بإذن الله هسافر بكرة بعد العصر؛ خدي بالك على نفسك يا سمسمتي"..
اغرورقت عيناها بالدموع ثم قالت: "حاضر؛ متقلقش عليا يا زيزو؛ قولي حجزت العربية اللي هتوصلك للمطار ولا لسة؟!!"
زياد: "لا ماحجزتش؛ أسعد ربنا يسعده قال هيجي يوصلني للمطار"..
حسناء: "كتر خيره"..
قال مداعبا: "ها قوليلي لما أقبض أول شهر أجيبلك هدية إيه؟!!"
قالت بابتسامة: "أهم شيء توصل بالسلامة؛ ومش محتاجة حاجة غير إنك تكون بخير وخد بالك من نفسك؛ وربنا يهون عليك غربتك"..
لم يتمالك نفسه، تساقطت دموعه واحتضنها: "هتوحشيني يا سوسة؛ لماضتك هتوحشني"..
ابتسمت قائلة: "أنت كمان هتوحشني أوي"..
أدخل علي رأسه من وراء الباب ثم قال بابتسامة: "يا سلام على الحب!! وأنا مليش من الحب جانب ولا إيه؟!!"
هم بالدخول واحتضنهم ولف ذراعيه حولهم بحب وعطف وحنان وأعينهم بها بعض الدموع.!! وقفت والدتهم على باب الغرفة؛ ظلت دموعها تتساقط وهي تقول: "ربنا يخليكم لبعض يا حبايبي"..
الثلاثة في نفس واحد: "تعالي يا ماما خديلك حضن بسرعة"..
همت بالدخول واحتضنتهم..
علي: "يلا يا سمسمة قومي؛ مفيش نوم النهاردة عايزين نشبع من زيزو شوية"..
(انتهى اليوم وهم يقضونه مع زياد يتذكرون أيام طفولتهم..)
******************
(صبيحة اليوم التالي)
زياد: "يا أمي؛ مها ووالدها هيجوا يقضوا معانا النهاردة"..
غمز علي لزياد ثم قال مداعبا: "ماشية معاك يا زيزو".
انفجر الكل بالضحك؛ ثم قالت حسناء: "مها وحشتني أوي كويس إني هشوفها النهاردة"..
زياد: "خدي بالك من مها يا سمسمة ما تنسيش إنها وحيدة!!"
عقدت حاجبيها: "انت هتوصيني على أختي؟!!"
والدتهم بابتسامة: "متقلقش مها جوا العين؛ يلا أنا هقوم أحضر الفطار"..
******************
رن جرس الباب عند الساعة الثامنة معلنا قدوم أحد، جرى زياد وفتح الباب..
ضحكت حسناء و علي، وفي نفس واحد قالا: "أكيد دي مها وعمو سعيد!!"
(ظهرت مها ووالدها وألقوا السلام على الجميع؛ وكانت زينب قد أحضرت الإفطار؛ فجلس سعيد وعلي وزياد في غرفة الجلوس ليتناولوا وجبة الإفطار؛ أما زينب ومها دخلوا غرفة حسناء وتناولوا الإفطار؛ بعد انتهائهم من الإفطار ظلت حسناء تروي لمها ما حدث معها في الكلية أول أمس؛ بعد ذلك أذن الظهر ونزل علي وزياد ووالد مها للصلاة؛ وكان أسعد على موعد معهم على باب المسجد وتقابلوا جميعا وبعد الانتهاء من أداء صلاة الظهر رجعوا إلى المنزل..)
******************
أسعد: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ إزيك يا خالة عاملة إيه؟!"
زينب بابتسامة: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ الحمد لله بخير يا ابني"..
أسعد بقلق: "حسناء عاملة إيه دلوقتي؟!!"
زينب: "الحمد الله في نعمة ورضا من الله"..
أسعد بابتسامة: "يستاهل الحمد؛ هي فين مش شايفها يعني؟!"
أشارت إلى البلكونة: "هي قاعدة في البلكونة مع مها"..
استأذن قائلا: "هاروح أسلم على حسناء وأطمن عليها.!!"
زينب: "اتفضل يا ابني"..
نادى أسعد على علي: "ممكن تيجي معايا البلكونة أطمن على صحة حسناء.؟!!"
علي بابتسامة: "يلا تعالى نرخم عليها شوية"..
(دخل علي وأسعد الشرفة؛ وعندما رأتهم مها استأذنت منهم.)
نظر علي لحسناء ثم قال: "يا سمسمة أسعد جاي يطمن عليكِ!"
نظرت بخجل وقالت: "إزيك يا أستاذ أسعد؟!"
نظر للأرض وقال: "الحمد لله؛ أنتِ عاملة إيه؟! يا رب تكوني بخير؟!"
قالت بامتنان: "الحمد لله"..
(رن هاتف علي وذهب بعيدا ليرد)
عندما رأى أسعد علي يبتعد قليلا ليرد على هاتفه قال: "أستأذن أنا!"
التفتت له ثم قالت بجدية: "ممكن أسألك سؤال؟!!"
أسعد يرتبك ويرد بقلق: "اتفضلي اسألي؛ خير؟!"
******************